LUCY... الحسناء التي تحولت إلى امرأة خارقة رغم أنفها

هي: عماد عبد الرازق
 
يبدأ فيلم المخرج لوك بيسون الأخير بداية واقعية جداً بل ودموية لحد مخيف ومتخمة بمشاهد الإثارة والاكشن بإيقاع لاهث الى حد ما، قبل ان يلقي بنا الى مغامرة مثيرة في عالم الخيال العلمي ولكن في الوقت الحاضر لا المستقبل، كما هي عادة افلام الخيال العلمي. 
 
قبل ان تظهر بطلة الفيلم لوسي (سكارليت جوهانسون) يأتينا صوتها مصاحبا لمشاهد لانقسام خلية حية، وانسان من حقبة ما قبل التاريخ يشرب من بحيرة وهى تقول ان الحياة بدأت منذ بلايين السنين متسائلة ما الذي فعله بني البشر بها. 
 
نلتقي 'لوسي الفتاة الاميركية لأول مرة في فندق في تايوان حيث تقضي عطلة  بصحبة صديق لها تعرفت عليها قبل ايام قليلة. يطلب منها الصديق ريتشارد ان تحمل حقيبة الى رجل يدعى "مستر جانغ" بنفس الفندق لكنها ترفض تلبية طلبه الا اذا اخبرها عن محتويات الحقيبة. على الفور يقوم "ريتشارد" بتقييد الحقيبة الى يدها ثم يتركها وقد اسقط في يدها، فتخبط الى بهو الفندق وتخبر موظف الاستقبال بان عليها الصعود لغرفة السيد "جانغ"، وفيما هي تتابع صديقها مغادرا الفندق تراه يسقط قتيلا جراء إطلاق النار عليه.
 
وقبل ان تفيق من صدمتها يخرج اليها مجموعة من اتباع "جانغ" ويقتادوها الي غرفته حيث تفاجأ بمنظر مريع لجثث ملطخة بالدماء متناثرة على ارض الغرفة فتصاب بالغثيان، قبل ان يدخل مستر "جانغ" فجأة ويداه ملطختان بالدماء. 
 
ولأنه لا يتحدث الإنكليزية يكتب لها ارقام فتح الحقيبة السرية على ورقة فتفتحها صاغرة لتجد بداخلها أربعة اكياس من مسحوق ازرق، ثم يستدعي " جانغ" رجلا مخدرا ويأمره باستنشاق المادة فيصاب الرجل على الفور بحالة هستيرية فيطلق النار عليه ويرديه قتيلا. كل هذا و' لوسي' في حالة من الهلع والاضطراب عاجزة عن استيعاب ما وقع لها في الدقائق القليلة الاخيرة.
 
تفيق "لوسي" في غرفة بأحد الفنادق لتجد ضمادة كبيرة حول بطنها قبل ان يصل اتباع زعيم العصابة "جانغ" ويقتادوها مع ثلاثة رجال آخرين الي شقته وهناك يشرح لها احد مساعديه انها والثلاثة الآخرين خضعوا لجراحة تم خلالها حشو امعائهم بمخدر ' CPH4'، وهو احدث ما انتجته معامل تجار المخدرات، ومهمتهم الأربعة تتلخص في تهريب المخدر عبر مناطق مختلفة من العالم. ودون سابق إنذار تقتاد "لوسي" وحدها الى غرفة حيث يحاول احد رجال العصابة الاعتداء عليها وحين ترفض ينهال عليها ركلا  في بطنها ما يؤدي الى تهتك الضمادة، وتفتق الجرح في بطنها فتتسرب المادة المخدرة الى سائر أنحاء جسدها، وإذا بها تصاب بحالة هستيرية من الهلع تتلوى على اثرها من شدة الألم وتقفز في الهواء حتى ترتطم بسقف الغرفة لتسقط ثانية مغشيا عليها. 
 
في هذه الأثناء نتابع بروفيسور "صامويل نورمان" (مورغان فريمان) يلقي محاضرة عن أبحاثه حول القدرات الكامنة في العقل البشري، وماذا يمكن ان يحدث لو تمكن الإنسان من تجاوز نسبة العشرة في المئة التي يستخدمها العقل البشري. ويشرح لطلابه انه في حال وصول الانسان الى تحرير أربعين في المئة من قدراته العقلية الكامنة سيصبح بمقدوره  التحكم في بيئته كما يحلو له. 
 
فإذا راقت له البيئة تأقلم وبدأ في التكاثر كإحدى وظائفه الحيوية الاساسية في الحياة، أي الحفاظ على النوع البشري وانتقال المعرفة والخبرات م، جيل لآخر. وإذا لم ترق له فانه ينتقل الى بيئة اخرى حيث يكون بمقدوره العيش للأبد. وحين يسأل احد الطلاب وما الذي يمكن ان يحدث لو تمكن الإنيان من تحرير قدراته العقلية الكامنة كلها، أي استخدام إمكانياته العقلية بنسبة مئة في المئة؟ فيجيب البروفيسور ان ذلك ما لم يتوصل اليه العلم بعد، وهو بعيد المنال. 
 
ولكن ليس بعيدا الى هذه الدرجة كما سنرى. 
 
سوبر لوسي.. تعود لتنتقم 
نعود الى "لوسي" حيث تركناها مقيدة تتلوى من الألم بعد تعرضها لضرب مبرح، وبمجرد ان تفيق تجد نفسها في مواجهة احد رجال العصابة يستعد للاعتداء عليها، فتتظاهر بإغرائه وبمجرد ان يقترب منها تقبض عليها وتطيح به بعد ان تنزع مسدسه وترديه قتيلا، ثم تخرج لتنكل برفاقه من البلطجية اثناء تناولهم الطعام وتقتلهم جميعا وتلتهم طعامهم. في اثناء المعركة القصيرة تصاب "لوسي" برصاصة في كتفها لكنها بمنتهى الرشاقة تخرجها من جسدها دون أدنى احساس بالألم.
 
"لوسي" لا تستشعر الألم، وهذه مجرد قدرة واحدة من قدرات خارقة يبدو ان المخدر الذي تسرب الى جسدها قد أطلقها من عقالها. وبالفعل في طريقها الى المستشفى تسمع من داخل السيارة أصوات المارة في الشارع بوضوح،  وفي المستشفى تتمكن من قراءة اللافتات المكتوبة باللغة التايوانية كما لو كانت تتقنها تماماً كالإنكليزية. وفي غرفة عمليات تجد الأطباء منكبين على علاج مريض فتطلق عليه النار فيسقط قتيلا وسط دهشة الأطباء قبل ان تخبرهم انه بناء على  صور الأشعة الخاصة بها والتي رأتها هي بنظرها الخارق، فان حالة المريض ميؤوس منها ويجب ان يكفوا عن علاجه لان الورم السرطاني في مخه وصل الى درجة متقدمة ولا أمل في نجاته. وليست هذه كل قدراتها الخارقة. فهي تتصل بأمها هاتفيا وتخبرها انها تشعر بكل شيء داخل جسدها، بسريان الدماء في عروقها، بالحرارة وهى تغادر جسدها، كما صارت ذاكرتها خارقة للعادة بحيث يمكنها استدعاء ذكريات طفولتها بأدق تفاصيلها. 
 
وحين تخضع للجراحة لاستخراج أكياس المخدر من امعائها تخبر الأطباء ان المخدر الذي سرى في جسدها اسمه ' CPH4'. وحين يستخرجه الطبيب يخبرها انه عبارة عن مادة تفرزها الام الحامل بعد  ستة أسابيع من حملها، وهى لب الغذاء الذي يتناوله الجنين ليساعده على التكون والنمو، ويشرح لها انه على علم ان تجار المخدرات كانوا يحاولون منذ فترة تصنيع مادة كيميائية مشابهة، لكنه لم يدرك انهم سيتوصلون الى ذلك بهذه السرعة.  
 
ويتعجب الطبيب كيف انها ظلت حية طوال هذه الفترة والمخدر في جسدها، فتخبره انها قد لا تبقى طويلا على قيد الحياة. ما لا يعلمه الطبيب ان "لوسي" صارت امرأة خارقة، لا يؤثر فيها شيئا أيا ما كان، ولا تشعر بالألم، وحواسها الخمس خارقة وقوتها الجسدية لا حدود لها بل يتعذر قتلها. اما هي فلا يشغلها الان سوى امر واحد: ان تنتقم من أولئك الذين أوقعوها في حبائل هذه المؤامرة المرعبة. 
 
الفيلم الذي بدأ بلوسي ضحية خطة جهنمية من صنع حفنة رجال أشرار بدءا بصديقها المزعوم "ريتشارد"  الذي باعها لعصابة المخدرات، يقودها الى التحول تدريجيا امام أعيننا الى امرأة خارقة تنزل أشد العقاب بأولئك الرجال. نحن نتعاطف معها بلا جدال، كضحية، وكونها امرأة يجعلها محط اعجاب وتعاطف النساء بشكل خاص. في الوقت ذاته و منذ هذه اللحظة يترافق مع تحولها الى امرأة ذات قدرات خارقة، " فوق انسانية" أو " ما وراء انسانية"، تجردها خطوة بخطوة من انسانيتها، ليس بالمعنى الشرير، وانما تجردها من كل ما يميزنا كبشر، فلا عواطف ولا رغبات لديها، وهى لا تشعر بالألم كما في مشهد استخراجها الرصاصة من كتفها، بل انها ايضا محصنة ضد الشعور بألآم الآخرين، ومشهد قتلها لمريض السرطان في غرفة العمليات مجرد مثل على ذلك.  
 
منذ هذه اللحظة تتشابك خيوط حبكة الخيال العلمي مع الحبكة البوليسية التي تتبع الطريق التقليدية للصراع بين الخير والشر. أصبحت "لوسي" نموذجا بطوليا يستأهل التعاطف من كل امرأة. وهي لا تكتفي بان تنافس الرجال في كل شيء بدءا من الملكات العقلية وليس انتهاء بالقدرات البدنية والقوة الجسدية بل تفوق البشر جميعا رجالا ونساء. "لوسي" هي التجسيد الحي للإجابة على السؤال الذي تلقاه البروفيسور "نورمان" من احد طلابه حول ما يمكن ان يحدث اذا ما تمكن الإنسان من تحرير قواه العقلية الكامنة بنسبة مئة في المئة. الا انها لم تصل الى هذه الدرجة بعد. 
 
"لوسي' و'ديل ريو"... حب وانتقام 
تبدأ لوسي رحلتها للانتقام من الرجال "الاشرار". ولكن باستثناء البروفيسور "نورمان" فنحن لم نر حتى الان سوى رجال أشرار (وما من شريرات بالمرة)، ولهذا فالفكرة المضمرة في ثنايا قصة الفيلم تشي بمفهوم "نسوي" عصري مفاده ليس فقط توق المرأة للمساواة، بل وقدرتها على ان تنافس  الرجال في كل المجالات، ( كما يقتضي إطار الحبكة البوليسية) خلال رحلة امرأة للانتقام من عالم الرجال. تعود "لوسي" الى الفندق لتقتحم غرفة "جانغ" فتقتل حراسه جميعا ( لكنها تسمح لفتاة كانت تقوم برسم وشم على جسده بان تغادر دون ان تؤذيها، في اشارة اخرى الى ان خصومتها هي مع عالم الرجال حصريا). ثم تقرأ ما بداخل عقله لتعرف وجهة الرجال الثلاثة الآخرين الذين زرعت المخدرات في احشائهم من خلال صور بطاقات السفر المطبوعة في ذهنه، قبل ان ترشق السكاكين في يديه وتتركه مقيدا بها الى الطاولة وهو يتلوى من الألم. ثم تتوجه الى شقة صديقتها "كارولين" لتستخدم الكومبيوتر الخاص بها وتطلع على أبحاث البروفيسور "نورمان" وتقرأها وتستوعبها بسرعة خارقة (في ثوان معدودة) ثم تتصل به وتخبرها بكل ما قرأته وهو مذهول تماماً، وتشرح له انها قد وصلت الان الى تحرير عشرين في المئة من قدرات عقلها الكامنة وبوسعها التحكم في الأجهزة الالكترونية ولتدلل على ذلك تجعل صورتها تظهر على شاشة التليفزيون والراديو والهاتف في غرفته بالفندق، كما تشرح له ما تشعر به من قوى خارقة وأنها تريد لقائه في غصون ساعات.  قدرات "لوسي" تتجاوز الزمان والمكان ولا تعترف بحدود مادية، تسافر عبر الأزمنة والعصور، وتنتقل عبر القارات الاف الأميال في لمح البصر، وهى بهذا المعنى اقرب الى البطلات الأسطورية، ولا ننسى ان تلك القدرات كانت دائما محجوزة للأبطال الرجال، وهى ما يجعل " لوسي" بطلة نسوية" بجدارة.   
 
تصل "لوسي" الى المطار لتغادر تايوان، وفي المطار تتصل هاتفيا  بضابط فرنسي "بيير ديل ريو" (عمرو واكد) وتخبره عن الثلاثة أشخاص الآخرين الذين يحملون المخدرات في احشائهم ووجهتهم فيجد في البحث عنهم. في الطائرة تواصل أبحاثها عن القدرات العقلية على جهاز الكومبيوتر المحمول، وتطلب شرابا من المضيفة وبمجرد ان تشربه تزداد قواها العقلية المحررة الى نسبة أربعين في المئة فتبدأ أسنانها بالتساقط، وجلدها في التفسخ، على مرأى من الركاب ومضيفي الطائرة فتسارع الى الحمام لتجد ان أصابع يديها تختفي تدريجيا فتخرج ما تبقى من مادة ' CPH4' وتستنشقها فتعود الى حالتها الطبيعية لكنها تفقد الوعى.
 
"واكد" من شيخ يمني الى ضابط فرنسي 
منذ اللقاء الأول الذي يجمعهما تشكل " لوسي" و " ديل ريو" فريقا واحدا مهمته الرئيسية هي احباط خطة العصابة لتهريب المخدر الجديد وتوزيعه في انحاء أوروبا. وبمجرد ان تنجح الشرطة في العواصم الأوروبية الثلاث: برلين، وباريس، وروما، في القبض على "المهربين رغم أنفهم" الثلاثة، ينحو الفيلم باتجاه الاثارة المتصاعدة، من خلال سباق محموم بين عصابة المخدرات من ناحية، و "لوسي" والشرطة الفرنسية بقيادة " ديل ريو" من ناحية أخرى في العاصمة الفرنسية. 
 
هذا هو ثالث فيلم اجنبي اشاهده لعمرو واكد، بعد "سريانا SYRIANA" امام النجمين "جورج كلوني"، و "مات ديمون"، وجسد فيه دور الشاب المصري " محمد شيخ عجيزة"، " والفيلم البريطاني "صيد السلمون في اليمنSALMON FISHING IN THE YEMEN "،  وهو من أجمل الأفلام التي شاهدتها العام الماضي من بطولة "يوان ماغرغر" و "اميلي هنت"، و"كريستين سكوت توماس"، وجسد فيه "واكد" دور  شيخ قبيلة من اعيان اليمن "الشيخ محمد"، يتبنى مشروعا لعالم بريطاني شاب لإنشاء بحيرة لتربية سمك السلمون في اليمن. من بين الأفلام الثلاثة استطيع القول ان دور "واكد" الأخير هو الأكثر اثارة وجاذبية وحجما.  
 
في واحد من افضل مشاهد الفيلم يجمع بين الاثارة والكوميديا، نتابع مطاردة مجنونة بالسيارات في شوارع باريس بين رجال العصابة، وفريق "لوسي" و " ديل ريو" في  سيارة الشرطة، وحين يسألها " ديل ريو" ان كانت هذه هي الطريقة المجنونة التي تقود بها السيارة دائما، تخبره ان تلك هي اول مرة لها تقود سيارة، (فقد تعلمت القيادة في ثوان من خلال قدراتها الخارقة). وحين تفيق "لوسي" من غيبوبتها في المستشفى بعد الأزمة التي تعرضت لها في الطائرة، تتعرض لهجوم مفاجئ  من العصابة تنشب على اثره معركة بينهم وبين الشرطة الفرنسية،  لكن "لوسي" تتمكن من التنكيل بهم جميعا في مشهد اقرب الى السحر باستخدام قواها الخارقة. حين تطلب من " ديل ريو" ان يرافقها لاستكمال مهمتها يخبرها انه لا يرى ضرورة  لوجوده الى جوارها بعد ان كتبت لها النجاة، لكنها تتقدم ناحيته وتقنعه بطريقتها "الأنثوية" الخاصة وبكلمة  واحدة "لمجرد التذكرة"، في اشارة مواربة الى مقولة البروفيسور "نورمان" من ان الكائن الحي لديه قدرات كامنة على التكيف فإذا ما راقت له البيئة تأقلم معها وبدأ في التكاثر لإعادة انتاج النوع البشري والحفاظ على استمراره، بتناقل الخبرات عبر الأجيال. وحين تصل " لوسي" الىاستخدام قواها العقلية الكامنة بنسبة مئة في المئة، تختفي تماما عن أنظار فريق العلماء الذي يرقب تحولاتها في ذهول، وقد انضم اليهم " ديل ريو" متسائلا " اين ذهبت" فتأتيه الاجابة عبر رسالة على هاتفه النقال " انا في كل مكان"...