خاص.. مهرجانات عربية جديدة تعوض السخف الأمني في سادس أيام مهرجان كان

لم يعد من الممكن ألا نعترف بوجود مشكلة تنظيمية واضحة في الدورة السبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي مشكلة سببها الذعر المبالغ فيه من خطر الإرهاب، والذي يتسبب كل يوم في تأخير أحد العروض لأسباب تبدو أحياناً غير مفهومة.

فيلم المخرج الفرنسي المخضرم لوران كانتيه "الورشة" مثلاً تأخر عرضه عصر الأثنين لأكثر من 40 دقيقة لأسباب مجهولة حقاً. تُرك الصحفيون في صفوف تزدحم تحت حرارة الشمس ولم تُفتح أبواب الصالة إلى بعد موعدها المقرر بنصف ساعة كاملة، دون أي اعتذار وتوضيح لما يحدث.

المهرجان يراهن على تفهم الجميع للحذر المطلوب تجاه أي خطر، لكن الأمر تجاوز حد الحذر إلى هوس تجاوزت إجراءات التفتيش فيه حتى ما يحدث في المطارات. ويكفي نظرة واحدة لسلات المهملات المجاورة لرجال الأمن في مداخل القاعات لمشاهدة العجائب التي يُجبر حضور المهرجان من حملة البطاقات الرسمية على الاستغناء عنها وإلا تم منعهم من الدخول.

قطع حلوى وشوكولاتة، زجاجات عطر، مطهرات أيدي، وحتى أشرطة الدواء يطلب الأمن إلقائها. حتى إن صحفي بريطاني تهكم على أحد رجال الأمن وطلب منه أن يشرح له كيف يمكن أن يشكل خطورة ببعض حبات الدواء، فأكثر ما يمكن أن يفعله أن يتناولها كلها وينتحر، وهذا حقه!

جوائز النقاد

بعيداً عن مشكلات الأمن شهد اليومين الماضيين نشاطاً ملحوظاً للسينما العربية في المهرجان، بدأ بتوزيع جوائز النقاد في نسختها الأولى المبادرة التي أطلقها مركز السينما العربية خلال مهرجان برلين في فبراير الماضي، ليتم تشكيل لجنة تحكيم من 26 ناقد عربي وأجنبي قاموا بالتصويت لاختيار الأفضل في السينما العربية خلال عام 2016.

نصيب الأسد ذهب للأفلام المصرية التي حصدت أربع جوائز من أصل خمسة، فنال فيلم "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد جائزة أحسن فيلم، وحصل "اشتباك" محمد دياب على جائزتي أحسن إخراج وسيناريو، وانتزعت هبة علي بطلة فيلم "أخضر يابس" جائزة أحسن ممثلة. أما الممثل التونسي مجد مستورة فنال جائزة أحسن ممثل عن دوره البديع في فيلم "نحبك هادي".

مهرجان الجونة

كذلك تم الإعلان عن مهرجانين جديدين يقاما في العالم العربي، في مزيد من الحراك السينمائي بالمنطقة. الأول هو مهرجان الجونة السينمائي، الذي سيكون الأول من نوعه في العالم العربي بتمويله بالكامل من القطاع الخاص ممثلاً في رجلي الأعمال نجيب وسميح ساويرس، ومعهما الفنانة بشرى، منظم الفعاليات عمرو منسي، المنتج كمال زادة.

التمويل الخاص وإقامة المهرجان في منتجع سياحي مثل الجونة سيمنحه اختلافاً عن المهرجانات العربية الأخرى، مع توجه خاص سيوليه المهرجان الذي تقام دورته الأولى خلال شهر سبتمبر المقبل للصناعة والعاملين فيها، حسبما أخبرنا الخبير السينمائي العراقي انتشال التميمي الذي تم اختياره ليكون مديراً للمهرجان.

مهرجان أول فيلم

أما المهرجان الثاني فهو مهرجان عمَان السينمائي الدولي "أول فيلم"، والذي يأتي استجابة لمطالبات لم تتوقف عن ضرورة استضافة العاصمة الأردنية لمهرجان سينمائي، في ظل الصناعة الناشئة التي برزت في الأردن خلال الأعوام الماضية المهرجان سيتم تنظيمه بالاشتراك بين جهتين لهما سمعتهما الكبيرة هما الهيئة الملكية الأردنية للأفلام وشركة ماد سولوشنز، وترأسه الأمير ريم علي، ويختص بأفلام العمل الأول.

يخصص المهرجان مسابقاته الرئيسية للعمل السينمائي العربي الأول ليس فقط في مجال الإخراج، وإنما في ست مهن سينمائية أخرى هي: الكتابة، التصوير، المونتاج، الموسيقى، الديكور، التمثيل. وتشمل المسابقات الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة. كما سيعرض المهرجان، خارج المسابقة، أفلاماً من مختلف أنحاء العالم على أساس العمل الأول أيضا. وسيكون هناك قسم لسينمائيين بارزين يُعرض من خلاله فيلمهم الأول إضافة إلى فيلمهم الأخير وبحضورهم. كما سيتم استحداث أقسام وأنشطة أخرى يعلن عنها لاحقاً، بما فيها جوائز دعم غير نقدية.

المبادرات كلها تكشف عن مستقبل يبدو أفضل لصناعة السينما في المنطقة العربية، بظهور منصات جديدة مختلفة تعوض غياب وإلغاء مهرجانات وفعاليات أخرى كانت قائمة.

المسابقة تشتعل

على مستوى الأفلام تتواصل العروض اليومية بلا انقطاع في مختلف أقسام المهرجان، وعلى رأسها المسابقة الدولية التي شهدت حتى هذه اللحظة عرض أحد عشر فيلماً من أصل 19 تتنافس على جائزة السعفة الذهبية، أرفع جائزة سنوية في عالم السينما.

اليومان الماضيان شهدا عرض أفلام مهمة على رأسها "قتل غزال مقدس" للمخرج اليوناني يورجوس لانثيموس الذي ترشح للأوسكار قبل عامين عن فيلمه السابق "سرطان البحر". لانثيموس يستعين بالنجوم الأمريكيين كولين فاريل ونيكول كيدمان ليروي حكاية طبيب ناجح يتعرض للعنة بسبب خطأ ارتكبه يكون عليه للتخلص منها أن يقتل أحد أفراد أسرته. وتظهر في الفيلم المميز نجمة التسعينيات أليشيا سيلفرستون في مشهد وحيد لكنه مؤثر جداً.

أما الإحباط فكان من نصيب محبي المخرج النمساوي المخضرم مايكل هانيكه الذي توّج فيلمه السابق "حُب" بالسعفة الذهبية قبل ثلاث سنوات. فيلم هانيكه الجديد "نهاية سعيدة" أفتقد في معظم فتراته للقدرة على إدهاش المشاهد وتفعه للتفاعل مع الشخصيات وتكوين علاقة معها. ورغم أن الدراما تصير أفضل في النصف ساعة الأخيرة من الفيلم عندما نكتشف كونها استكمالاً غير معلن لفيلم "حُب"، فإن هذا لم يشفع للفيلم مشكلات الجانب الأكبر من مدته.

المهرجان مستمر حتى يوم 28 مايو، وآخر فيلم في المسابقة سيُعرض يوم 26، بعدها تبدأ التكهنات والتوقعات انتظاراً لمعرفة ما سيقرره المخرج الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار ولجنة تحكيمه في نهاية المهرجان.