الفنانة التشكيلية الإماراتية مها المزروعي لـ"هي": أحلم بأن تنطق لوحاتي بلغة عالمية

تشكل الطبيعة والتأملات الكونية محور لوحات الفنانة التشكيلية الإماراتية مها المزروعي. فمن الطبيعة تستوحي، ومن التأمل تستقي لتترجم الكون من منظورها الشخصي بألوانها. فترحب جدارياتها بالوافدين لمطار دبي الدولي وبالزائرين لبرج العرب، وصولا إلى المنتجعات في جزر المالديف. في حوار خاص لـ"هي" أثناء مشاركتها في أسبوع الفن والموضة في لندن 2019 حدثتنا ابنة الإمارات عن مسيرتها الفنية بدءاً من أول عمل لها زين صالات فنادق دبي وصولا إلى العالمية.

لندن - سفانا البدري

تصوير: آندرو هايلز

من أين تستلهم مها المزروعي أفكارها؟ وماذا تحاكي بلوحاتها؟

الاستلهام لا حدود له، فأنا بطبيعتي من محبي السفر والطبيعة الخلابة التي تستهويني بكل تفاصيلها، فأحاول أن أترجمها من منظوري الشخصي بانطباعات معينة على الورق لتكتمل وتشكل لوحة فنية تعجب زوار معارضي، ومتى افتقدت إلى الإعجاب، ولم تنل رضا زواري أعتبرها لوحة فاشلة لم تنجح في نقل رؤيتي إلى الزائرين. يجذبني البعد الجمالي بين السماء والأرض والبحر، وتداخلهما مع

بعضهما، وأنا أتطلع إليهما من نافذة الطائرة، وهو ما يحفزني أكثر فأعكسه في لوحاتي خصوصا التجريدية منها. تعد الطبيعة بالتحديد مصدراً مهماً أستقي منها الكثير لأضع الخطوط العريضة لكل لوحاتي ولألونها بألوان الطبيعة التي حبانا الله بها. تستلهمني دبي بطبيعتها، وخصوصا جمالها البري في فصل الشتاء الذي لا يضاهيه جمال آخر، فهو مصدر آخر أستقي منه. وإلى جانب الطبيعة، تستهويني العمارة بكل أنواعها التي أتلذذ وأنا أتفحص جمالها بعيني الثاقبة. اللوحة بالنسبة لي هي تعبير عما بداخلي، أحاول من خلالها أن أترجم ما يدور في خلدي.

 رسوماتك مزيج بين الفن التكعيبي وفن العمارة الإسلامية والفن التجريدي، لم اخترتِ هذا النوع من الفن؟

تأثرت جدا في بداياتي بمدرسة الفن التكعيبي لبيكاسو وبراغ اللذين كانا متخصصين في هذا النوع من الفن، وكان لهاتين المدرستين الأثر الكبير في صقل موهبتي وأنا أخطو أولى خطواتي في مشواري المهني. وعززت رغبتي لاستخدام الألوان الزيتية من تمرسي للجانب التكعيبي لأسلوبه الخاص في الرسم. وأيضا لعب حبي للعمارة الإسلامية دورا في التخصص بها، وإظهارها بأسلوب عصري، لأكسر الجانب التقليدي المتعارف عليه للعمارة الإسلامية. وهذا ما دفعني إلى المزج بين الفن التكعيبي والتجريدي لأخلق صورة تعكس ما في ذهني وتواكب العصر، خصوصا في ظل النهضة الحديثة، حيث غلبت الحداثة على الكثير من الفنادق والبيوت، وابتعدت بعض الشيء عن الطراز الإسلامي، لكونه لا يتماشى مع الشكل العام، لكن هذا الشيء اختلف مع طراز فندق برج العرب عند تأسيسه، وسنحت لي الفرصة في بداية مشواري المهني أن أجسد فكرتي بجداريات تختزل المدرستين تزين صالاته، إذ لاقى تداخل الألوان مع مزج العمارة الإسلامية قبولا كبيرا وترحيبا من قبل مؤسسي المشروع، فتجانست المدرستان في هذا المشروع، واستطعت أن أحقق هدفي بتزيين الفنادق بلمسات عصرية حفاظا على الهوية الإسلامية.

إلى أي مدى يستطيع الفنان التشكيلي عكس التجربة أو الواقع المحيط من خلال أعماله؟ وهل ينجح في هذا أم تتباين النتائج حسب المدرسة؟

ليست هنالك مدرسة محددة في نظري لنقل التجربة من خلال العمل. اللوحة هي عبارة عن عمل جميل يتلقاه المتلقي بطريقته الخاصة، يحاول أن ينتمي إليها بطريقة تسعده وتحسن من مزاجه. أنا لا أؤمن بوجود مدرسة محددة، لأن هذا يصعب على المتلقي ويحدد منظوره للفن. على العكس من المفترض أن تكون اللوحة شيئا مبهجا يسترجع ذكريات جميلة، هي حالة شخصية يعيشها كل شخص حسب تجاربه. فأجمل مدرسة، هي مدرسة الاستمتاع بأي عمل فني.

هذا الشغف والحب للفن، متى بدأ مشواره واكتشفت حبك للفن؟ وهل كان شخصيا أم تأثرت بالبيت والبيئة المحيطة؟ حدثينا عن هذه الرحلة.

بالتأكيد تقف البيئة خلف الموهبة لأي شخص، وكان لبيئة المدرسة بالنسبة لي دور كبير في تنمية موهبتي. إذ كان هنالك تركيز قوي على الفن والمهارات والنشاطات، ومن ثم كان للبيت وللوالدة دور أكبر لكونها محبة للفنون وللأشغال اليدوية بحكم عملها مشرفة اجتماعية، فتأثرت بالجداريات التي كانت تعدها بجدارة، وساعدت على تنمية موهبتي وجعلتني أتعلق بالرسم أكثر.

نعود الى بداية مشوارك المهني، ليس بغريب على الجميع أن لوحاتك قد زينت جداريات صالات برج العرب. حدثينا عنها، وماذا تمثل لك خصوصا أنها شكلت حجر الأساس لبداياتك؟

كان لهذه البداية الأثر الكبير، ومثلت حجر الأساس لمشواري الفني. وشاءت الصدفة التي أعتبرها من أحلى الصدف في حياتي أن ألتقي بأحد مصممي المشروع آنذاك، أثناء مشاركتي في مهرجان التسوق في القرية العالمية، وعرض علي المشاركة، فقبلت التحدي الذي يعد الأكبر في حياتي. فما زال الفندق يمتاز بنجومه السبعة، والتي انفرد بها على مستوى العالم، وما زال قائما حتى يومنا هذا يتمتع بالديكورات الأولية نفسها التي أُسس عليها، والتي اختيرت على أسس مدروسة، وهو ما جعلها محببة للزوار حتى يومنا هذا.

بالتأكيد مشوارك تخلله الكثير من الصعوبات، ما التحديات التي واجهتِها؟

كانت لدي رغبة ملحة للالتحاق بكلية فنون بعد تخرجي في الثانوية، لكنها لم تتوفر آنذاك. لكن هذا لم يقف حجر عثرة في طريق طموحي

على الرغم من دراستي لتخصص مختلف تماما عن الفنون، فسعيت لأنمي موهبتي بالدورات التدريبية والورش في الخارج متى سنحت لي فرصة السفر. وهذه رسالة لأي شخص أن يسعى وراء موهبته، ولا يتوانى عن تحقيقها. فاليوم أصبح العالم واحدا، والتواصل من أسهل ما يكون، وبإمكان الفنان أن يشارك في أكبر المعارض العالمية وهو في داره.

شاركت مؤخرا في أسبوع الفن والموضة في لندن 2019 ، ما مدى أهمية المشاركة في المعارض العالمية لك، خصوصا أن لوحاتك تزين أكبر وأهم صالات الفنادق ومطار دبي الدولي وقاعات المجلس؟

للمعارض طعم آخر مختلف عن تجربة العمل مع الفنادق. هي تجربة جميلة جدا بكل جوانبها، وكان بمنزلة أول لقاء مباشر وتواصل وتخاطب لي مع محبي ومتذوقي الفن. فالتواصل الروحي مع اللوحة يبقى فعالا في حال المشاركة في المعارض،  على عكس العمل مع الفنادق، فمتى ما اكتملت اللوحة، وسلمت للجهة المعنية ينقطع التواصل، وهذه ميزة المعارض.

نلاحظ ميلك للألوان الزيتية بالتحديد، على الرغم من ابتعاد الكثير من الفنانين عنها، ومواكبة التجدد اللوني في هذا المجال، ما السبب؟

أعشق استعمال الألوان الزيتية التي هي ألوان الرسامين القدامى، ولا أجد نفسي ولوحاتي من دونها، على الرغم من ابتعاد الكثيرين عن استعمالها نظرا لطول الفترة الزمنية التي تحتاج إليها اللوحة حتى تجف. عامل الوقت لا يؤرقني على الإطلاق، لأني أعتمد أسلوب الطبقات في لوحاتي، وغالبا ما أعمل على أربع أو خمس لوحات في آن واحد، فعامل الوقت الذي تحتاج إليه كل طبقة لتجف يصب في مصلحتي، ويجعلني أنظر إليها من زاوية أخرى تزيدها جمالية في كل مرة أطبق الألوان، وهو ما يزيد الفكرة ثراء.

ماذا تحاولين أن تترجمي من خلال لوحاتك؟ وماذا تحمل بين طياتها من الألوان والأفكار؟

يتربع الإحساس باللون على قائمة أولوياتي قبل البدء بأي لوحة حتى قبل المنظر الذي أستلهم منه، فاللون هو الدافع لأسترسل بأي لوحة. وتلعب الألوان الزيتية التي أحب استعمالها على إعطائي مساحة أكبر لغناها باللون وبالدرجات التي لا حد ولا حصر لها.

نلاحظ تجنبك تسمية لوحاتك، ما السبب؟

اللوحة بالنسبة لي تمثل حالة شخصية بحتة، تعكس الظرف والتجربة ومدى استمتاع كل شخص بها وربطها بتجربتة الشخصية. ومتى ما وضعت عنوانا لها فإنني أحدُّ من أفقها، وأضعها في إطار معين. فاللوحة في نهاية المطاف إذا لم تدخل في قلب المتلقي وتبعث

السرور في نفسه، فهي لم تؤدِ الغرض.

الإمارات معروفة بدعمها الدائم للمرأة في جميع المجالات، كيف أسهم هذا في نجاحك وتثبيت أقدامك أكثر في هذا الطريق؟

الإمارات معروفة بدعمها المتواصل للمواطن في جميع المجالات، وتحظى المرأة الإماراتية بخصوصية، إذ تلاقي الدعم في كل المجالات، فهي حاضرة ولها بصمة مميزة في كل جانب من جوانب الحياة العملية من الفن والأدب والعلوم والاقتصاد والجوانب الأخرى، وصولا إلى أعلى المراتب، إذ تبوأت المناصب الوزارية. كما أصبحت الإمارات واحدة من المراكز العالمية لاحتواء الفن، فعلى أرضها تقام أهم المعارض، وتستقبل أشهر الفنانين العالميين، وهذا كله يصب في خدمتنا نحن الفنانين الإماراتيين، ويعزز من مكانتنا، ويفتح لنا آفاقا وفرصا مهمة لا حدود لها.

ما رسالتك للمرأة الإماراتية؟

رسالتي لها أن تستغل الفرص المتوفرة على أرض الإمارات، والتي يتمناها أي إنسان عربي. فنحن في أرض الإمارات متعايشون سلميا

مع الكثير من الجاليات من مختلف أنواع العالم الذي يفتح المجال لفرص متنوعة لا حدود لها. وكذلك لا ننسى الدعم الكبير في ظل حكومتنا وشيوخنا الداعمين للمرأة في كل المجالات الرياضية والفنية والعلمية وغيرها، فعلى المرأة أن تنمي موهبتها وتستثمر الفرص

المتاحة لها، فهي من هنا تستطيع أن تصل إلى أي بقعة في العالم في ظل كل هذه الظروف المؤاتية للنجاح، فلا مبرر لها للتهاون والتكاسل.

أين تجد مها المزروعي نفسها في المستقبل؟

أجد نفسي في تمثيل بلادي أحسن تمثيل في المحافل العالمية، وإيصال رسالتي، وأن تكون لندن انطلاقتي إلى العالمية. وأتمنى أن يكون للوحاتي صدى عالمي، وأن يشعر أي يشخص بالانتماء لها، فالفن هو من أجمل لغات التواصل وأسماها مع الشعوب من كل الأطياف والحضارات.