ما هو تأثير التقاعد على صحة الدماغ؟

التقاعد هو المرحلة التي ينتظرها الكثيرون بفارغ الصبر، اذ انها المرحلة التي نرتاح فيها من العمل والسعي لكسب المال وتوفير احتياجات المنزل والعائلة. وهي بالتأكيد المرحلة التي يتفرغ فيا البعض للاعتناء بانفسهم صحيا ونفسيا، وكذلك لممارسة الهوايات المفضلة او السفر او قضاء وقت اكثر مع الاحبة وغيرها من النشاطات التي تساعد على الراحة وبث مشاعر السعادة في النفس.

لكن التوقف عن العمل عند الوصول لعمر التقاعد لا ينعكس بالايجاب بالمطلق على الصحة، وتحديدا صحة الدماغ كما وجدت دراسة جديدة اليكم تفاصيلها.

التقاعد يؤدي لتراجع القدرات العقلية

الدراسة التي اعدها باحثون بريطانيون، خلصت الى ان قدرة الدماغ على اداء المهام اليومية تشهد تراجعا كبيرا عند توقف الاشخاص عن القيام باي عمل، حسبما اشارت صحيفة "تلغراف" البريطانية.

ويضيف الباحثون في الدراسة انه حتى كبار الموظفين الذين قاموا بمهم تتطلب الكثير من الجهد العقلي، يشهدون تراجعا كبيرا في قدرات الدماغ لديهم بعد وصولهم لسن التقاعد.

وكان الباحثون تابعوا حالات 3400 متقاعد مدني في بريطانيا، ليجدوا ان الذاكرة الاولية لهؤلاء المتقاعدين انخفضت بنسبة 40% بمجرد احالتهم للتقاعد. ما يؤشر على ان قلة التحفيز المنظم يمكن ان تكون له عواقب سيئة على الوظائف الادراكية في الدماغ، وهو ما قد يسرع من فقدان الذاكرة وامكانية الاصابة بالخرف.

وبحسب كاري كوبر، الباحث في علم النفس التنظيمي بجامعة مانشستر للاعمال، فإن هذه الدراسة تؤكد ما توصلت اليه دراسات سابقة وهو انه في حال توقف الانسان عن استخدام وظائف معينة فانه سيفقدها مع مرور الوقت.

ولفت كوبر الى انه بات واضحا تأثير التقاعد في الاصابة بمرض الخرف مبكرا، مشيرا الى أنه كلما زاد النشاط الادراكي في الدماغ كلما انخفضت فرصة الاصابة بالمرض.

في هذه الحالة، هل يجب على الانسان العمل الى ما لا نهاية؟ 

يجيب كوبر على هذا التساؤل بالقول انه في حال كان الشخص المتقاعد عمل سابقا في مجالي الصحة والتعليم، بامكانه المشاركة في عمل تطوعي لساعات محدودة يوميا، وهو العمل الذي يساعد على ابقاء الانسان نشيطا بدنيا وعقليا.

جدير بالذكر ان التقاعد هو مرحلة اساسية في حياة الانسان، وتحمل الكثير من الفوائد الصحية والنفسية له لكنها في الوقت ذاته قد تتسبب باثار سلبية على الانسان.

فالتقاعد يؤدي لانخفاض مقدار التوتر الناتج عن الضغوط النفسية المصاحبة للعمل، وبالتالي فان انخفاض مقدار التوتر في الحياة اليومية يؤدي لانخفاض الشعور الدائم بالارهاق والتعب، ويقلل من احتمالات الاصابة بالعديد من الامراض العضوية والاضطرابات النفسية. 

والمعروف ان التوتر الشديد او المزمن، بسبب ظروف العمل او اية اسباب اخرى، يزيد من افراز هرمون الادرينالين وهرمون الكورتيزون في الجسم، وهما الهرمونان اللذان يزيدان من تسارع ضربات القلب ومعدل التنفس ومستوى ضغط الدم، كما يولدان نوعا من الضغط العام على اعضاء واجهزة الجسم. ولذا يحمل التوتر المزمن خطرا صحيا لجهة اعتباره سببا رئيسيا وراء الاصابة بامراض القلب مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم.

اما الاثر السلبي للتقاعد، متوسط وطويل المدى، فقد اكدته دراسة صادرة عن معهد الشؤون الاقتصادية (Institute of Economic Affairs) بالعاصمة البريطانية، خلصت من خلال مقارنة الحالة الصحية لمن تقاعدوا باقرانهم الذين ظلوا يعلمون بعد تخطي سن التقاعد، الى ان التقاعد يتسبب في تبعات صحية فادحة، حيث ربطت الدراسة بين التقاعد وبين زيادة احتمالات الاصابة ب الاكتئاب بنسبة 40%، وزيادة احتمالات الاصابة باحد الامراض العضوية المزمنة بنسبة 60%.