نجلا إدوارد سعيد تكتب الأب وتبحث عن فلسطين في أميركا

من الولايات المتحدة الأميركية كتبت نجلا إدوارد سعيد عن وطنها فلسطين، الذي لم تعرفه يوما سوى من والدها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد. من الصعب أن تعشق المجهول فتكتبه بحبر الحب المعطر بالياسمين والزنبق والبنفسج. تشم من بعيد رائحة الكروم وندى الصباح الباكر وزبد البحر المتدفق. يغدو عرق المزارعين جميلا بجباههم العريضة السمراء. مسنات يجمعن الزيتون في ساعات الخريف الأولى.
 
هكذا هي فلسطين في عيون إدوارد سعيد. وهكذا عرفتها ابنته نجلا التي عاشت حدي التناقض في منزل فلسطيني حتى النخاع. تضج في أركانه شعر المقاومة والأدب العربي. والأهم من هذا كله القضية الفلسطينية، ثم ما تلبث أن تعيش العصرية والمدنية الأميركية التي لا تتقاطع مع ما نشأت عليه نجلا إدوارد سعيد. 
 
انطلاقا من هذه التجربة كتبت نجلا إدوارد سعيد كتابا بعنوان "البحث عن فلسطين". عرفت في هذه المذكرات عن نفسها بأنها "امرأة فلسطينية- لبنانية- أميركية- مسيحية"، ثم تحكي عن نشأتها على الطريقة العربية داخل مجتمع أمريكي متحرر، ما جعلها تنطوي على نفسها، ولتفادي تطور الأمر سجلها والدها المفكر إدوارد سعيد في دورات مسرحية حتى تتعلّم طرق التعبير عن الذات أمام الناس. ومن هنا تغير مسار حياة هذه الفتاة. إذا أضحت اليوم ممثلة وكاتبة ومخرجة مسرحية معروفة في أميركا وبريطانيا، بعد أن أسّست فرقتها الخاصة "نبرة" المؤلفة من مجموعة شباب فلسطينيين وأميركيين.
 
أيضا تحدثت نجلا في الكتاب عن جانب حياتها الشرقي، الذي بحثت فيه عن فلسطين من خلال والديها، اللذين عاشا الحياة العربية في الولايات المتحدة الأميركية، بدءا بأكبر الأشياء وهي القضية الفلسطينية وصولا إلى أصغر الأمور مثل منزل العائلة الممتلئ بالكتب والأقلام والسجائر والسجاد العجمي والضيوف الفلسطينيين واللبنانيين.
 
تحكي نجلا في الكتاب عن تعرفها إلى القضية الفلسطينية من خلال والدها إدوار سعيد، الذي شرح لها الاحتلال الإسرائيلي وحق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم، والعودة إليها بعد سنوات طويلة من التهجير. لذلك قررت مرافقة أبيها إلى فلسطين المحتلة، لرؤية وطنها الذي سمعت عنه طويلا، ما جعلها تعتبر هذه الرحلة أهم إنجازتها في سنواتها الأربعين. وفي تلك اللحظة عرفت نجلا كما تقول في كتابها "أملك صوتاً، كامرأة فلسطينية وأميركية". لذلك اختارت خشبة المسرح وسيلة لإيصال صوتها، ثم طرقت باب الكتابة من خلال كتابها "بحثا عن فلسطين"، الصادر باللغة الإنكليزية الذي سردت فيه تجربة الحياة المرتبكة في أسرة عربية أميركية غير عادية لأن رأسها هو المفكر إدوارد سعيد.
 
تطرقت نجلا في هذا الكتاب إلى مواقف والدها من الاحتلال الإسرائيلي، ويظل السؤال: هل ستسير نجلا إدوارد سعيد على نفس نهج والدها لكن بأسلوب العصر الإلكتروني وموهبتها المسرحية أم ستعود إلى كلاسيكية الفكر لتكمل الدفاع عن الحق الفلسطيني؟!