روبن وليامز:أخيراً تحرر الجن من مصباح علاء الدين

هي: عماد عبد الرازق 
 
أما كان بوسع روبن وليامز أن يختار يوما أسوأ من هذا ليرحل عن عالمنا؟ أم لعلنا نقول يوما أفضل من هذا؟
 
في تلك اللحظات التي  كانت وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي تتناقل فيها النبأ الفاجع كانت كوكبة من رفاق وليامز من أبطال وبطلات آخر أفلامه يسيرون متثاقلين من فرط الحزن على البساط الأحمر لحضور العرض الافتتاحي للفيلم. كان يفترض أن يكون ويليامز وسطهم متقدما الصفوف. لكن الموت غيبه عن دنيانا وان لن يغيبه أبدا عن قلوبنا وعقولنا وأرواحنا المتعبة التي لطالما غسلها بضحكاته الرنانة التي غالبا ما جمعت الخفة إلى السخرية المشوبة بالمرارة أحيانا لترسم على شفاهنا ابتسامات عريضة حتى تغرورق عيوننا بدموع لحظات الفرح والمرح والاستخفاف بالحياة وتقلباتها.   
 
رحل وليامز في ليلة افتتاح ' المعطاء The Giver'. فيا لها من مفارقة مضنية، مضحكة، مبكية أن يودعنا ' المعطاء' بآخر دفقة من عطائه المبدع الذي لم يتوقف أبدا لأكثر من أربعين عاما.
 
في الطريق إلى افتتاح ' المعطاء' اكتفت النجمة ميريل ستريب بكلمات مقتضبة قائلة انه ليس لديها ما تقوله فهى لم تستوعب الصدمة بعد. فيما آثر شريكهما في الفيلم ' جيف بريدجز'الصمت تماماً. وشبيه برد الفعل هذا ما كتبه ' بيللي كريستال' رفيق وليامز على درب النجومية والكوميديا في تغريدة على تويتر قال فيها ' لا كلمات'.  
 
أما مخرج ' المعطاء'  ' فيليب نويس' فأغدق الثناء عليه قائلا " انه كان واحدا من أعظم نجوم الكوميديا في تاريخ السينما. لقد أضحكنا من القلب. وأضحكنا بعقولنا وبكل خلجة من أجسامنا. أضحكنا ضحكات عابرة بمثل ما أضحكنا ضحكات عميقة جدا لأنه كان شديد الذكاء. كان كأحد قوى الطبيعة، وكان ممثلا رائعا أيضا. وأدائه في " جمعية الشعراء الموتى" لا يقارن.    
 
زوجة وليامز،' سوزان شنيدر' التي تمالكت نفسها بالكاد  لتغالب حزنها المروع ، قالت في تصريح نقل عنها ' اليوم فقدت زوجي وأفضل صديق لي. وفقد العالم واحدا من أكثر الفنانين المحبوبين. كان إنسانا جميلا'. وأهابت شنيدر بالأعلام ومحبي وليامز أنالإدمان،أحزان العائلة في هذا الوقت العصيب  "بالنيابة عن عائلة روبين، أطالب بمنحنا قدرا من الخصوصية خلال فترة الحزن العميق التي نعيشها، ونأمل أن يكون تذكر لحظات الضحك والمتعة التي منحها روبين للملايين هي محور الاهتمام وليس وفاته".
 
وقد أكدت تقارير الطب الجنائي أن  وليامز انتزع حياته بنفسه حيث عثر عليه مساعده الشخصي جالسا في غرفة نومه بكامل ملابسه، وقد التف حزام بإحكام حول عنقه. فللنجم الموهوب المحبوب تاريخ مؤلم مع الإدمان ، ولم يتردد هو في الحديث عن معركته مع الإدمان مرارا وبصراحة تثير الإعجاب. وسبق أن دخل إلى مصحات إعادة التأهيل عدة مرات كان آخرها الشهر الماضي في مينيسوتا. لكن ممثلين عنه قالوا أن وليامز توقف عن تعاطي أي مخدرات أو كحوليات منذ فترة إلا انه كان يعاني من اكتئاب حاد مؤخراً وانه   دخل المصحة الشهر الماضي فقط ليستعيد توازنه النفسي وتركيزه الذهني بعد عدة شهور من العمل الشاق في فيلمه الأخير إلى جانب فيلم ثان لم ينزل للأسواق بعد وهو جزء مكمل ل ' ليلة في المتحف A Night At The Museum' وفيه يجسد وليامز دور الرئيس الأميركي الراحل " تيودور روزفلت".
 
كما شارك وليامز في بطولة عدة أفلام في السنوات الأخيرة من بينها ' العرس الكبير The Big Wedding و" أكثر الرجال غضباً في بروكلينThe Angriest Man in Brooklyn' و ' كبير الخدم  The Butler' .
 
 
وليامز الذي ولد عام ١٩٥١ بولاية إلينوي قبل أن ينتقل إلى مقاطعة ' مارين' بولاية كاليفورنيا حيث وافته المنية بمنزله هناك الكائن بمدينة ' تيبورن' إلى الشمال من سان فرانسيسكو، حصل على منحة لدراسة الفن في كلية ' جوليارد' واحدة من أفضل كليات الدراما في العالم، مع نحو ألفي طالب آخرين بينهم ' كريستوفر رييف' الذي لمع مؤخراً في ادوار سوبرمان وربطتهما صداقة عمر حتى وفاة رييف ٢٠٠٤.  
 
منذ أن أضاء وليامز الشاشة الصغيرة. في منتصف السبعينات من خلال المسلسل الكوميدي ' مورك ومندي Mork&Mindy' وجسد فيه شخصية كائن فضائي صديق للبشر وهى الشخصية التي ظهرت أصلا في إحدى حلقات المسلسل الشهير في تلك الحقبة ' الأيام السعيدة Happy Days'. برزت موهبة وليامز في الارتجال  من خلال المسلسل حيث كان يرتجل معظم مشاهده وفاز عنه بجائزة ' الكوكب الذهبي، غولدن غلوب'.  موهبته في الارتجال قادته إلى أن يجرب حظه في عروض الكوميديا الفردية ' Standup comedy' في الملاهي وعلب الليل وحقق خلالها نجاحا ملحوظا وان ظل التمثيل حلمه الأكبر الذي يسكنه. وكان له ما أراد في غضون أشهر قليلة حيث لفت إليه الأنظار وفاز بدور بطولة سينمائية لشخصية  ' بوباىPoppy ' عام ١٩٨٠، ,إحدى شخصيات السلاسل المصورة لبحار يتحول إلى بطل خارق بمجرد أن يتناول وجبة من السبانخ. 
 
وظل ' بوباى' بالغليون الشهير الذي لا يفارق يده أو فمه علامة مميزة لوليامز. منذ أن اختطفته 
السينما مطلع الثمانينات ظل وليامز وفيا لها إلى أن جاءته الانطلاقة الكبرى من خلال فيلم ' صباح الخير يا فيتنام Good Morning Vietnam' ( ١٩٨٧) وفيه جسد دور مقدم برنامج صباحي موسيقي غنائي في إذاعة محلية بهانوى ملحقة بإحدى معسكرات الجيش الأميركي هناك. وحقق برنامجه نجاحا هائلا وسط الجنود وصغار الضباط رغم تحفظ رؤسائه. وحقق  الفيلم ذاته نجاحا تجاريا وفنيا مدويا نال عنه وليامز جائزة غولدن غلوب للمرة الثانية كما رشح عنه للأوسكار. 
 
بعد ذلك بعامين حقق وليامز اختراقا جديدا إبان عن ثراء موهبته وعمقها كممثل جاد قادر على تجسيد الأدوار المركبة وذلك من خلال ' جمعية الشعراء الموتى Dead Poets Society'، ( ١٩٨٩)، واحد من أجمل أقلامه وانجحها وجسد فيه واحدا من أفضل أدواره وأنبلها لمدرس لغة انجليزية غير تقليدي ينتقل للعمل في مدرسة ثانوية للمتفوقين حيث يبهر الطلاب بأسلوبه الخلاق في التدريس وفهمه العميق للأدب والشعر ويستحوذ على قلوبهم وعقولهم سواء. كوفئ عن دوره هذا بالترشح للأوسكار للمرة الثانية والغولدن غلوب التي فاز بها مرتين من قبل. وللمرة الثالثة رشح وليامز للأوسكار عن فيلم ' الملك الصياد Fisher King ' ( ١٩٩١) الذي فاز عنه بالغولدن غلوب للمرة الثالثة وجسد فيه دورا إنسانيا مؤثرا  مع جيف بريدجز شريكه في بطولة آخر أفلامه ' المعطاء' في عام ١٩٩٧ توج وليامز مشواره السينمائي بفوزه بالأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد عن فيلم ' غوود ويل هنتنغGood Will Hunting' أمام النجمين الصاعدين آنذاك ' مات ديمون' و ' بن أفليك' اللذين فازا بالأوسكار عن سيناريو الفيلم الذي ألفاه سويا. 
 
لم تغب بداية وليامز الكوميدية المبكرة في المسلسل التليفزيوني المشار إليه  في شخصية ' مورك' الكائن الفضائي من كوكب ' اورك'، لم تغب عن الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو ينعيه باسم أسرته في بيان رسمي صدر عن البيت الأبيض جاء فيه: " روبن وليامز كان طيارا، وطبيبا، وعفريتا، ومربية، ورئيسا، وأستاذا، وبيتر بان، وكل شيء آخر بين هذه الشخصيات. لكنه كان فريدا من نوعه. لقد وصل إلى حياتنا مخلوقا غريبا من الفضاء، لكنه انتهى إلى أن يلامس كل عنصر من عناصر الروح الإنسانية. لقد أضحكنا وأبكانا. ومنح موهبته الفذة بكرم وسخاء لأولئك الذين كانوا في أمس الحاجة إليها. من جنودنا حول العالم إلى المهمشين في شوارعنا. عائلتنا تقدم تعازيها إلى أسرة روبن وأصدقائه وكل أولئك الذين وجدوا صوتهم وأنفسهم بفضل روبن وليامز". 
 
وليامز الذي شارك في بطولة عدة أفلام في السنوات الأخيرة من بينها ' العرس الكبير The Big Wedding و" أكثر الرجال غضباً في بروكلينThe Angriest man in Brooklyn' و ' كبير الخدم  The Butler'، سيظل الملايين حول العالم يحملون أجمل الذكريات للفنان الفذ  الذي اسعد عدة أجيال من الأطفال والصغار بأدوار لا تنسى أدخلت البهجة والفرح وأسعدتهم أيما سعادة. هؤلاء وغيرهم ارتبطت لحظات طفولتهم السعيدة بأفلام وليامز مثل مسزداوتفايرMrsDoubtfire' الذي جسد فيه دور أب يتقدم متنكرا لوظيفة مربية عجوز ليكون بجوار أطفاله بعد أن أدت الخلافات إلى انفصاله عن أمهم. لكن وليامز اشتهر أيضاً بالأداء الصوتي لعدة شخصيات في أقلام ديزني من بينها ' علاء الدين'، ١٩٩٢، و ' روبوتات Robots' ٢٠٠٥، و ' أقدام سعيدة Happy Feet' ٢٠٠٦. هذه الشخصيات ستظل محفورة في ذاكرة أجيال متعاقبة من الأطفال بعد أن سبوا عن الطوق وصاروا شبابا وشابات. 
 
من أجمل التعليقات التي كتبت في وداع وليامز ذلك الذي نشرته إحدى  معجباته على تويتر مع صورة من فيلم ' علاء الدين' عن " ألف ليلة وليلة يظهر فيها " الجن"،وهو الدور الذي جسده روبن بعدة أصوات مختلفة، منطلقا من مصباح علاء الدين. كان هذا حلم الجن من بداية الفيلم لنهايته أن يتحرر من سجنه في المصباح. وها قد كتبت له الحرية أخيرا من إسار عالمنا الزائل.  
 
يخلف وليامز ثلاثة أبناء من زيجات سابقة.