بدور القاسمي تطلق كتابها الجديد "أخبروهم أنها هنا" بحثاً عن ملكة مليحة
في أمسية أدبية حافلة بحضور المثقفين والباحثين والمهتمين بالتراث، أطلقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمجموعة كلمات وسفيرة النوايا الحسنة لليونسكو في مجال التعليم والثقافة، كتابها الجديد "أخبروهم أنها هنا... بحثاً عن ملكة مليحة"، الصادر عن دار "روايات" التابعة لمجموعة كلمات، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.
يمثل الكتاب تجربة فكرية وإنسانية عميقة تمزج بين السرد التأملي والبحث العلمي، لتعيد من خلالها الشيخة بدور القاسمي قراءة التاريخ العربي من زاوية جديدة تُبرز حضور المرأة في الممالك القديمة وتكشف عن جذور الهوية الثقافية في أرض مليحة.

مقدمة تحمل عبق الذاكرة وروح الانتماء
في مقدمة الكتاب، كتبت الشيخة بدور القاسمي بلغة شاعرية عميقة تقول فيها:
"هذا الكتاب ليس حكاية عابرة بل هو مناجاة وابتهال ونسيج نوراني نسجتُه من خيوط الذاكرة والأسطورة... إنّه إظهار لجذوري — تلك الجذور الضاربة بعمق في تُراب الأسلاف المتشابكة بالروح والحزن والحنين والحب".
تفتتح الكاتبة بهذا النص البليغ بوابة الدخول إلى عالم الكتاب الذي يمزج بين الحنين الشخصي والتأمل الوجودي، حيث تضع القارئ أمام رحلة داخلية نحو الذات الأولى، وذاكرة المكان الذي صاغ هوية الأجيال المتعاقبة في أرض الإمارات والعالم العربي.
بنية الكتاب… بين التأمل والبحث العلمي
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين يعبّران عن طبيعة التجربة المزدوجة التي تخوضها الشيخة بدور القاسمي:
القسم الأول يتناول رؤيتها الشخصية للحياة، والأرض، والإنسان، والهوية، من خلال تأملات فلسفية عميقة تربط بين الماضي والحاضر، وبين الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية. يتناول هذا الجزء مفاهيم الانتماء، والأسرة، والثقافة، والجذور، ويطرح تساؤلات حول معنى الأصالة والتجدد في زمن سريع التغير.

أما القسم الثاني فيحمل طابعًا بحثيًا، إذ يقدّم دراسة علمية موثقة حول الممالك النسائية في الجزيرة العربية، وخصوصًا مملكة مليحة في الشارقة، مستندًا إلى مكتشفات أثرية ونقود قديمة أبرزها نقود “أبيئيل”، التي كشفت عن وجود سلالة من الملكات حكمت في المنطقة.
تُظهر هذه النقوش أسماء ملكات عربيات تركن بصمتهن في التاريخ، مما يفتح بابًا جديدًا لإعادة قراءة الدور الريادي للمرأة العربية في الحضارة القديمة.
"ملكة مليحة"… رمز التاريخ ومرآة الذات
يتخذ الكتاب من الملكة الغامضة في مليحة رمزًا مركزيًا لرحلة بحثٍ مزدوجة — بحث عن الحقيقة التاريخية وبحث عن الذات الأنثوية في عمق الذاكرة الثقافية.
تتتبع الشيخة بدور القاسمي آثار هذه الملكة عبر المكتشفات الأثرية والنقوش والعملات، لكنها في الوقت نفسه تنسج من هذا البحث حكاية إنسانية عن المرأة العربية القائدة، وعن الإرث الذي يربط الحاضر بالماضي.
وتكتب الشيخة بدور القاسمي من منظور شخصي متأمل: كأنها في حوارٍ بين الأجيال، بين المرأة المعاصرة التي تنتمي لعصرٍ من التحول والتجديد، وتلك الملكة التي سكنت الذاكرة وخلّدها التاريخ في رموز منقوشة على الفضة والنحاس.

المرأة في الممالك العربية القديمة
يخصّص الكتاب مساحة واسعة للحديث عن الملكات العربيات في التاريخ القديم، حيث تستعرض الشيخة بدور القاسمي قصصًا وأسماء نساء حكمن ممالك مزدهرة في الجزيرة العربية، منهن الملكة زنوبيا، وبلقيس، وشمس، وملكات القمر المكرّبات، وغيرهن من الرموز النسائية التي أثبتت حضور المرأة في قيادة المجتمعات القديمة.
تستند الكاتبة إلى مصادر أثرية وتاريخية متنوعة، وتُبرز كيف كانت هذه الممالك تتمتع بهياكل سياسية واجتماعية متقدمة، شاركت فيها المرأة في صنع القرار، والإدارة، والحياة الاقتصادية والثقافية.
ويختتم هذا القسم بخريطة مقترحة تُظهر توزيع الممالك النسائية في شبه الجزيرة العربية، لتعيد بذلك الاعتبار لصفحةٍ منسية من التاريخ العربي، وتؤكد أن تمكين المرأة لم يكن طارئًا، بل جزءًا أصيلاً من بنية المجتمع العربي منذ قرون بعيدة.