رؤية نقدية : the post فيلم محبط أنقذه التمثيل الجيد لتوم هانكس وميريل ستريب

توم هانكس، ميريل ستريب، ستيفن سبيلبرج، مشتركون فى صناعة فيلم The Post الذى يتناول سبق صحفى يفضح عدة حكومات أمريكية متعاقبة فيما يتعلق بحرب فيتنام، والذى تحول لحرب خفية بين الصحافة والرئيس الأمريكي الـ 37 ريتشارد نيكسون، الأسماء مع الموضوع مثيرون للإنتباه وبناء الآمال العظيمة وأننا بصدد فيلم معجزة يعيد للأذهان فيلم Lincoln الذى أخرجه ستيفن عام 2012 مع ممثل لا يقل اهمية عن الإسمان المذكوران وهو دانيال دى لويس، لكن على العكس يأتى الفيلم مخيبًا للآمال ووجوده ضمن قائمة الأفلام التسعة المرشحة لنيل لقب أوسكار أفضل فيلم محبط وغريب.

ما زال ستيفن سبييلبرج قادر على صناعة فيلم جيد لكن لا يحمل الوهج السابق سواء على مستوى الأفلام التي دشن بها اسمه كواحد من المخرجين القلائل فى العالم القادرين على منح أفلامهم الصبغتين الفنية والتجارية بنجاح أو على مستوى الأفلام التى تغلب الصبغة الفنية وتغازل الجوائز والتكريمات أكثر من شباك التذاكر، السنوات القليلة الماضية شهدت خفوت الوهج الذى تحمله اعمال ستيفن، فيلمه The BFG عام 2016 خير دليل على ذلك، اليوم The Post واحد من قائمة التسعة الأهم ليس بسبب التوليفه التى يصنعها سبيلبرج ولا لمسته السحرية الجامعة بين الفنى والتجارى بل بسبب الاسماء التى تتصدر أفيش الفيلم والحدث نفسه، فميريل وتوم أصبحا علامات مسجلة مثلهم مثل ستيفن لدرجة أن أفلامهم تحظى بالإهتمام والدعاية دون مشاهدتها فقط بمجرد الاعلان عنها، ولأسمائهم ثقل يجعل من ترشحهم لنيل جائزة ما هو نوع من الدعاية الغير مباشرة، لذلك اصبحت هذه الأسماء موجودة فى قوائم الترشيحات بالتبعية لما قدموهم عبر سنوات مضت وليس بسبب ما يقدموه الان.

الفيلم يناقش كواليس الصراع بين نيكسون والصحافة الامريكية حول نشر دراسه أعدتها المخابرات الأمريكية حول الحرب فى فيتنام والتى تخالف كل السياسيات الامريكية فى هذه المسالة ليس فقط فى عهد نيكسون لكن فى عهد من سبقوه أيضًا، وفى الفيلم خط فى الخليفه يتعامل مع وضع المرأة فى المجتمع الامريكى وكيف تتعامل فى مهنة يغلب عليها السيطرة الذكورية، وكيف أنتفضت سيدة ومارست حقها وحريتها سواء على صعيد تحدى البيت الابيض او تحدى العادات والتقاليد حولها.

 

الفيلم ليس ضعيف من ناحية عناصره الفنية على العكس أداء ميريل ستريب وتوم هانكس كانا أكثر من جيدين، وكذلك الحال مع الأدوار الثانية والثانوية فـ بوب أودينكيرك وجيسيى بليمنز وسارة بولسون أصحاب أكثر الاداءات تميزًا فى الفيلم، لكن طبيعة التعامل مع الحدث والتفاصيل  حسب رؤية مخرجه ستيفن هو ما جعل الفيلم مصطنع محمل بقضايا أكبر مما حدث وقتها وبالتالى السهام والنقد الموجهه فى الفيلم هو فى الحقيقى للرئيس الحالى دونالد ترامب وليس نيكسون، وطريقة صياغة الحوار فى الفيلم وعرض القضايا يجعلها تتماس مع الموجة السياسية المعارضة الحالية والتى يتبانها العناصر الرئيسية فى العمل توم وستيفن وميريل، لذلك جعل هذا التحميل المبالغ فيه عنصر ضعف رئيسي فى الفيلم، استغلال الفريق عموما للفيلم لينتصر لارائة السياسة على حساب ما حدث بالفعل هو الضعف الفنى بعينه.

الحوار الذى جمع كاثرين جرهام وأبنتها لى لى ذات الـ 28 وقتها فى غرفة الحفيدة الصغيرة التى تحمل أسم جدتها بعد اقل من 3 سنوات من طلاق الابنة ويرثى حال المرأة فى المجتمع تمت هندسته ليمثل مظلومية شديدة واستغلال لحدث مثيت ولكن فى طريق آخر فالفيلم ككل تجاهل وجود أبناء كاثرين الذكور من الأساس ولم يشر إليهم وكذلك الحال مع أبن لي لي الأصغر، الحالة العامة هى إنصياع الفيلم التام لموجة الصوابية السياسية التى أصبحت وكأنها دين وله اتباع متشددين فى انحاء العالم ومعهم المتعصبون سياسيا واجتماعيا لقضايا المرأة والتى تحولت القضية على ايديهم من دعوة للمساواة فى الحقوق إلى دعاوى للهمينة والسيطرة والسيادة ليمارسوا عنصرية مضادة ضد الرجال بعد سنوات من الضغط والقهر كما الحال تمامًا مع الافرو أمريكين وكفاحهم لنيل حقوقهم والتى تحولت لعنصرية مضادة ضد أصحاب البشرة البيضاء، الفيلم مشبع بكل هذه العنصرية المضادة والصوابيه السياسية بالشكل الذى يدمر تمامًا قيمته الفنية ويقضى على أى تفوق فى عناصره الفنية لأن تفسيرها سيعود بالتبعية للقضايا التى يدافع عنها اصحاب الأسماء اللامعة فى الفيلم بتشدد.