فوتوكوبي VS شيخ جاكسون.. عندما ينتصر الاستسهال على النضج

فيلمان مصريان عرضا ضمن منافسات المسابقة الدولية فى الدورة الأولى من مهرجان الجونة السينمائى الذى شهدت فعالياته المدينة الواقعة على البحر الأحمر فى مصر، الفيلمان "شيخ جاكسون" إخراج عمرو سلامة وبطولة أحمد الفيشاوي وأحمد مالك وأمينة خليل وماجد الكدواني، والثانى "فوتوكوبي" إخراج تامر عشري وبطولة محمود حميدة، شيرين رضا، على الطيب، أحمد داش، الأخير هو من حاز على نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم عربي لكن هل هو الأفضل فنيًا؟

مقارنة لابد منها..

كل الظروف وضعت الفيلمان فى موضع المقارنة، كونهم ضمن نوع الدراما، ومنافستهم على نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم عربي، مع مناقشتهم لقضية اجتماعية متأصلة فى المجتمع المصري هى الهوية وصراع الثقافات الناتج عن التطور والثورة المعلوماتية، كل هذه العوامل تجعل المقارنة بينهما حتمية.

السيناريو.. تشابة فى الأساس اختلاف فى الجودة

على مستوى الفكرة يذهب "شيخ جاكسون" لأزمة الهوية والتغريب التى يعانى منها ابناء حقبتى الثمانينات والتسعينات فى مصر ومحاولة إيجاد صيغة تجعل من كل المتناقضات ممكنة فى إطار واحد، وكيف لا.. وهم ابناء التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى فى التاريخ المصري الحديث حتى يستطيعوا التعايش مع هذا الواقع الجارف، فى حين ذهب "فوتوكوبي" لمناقشة نفس أزمة الهوية لكم من مرحلة عمرية مختلفة وهم أبناء أربعينات وخمسينات القرن الماضى الذي يتحول بعضهم لديناصورات مهددة بالانقراض مع كل أثر للعواصف التى تعاملوا معها وشكلت مبادئهم وأفكارهم.

عند هذا الحد يبدو كل شئ جيد ولكن عند التنفيذ يختلف كل شئ ففى الوقت الذى نجح عمرو سلامة كمؤلف ومعه عمر خالد كشريك فى الكتابة فى رسم الشخصيات وعلاقاتها ببعضها البعض وكذلك الحوار الذى عبر بإيجاز غير مخل عن الفكرة وتفاعل هذه الشخصيات ولجوءه للمعادل البصري ليدعم الفكرة من اتجاه موازي، وأيضًا لم يبنى سيناريو فيلمه بشكل تقليدى، على العكس استخدم الفلاش باك وتحكم فيما يعرفه المشاهد عن شخصيته الرئيسية ليضمن استمرار وجود عامل التشويق وجاذبية الشخصية التى تخبط معها الجمهور منذ الدقائق الأولى وحتى بعد مرور نص ساعة من زمن الفيلم وكان كلا منهما (الجمهور والشخصية) يتعرفان على أبعاد ما حولهما من جديد.

هيثم دبور سيناريست "فوتوكوبي" أختار أن يكون تقليدي لحد الخلل مع حوار شديد المباشرة ورسم احادي للشخصيات، التفاعلات بينها يكاد يكون منعدم كل شخصية تسير فى خط ثري لكنه منفرد لا علاقة له بباقى الشخصيات، الحلول السهلة هى سيد الموقف ودائما تأتي من عنصر خارجى وبشكل ساذج، كشخصية الأبن التى لم تظهر، مجرد صوت ملول فى التليفون لكنه يقدم على فعل جوهري فجائى وهو طرد والدته صفية (شيرين رضا) من شقتها بسبب مكالمة جارة! أو رئيس اتحاد ملاك العمارة حسنى (بيومي فؤاد) الذى يتشاجر مع محمود (محمود حميدة) وينفعل بمبالغة شديدة تصل للتعدي عليه بالضرب وهو الفعل الذى يقرب المحبان محمود وصفية من بعضهما البعض، فلا تأثير حقيقى لهذه الشخصية سوى هذا الفعل ووجوده كان مكرر يظهر فى المشهد يطالب محمود بنقود لا يملكها ويعده الاخير بان يجد حلًا.

الكثير من شخصيات الفيلم هم فقط محلل درامي وحلول سهلة كوجود بسنت (عايدة الكاشف) ما الذى تقدمه هذه الشخصية خلال الفيلم! هذا بخلاف الأخطاء الفادحة فى تفاصيل العمل داخل مطبخ الصحافة على رأسها اندثار مهنة "الجمع" وهو ما لم يحدث على العكس تطورت أدوات هذه المهنة ومازال أفرادها يعملون فى الصحف والمجلات فى المرحلة قبل انتقال المواد الصحفية للمصححين اللغويين مما يدل بشكل قاطع أن السيناريست لا يعرف الكثير عن آلية العمل ودورة طباعة الصحف او حتى تاريخ هذه الصحف فـ دار الهلال المؤسسة العريقة لم تصدر جريدة ورقية تضم صفحة للوفيات من الأساس كما جاء على لسان محمود، وبالتأكيد العامل على المعاش لا يعود إلى مؤسسته ليقبض متأخرات معاشه، روح الهواية غلفت السيناريو والحوار عموما فلا دراسة للشخصيات وتفاصيلها ولا اهتمام بإظهار تفوق او خروج عن المألوف فى صياغة السيناريو والحوار.

التمثيل كعنصر تفوق فى الفيلمان.. وضعف ايضًا

العنصر الوحيد المتفوق الذى يتفق فيه الفيلمان سواء في قوة الأداء أو ضعفه هو التمثيل ففى الوقت الذى تصدر فيه نجمان كبار مخضرمين كلا الفيلمين محمود حميدة (فوتوكوبي) وماجد الكدواني (شيخ جاكسون) وتلاهم مجموعة من الممثلين الشباب أحمد داش وعلى الطيب، أحمد مالك وأحمد الفيشاوي، وشيرين رضا وسلمى أبو ضيف فى الفيلمان كنماذج للاداء التمثيلى الجيد إلا أن باقى الشخصيات النسائية فى الفيلمان باهته وضعيفة أما بسبب عدم التوظيف الجيد لهذه الشخصيات فى السيناريو أو لسوء اختيار من يقدموهم.

المخزون الهائل من الخبرة الذى يملكه كلا من الكدوانى وحميدة جعلهما يقدمان شخصيتي محمود وهانى (شيخ جاكسون) بتميز يكلل مراحل تحول شخصية كلا منهما فى فيلمه، ففى الوقت الذى استغرق فيه 15 عام على هاني ليتحول لشخص أهدء ويترك الانفعال والتأثير الذى خلفه موت الزوجة عليه والهزة العنيفة التى وضعته فى موضع المسئولية تجاه ابنه الوحيد وفشله فى التعامل معه حسب معطياته التى يعرفها وبمفاهيم الرجوله التى يسير عليها ترجم الكدوانى هذا التغير بشكل دقيق فى وقت صغير على الشاشة لكن التحول كان حاسمًا ظهرت آثاره دون المساس بروح شخصيته الذى ربط السيناريو بين حالتهما بحب ثمار المانجو والفلسفة وراء اختيار هذه الفاكهة وحب هاني لها، لكن الكدوانى له بصمة واضحة علي الشخصية تتخطى توجيه عمرو سلامة.

حافظ الكدواني علي روح الشخصية ولكن دون الشدة والعنف فى نسخته القديمة، واللذان تحولا لحكمة ناتجة عن مرور سنوات الفقد والحنين لماضي ذهبت آثاره، مجيء ابنه الذى لم يعد الوحيد بعد أن أنجب مرة أخرى منحه في النهاية السكينة وجعله مؤهل لمنحه لتفسير الذى كان يبحث عنه، تقريبًا نفس الشئ في حالة حميدة الذي ترجم تحولات الشخصية التي تعاني من الوحدة والخواء وتقرر بسبب عامل محفز هو البحث الجامعى عن انقراض الديناصورات -الذى طلب منه هشام (يوسف عثمان) أن يكتبه ويطبعه ليقدمه فى جامعته- ليشعر هو بحاجته للدفء والونس  ويبدا في التفاعل بشكل ايجابي مع من حوله ويكتسب ابن وزوجة وحق شرعي في الهجوم علي من يضايقه، التحول من الديناصور لانسان جاءت من قراءة حميدة للشخصية والتعامل معها وليس من السيناريو بصلاته الضعيفه بين الشخصيات.

الشباب في الفيلمان عوامل تميز ففي "شيخ جاكسون" هناك جسر خفي بين مالك والفيشاوي بناه مالك، الذي كانت بصمته في استلهام روح الشخصية التي يؤديها الفيشاوي فيما رسم الفيشاوي الشخصية كان مالك يعمل في اتجاهين يرسم شخصية الشيخ مراهقا والمتناقضة معه في نفس ذات الوقت لاختلاف العوامل.

شيرين رضا وسلمي أبو ضيف قدمتا افضل الادوار النسائية في الفيلمان الكثير من التفاصيل وضعتها شيرين في الشخصية لكن لم توظف بالشكل الكافي فى حين ملأت سلمي كل المساحات الممكنة التى تستطيع الوصول اليها، وقدمت اداء محى الصورة الذهنية التى تكونت عنها بسبب شخصيتيها فى "حلاوة روح" و"لا تطفئ الشمس" والذان قدمت خلالهما نفس النموذج للفتاه المدللة ذات الصفات السلبية وهى الصورة التى ربما اثرت على استقبال الجمهور لهذا الوجه الجديد، لكن فى "شيخ جاكسون" كانت مختلفة هى مستقلة فضوليه تسعى لما ترغب فى تحقيقه ورايها مستقل ومختلف.

الجسر الذي بناه مالك إلى الفيشاوي لم يحدث فى حالة سلمى وياسمين رئيس فأداء الاخيرة لم ياتى بنفس القوة حتى الأغنية التى قدمتها ومن المفترض انها تعبر عن شخصية شيرين جاءت بتأثير أقل كثيرًا من المطلوب ولم يمنح المشاهد التأثير المطلوب وهو استقلالية شيرين وقوتها وهو ما قدمته سلمي بشكل أفضل، والمشهد الذى جمعها مع الفيشاوي كذلك كان ضعيفا مقارنة بالمشهد بين سلمي ومالك.

باقى الأدوار النسائية فى الفيلمان لم تكن على المستوى المطلوب بسبب عدم تعميق العلاقات بين الشخصيات فى "فوتوكوبي" حيث بدت شخصية بسنت وكانها لا شئ والاستغناء عنها لن يضر الفيلم وكذلك داليا (فرح يوسف) التى كان دورها فى الدراما تسلية صفية فقط، وهى نفس مشكلة درة فى "شيخ جاكسون" التى تحمل شخصيتها أهمية قصوى فى تشكيل شخصية ابنها الا ان ادائها لم يكن على نفس المستوي وكذلك الحال مع امينة خليل التى كانت هامشية كلتاهما لم تضع بصمة لشخصيتها على الرغم من المساحة التى أفردت كلتاهما وأهمية الشخصيتان، فقط الطبيبة النفسية نور (بسمه) بمشاهدها وصوتها استطاعت أن تجلب هذه البصمة لشخصيتها.

الرؤية الفنية أهم من الخبرة

تامر عشري مخرج "فوتوكوبي" يقدم أول أفلامه الروائية و عمرو سلامة مخرج "شيخ جاكسون" يقدم خامس أعماله ربما يكون فارق الخبرة هنا عامل يجب وضعه فى الحسبان لكن من جانب آخر يمكن اعتبار أن "شيخ جاكسون" هو أول أعمال عمرو الذى يمكن أن نطلق عليها فيلم متكامل معنى بإبراز عناصر فن السينما وبشكل ناضج بعيدًا عن روح الهواية أو التوجه والمباشرة اللذان كانا يحكمان أفلامه السابقة، حقيقة ان عشري بذل مجهود ضخم ليخرج الفيلم بشكل جيد، لكنه لم يكن على المستوي المطلوب فى حين استطاع عمرو أن يوجه كل جهده لخدمة فيلمه وعناصره وهذا هو الفارق الجوهري بين المخرجين، رؤية كلا منهما فى التعامل مع القضية الاجتماعية التى يطرحها كلا الفيلمين وترجمتهم للطرح من خلال الرؤية التى يحملها كلا من الفيلمين.

ففى الوقت الذى تعامل فيه عشري مع عناصر الفيلم بشكل منفصل ولم تخدم جميعها الهدف ولم يحاول حتى إصلاح العيوب التى شابت عناصر أساسية مثل السيناريو والتمثيل خاصة وانه ملزم بسد الثغرات والتدقيق فى إيجاد ما يجمع هذه الشخصيات الثرية دراميًا ويجب عليه إدارة الممثلين بشكل اكثر فاعلية بدلا من ترك الأمر فى ايديهم ليظهر الأداء متفاوت لا يجمعه نسيج واحد وهو ما يظهر بوضوح فى المشاهد التى تجمع ممثلان ببعضهما البعض فلا شئ يحكم المشهد سوي فهم الممثلين لشخصياتهم على سبيل المثال يمكن اختيار أى مشهد يجمع بين شيرين رضا وفرح يوسف.

مثال أخر هو مشاهد محمود حميدة وحدة التى خرجت بشكل أكثر من جيد ومشاهدة مع أحمد داش وعلى الطيب كذلك، ربما السبب فى جودتها يرجع لأنه كون صلة قوية مع كلاهما فى الكواليس، على العكس لم يظهر على الشاشة مثل هذا التواصل بين حميدة وبيومي فؤاد أو حميدة وعايدة الكاشف ظل هناك هذا الحاجز القادم من أداء كلا الممثلين دوريهما بشكل جيد لكن بلا رابط .. اى ان المخرج لم يكن موجود ليحل هذه المشكلة القادمة من السيناريو. بخلاف تجاهل عشري للمونتاج كعنصر قوة وكان يستطيع من خلاله إعادة بناء الدراما المهترئة من السيناريو لكنه اختار أن يكون تقليدي لذلك ظهر الفيلم مكرر لم يتفوق أو يظهر تميز او اختلاف، على عكس تناول عمرو سلامه الذى استخدم المونتاج والسيناريو كأداتين تلاعب بهما ليخلق غموض ترجم إلى تشويق وعنصر جذب فى الفيلم يدفع المشاهد للبقاء أمام لغز شخصية الشيخ المعجب بمايكل جاكسون ليفكك أسراره.