الفنان الإيطالي Luca Valentini لـ"هي" : اتحاد الثقافات المختلفة يمكن أن يُثمر فنَّاً استثنائياً

في زمن شحّت فيه الأعمال الفنية المبتكرة، تأتي أعمال الفنان الإيطالي "لوكا فالنتيني" Luca Valentini بكل ما فيها من لمسات فنيّة شخصية رؤيةً شاملة من خلال محطاتها انطلاقاً من روما ووصولاً إلى دبي. حيث يكمن التناغم والاندماج بين البشر، ضمن سياق يجذب انتباه عشاق الفن من كافة الأعمار والاهتمامات الثقافية حول العالم، وعبر مسار إبداعي يرسم صورةً تعكس أقصى درجات النقاء. اكتشفي مسيرة الفنان الإيطالي ومفهومه للفن والابتكار في هذا الحوار.

 

من الهندسة البيئية إلى ابتكار الفن. متى وكيف اكتشفت شغفك بالفن وبالابتكار؟

ليس لدي ذكرى دقيقة. أؤمن بأن كلا منا يملك موهبة، وميلا طبيعيا لممارسة نشاط معيّن بشكل جيد. أعتقد أن الموهبة شيء مكتوب في حمض الفرد النووي وفي روحه. أتذكر كيف كنت دائما أجرّب من خلال الرسم أن أعبّر عما أشعر به في داخلي منذ أن كنت طفلا. لطالما عرفت أن مهنة الهندسة ليست لي، فهي تكرارية وتخطيطية جدا. بعد أن أنهيت دراستي، أردت أن أتبع مساري، وأن أفعل ببساطة ما يجعلني مرتاحا أكثر مع نفسي. أدركت صعوبة الطريق الذي أسلكه، لكن كل تضحياتي تُكافَأ في كل مرة أنجز فيها عملا. أشعر بأنني حققت الهدف الذي وضعته لنفسي.

كيف تصف فنّك؟

الفن برأيي أهم جانب من جوانب الثقافة التي تؤثر في الناس، ولذلك، فإن فني دائما في تطور متواصل. أحب التجريب والبحث عن رموز تصويرية جديدة. في أعمالي الحديثة، تخليت عن استعمال الأسود والأبيض اللذين مثَّلا لفترة طويلة توقيع أسلوبي لمصلحة الألوان الزاهية. الرسم المادي أفسح الطريق أمام الرسم الأكثر استواء الذي يلوثه وجود رموز كثيرة مثل الخدوش، لإعطاء ديناميكية لصور جامدة جدا. إذا توقفت للحظة، وفكرت فيما سيكون عليه تطوري في المستقبل القريب، لا يمكنني أن أعطي جوابا. أحب العمل بحسب غريزتي وشغفي، وأنا أحاول أن أكون متحررا قدر الإمكان من الأنماط والقيود.

من المصممون الذين يلهمونك؟

مصممون كثيرون. أتذكر الساعات العديدة التي أمضيتها في دراسة فنانين مثل "بابلو بيكاسو" أو "ميكيلانجيلو ميريزي" المعروف بلقب "كارافاجيو". لكن لا شك في أن مبدعي فن البوب آرت الأمريكي هم أكثر من ألهم عملي: بساطة الرموز المتضاربة مع قوة المفهوم لدى "كيث هارينغ"، والاستخفاف المستهتر والجرأة في أعمال "جان ميشال باسكيا"، وصور الوجوه وطريقة تمثيل المجتمع الاستهلاكي لدى "أندي وارهول".

كيف تلهمك الموضة؟

أعتقد أن الفن والموضة مرتبطان بصلة قوية وشاعرية جدا. من المستحيل أن نحدد أين يبدأ موضوع وينتهي الآخر. أحاول تصوير هذا الارتباط من خلال أعمالي الفنية.

ما العملية الإبداعية خلف كل قطعة تبتكرها؟

المواد التي أستعملها ليست بأهمية التقنية. أحاول دائما أن أتبع غريزتي. الوسائط التي أستعين بها تختلف، من الرسم الزيتي إلى الأكريليك والطلاء بالرش. أعمل حاليا على مشروع  جديد، وأستعمل أسلوبا مسطحا لابتكار تجاور قوي. بصفتي فنانا، أحوّل أسلوبي دائما لأفاجئ جمهوري؛ والسلسلة الجديدة "تورن أون ذا لايت" Turn on the Light ستكون شيئا مختلفا تماما عن أعمالي السابقة. أجريت دراسة متعمقة، وابتكرت قطعا تمثل تناقضات مجتمعنا من خلال الصور والتلاعب بالكلمات. اللون صار للمرة الأولى عنصرا جوهريا في عملي. بالطريقة ذاتها، تخليت عن الرسم المادي من أجل التشديد على الصور ومعانيها من خلال العمل على رسم مستوٍ، مع تناقضات قوية في درجات الألوان، وعلامات إيمائية وغريزية تضفي الروح والحركة على صور كانت لولا ذلك جامدة أسيرة اللحظة.

باعتبارك فنانا إيطاليا، كيف تؤثر جذورك في فنك؟

أعتقد أن الفن يجري في عروق كل إيطالي وفي حمضه النووي. نترعرع في مدن تحتوي على بعض أشهر المتاحف المفتوحة، فكيف لا يؤثر ذلك في إدراكنا للجمال؟ من المشي في المنتديات الإمبراطورية إلى رؤية الكولوسيوم، أو مجرد دخول كنيسة صغيرة، تجدين نفسك تنظرين إلى أعمال بعض أهم الحرفيين في التاريخ وأكثرهم تأثيرا؛ وذلك طبعا لا يمكنه سوى التحفيز والدفع. أستوحي من الأصول الفنية لتراثي، وأستلهم من المعتقدات الرومانية والضوء في لوحات "كارافاجيو"، فأحولها طبيعيا، وأعيد توظيفها بأسلوبي الخاص.

كيف ينظر برأيك الجمهور الخليجي إلى فنك؟

ما أقدّره حقا هو كيف يعيد المجتمع الشرق أوسطي تقييم فن البوب آرت وتقديره. استنساخ المواد الاستهلاكية ورموزها في نظرة  انتقادية ساخرة هي برأيي بعض أفضل الطرق التي تجعلنا نتأمّل الاتجاه الذي يسير فيه مجتمعنا. يجب أن أقول: إن منطقة الخليج كانت منفتحة جدا على فني ومتقبلة له. النتائج التي حققتها تجاوزت أكبر توقعاتي. الآن أمامي تحدٍّ جديد مع سلسلة أعمالي الجديدة Turn on The Light ، لأنها مختلفة تماما عن أعمالي السابقة. أشعر بأنني أكثر نضجا من الناحية الفنية وأكثر انفتاحا وحرية للتعبير عن أفكاري من خلال عملي.

هل من الممكن أن تفكر في تعاون فني مستقبلي مع فنان عربي؟

لِمَ لا؟ أنا منفتح جدا أمام كل أشكال التعاون. أؤمن بأن اتحاد وجهات نظر وثقافات مختلفة يمكنه أن يثمر نقاط تفكير فني مثيرة جدا للاهتمام.

هل لديك قطعة مفضلة؟ ما هي؟

بعد بث الحياة في كل عمل من أعمالي، أحبها كلها. كل منها تمثيل لحالة ذهنية معينة أو إحساس محدد انتابني في تلك اللحظة. لكن على الرغم من ذلك، هناك قطعة محددة أفكر فيها كثيرا، وهي لوحة لرجل عجوز أحرسها في منزلي ولم أعرضها يوما أمام الجمهور. ابتكرتها خلال لحظة مهمة جدا من حياتي. هذه اللوحة ولدت من لاوعيي، وحين ألمحها، أرى أعمق أعماق نفسي، وكأنني أنظر في المرآة. هذه اللوحة تمثل شيئا حميما وعميقا، وتجعلني أشعر بأنني هش حين أراها .