من قلب المملكة العربية السعودية تصاميم نعيمة الشهيل تشعّ ثقافة من السعودية إلى العالم

"أنا إنسانة أولا، وأحيانا مصممة"
 
حين تلتقي عيناك بلون الحب وتلمس يداك دفء العطاء .. حين يهمس الإبداع في أذنيك سر تعلق الحاضر بالماضي .. حين تتنشقين نسيم الصحراء العليل، وتتذوقين طعم الخير والإنسانية .. تدركين تمام الإدراك أنك أمام تصاميم واقعية بجذورها وخيالية بأغاصانها المورقة، ىتصاميم تجعلك تعيشين معها حالة عشق من النظرة الأولى.
 
خلطة غريبة عجيبة تسحر حواسك وأحاسيسك، وتطلق العنان لمخيلتك وذاكرتك، إذ تنبض في آن واحد  بالوطنية وبالكونية. إنها خلطة المصممة السعودية نعيمة بنت عبدالله الشهيل التي تطلق مجموعتها الجديدة لأزياء شتاء 2016. وتتميز تصاميمها الجديدة بباقة من الأزهار التي تعبق بعطر الأصالة والتراث المجيد. لعل أكثر ما يميز ابتكاراتها هو حرص المصممة نعيمة على دعم المرأة العاملة والأشغال الحرفية، وذلك من خلال التعاون مع المؤسسات الخيرية المنوعة. 
 
HERFAH BY NAEEMA ALSHUHAIL في لندن
بعد إقامة المعرض لمجموعة "حرفة باي نعيمة الشهيل" في الرياض، لماذا اخترت لندن محطة ثانية لعرض المجموعة؟ 
أقمنا العرض الأول خلال منتصف نوفمبر في قصر الثقافة في الحي الدبلوماسي، بالتعاون مع الجمعية التعاونية النسائية متعددة الأغراض بمنطقة القصيم (حرفة) التي تترأس مجلس إدارتها سمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود. وقد حظي والحمدلله بنجاح كبير. 
 
وبدعوة من غرفة التجارة العربية البريطانية، نعرض في إحدى عواصم الموضة العالمية تصاميم من منطقة القصيم قلب السعودية، تلك الواحة النابضة بالحياة والعطاء والاستقرار لتكون نموذجا راقيا للأعمال اليدوية وللمنتجات الحرفية المطرزة بأيدي نساء القصيم. فنعكس الصورة المتألقة دوما لوطننا الغالي ولمجتمعه المبدع. وأخصص شكري إلى سمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود رئيسة "حرفة"، وإلى الدكتورة أفنان الشعيبي الأمينة العامة والرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة العربية البريطانية، وإلى جمعية "إرادة" الراعي الرسمي للحدث برئاسة نورة بنت عبدالله الشهيل، وهي رئيسة "منتدى سيدات الأعمال في المنطقة الشرقية".
 
كيف بدأت مسيرتك الإبداعية؟ وكيف تصفين لنا مشوارك الطويل نسبيا في عالم الفن الراقي؟
في الواقع أنا أدين لعائلتي بمسيرتي المهنية. فقد ورثت جينات التجارة عن جدي لأمي إبراهيم بن عبدالعزيز العجاجي، وعن والدي محبة الخير ومساعدة الفقراء والأيتام. وأفتخر بطفولتي التي كانت في الإحساء الواقعة في المنطقة الشرقية، والتي تعتبر بوابة دول الخليج العربي، وأكبر واحة نخيل عربية. 
 
ومنذ أن اكتشفت شغفي بالألوان والأقمشة، قررت في العام 1986، افتتاح متجر لبيع الأقمشة وتصميم الملابس وفساتين السهرة. وبدأت بالسفر لاقتناء الأقمشة برفقة والدتي وابني، من هونغ كونغ إلى سويسرا وفرنسا وإيطاليا ولندن. كما سافرت إلى اليابان لاقتناء الأحجار والترترة واللمعة، لأن هذه التفاصيل الزينية كانت رائجة جدا في عالم الموضة حينها، ومن ثم إلى الهند لتنفيذ مرحلة التطريز على الأقمشة الأوروبية بالخرز الياباني. ولاحقا، أعد القماش المطرّز وأرسم التصميم. 
 
من يحتل المرتبة الأولى في تصاميمك: اللون أم القماش؟
في الحقيقة يجب أن أتحدث عن الألوان، وليس عن اللون الواحد في تصاميمي. حيث إنني أحرص على تناسق الدرجات والتناغم الأنيق فيما بينها؛ أما القماش، فله دور كبير وفعال، بل هو مهمّ بقدر أهمية الملمس المفعم بالترف والرفاهية. وعموما إنني أعتمد قاعدة "النسبة الذهبية" أي التزاوج بين اللون والقماش والقصّة وكل تفصيل من تفاصيل التصميم. فإذا اختلت هذه النسبة التي ترمز إلى التوازن في القطعة، فسنشعر بأن شيئا ما ينقصها. 
 
منذ متى تحرصين على التعاون مع المؤسسات الخيرية؟
كان أول عرض لمجموعتي في الرياض عام 2005 مع جمعية "سند" التي ترأسها الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز. وعاد ريع العرض لدعم الأطفال المرضى بالسرطان. وقد لقي إقبالا رائعا جدا وتقديرا كبيرا لكل قطعة.
 
تتميز تصاميم "فروة" لموسم الشتاء بمزيج من الأناقة المطعمة بالتطريزات التراثية من جهة أولى، وبفرادة كل قطعة من السترات والفروات من جهة ثانية. فمن المسؤول عن اختلاف القطع: ابتكارك في التصميم أم براعة النساء في التطريز الحرفي؟
لكل منا دوره في إنجاح القطعة. من ناحيتي، أحرص على أن يعكس كل تصميم مهمتي في الابتكار وفي مساعدة الآخرين في نشر المحبة والنور. صدقا أؤكد أن كل قطعة أنفذها، أحملها دعاء المحبة والسلام والشفاء. فأنا إنسانة أولا، وأحيانا مصممة. وكل إنسان ولد مع مهمة أوكلها إليه الله الخالق سبحانه وتعالى. ولا نشعر بالسعادة إلا حين نحقق هذه المهمة التي ولدنا من أجلها. والسبيل إلى معرفة أن الإنسان سعيد في حياته هو عندما ينشغل في الإبداع أو يستمتع بعمله فلا يشعر أبدا بالملل. 
 
لكني لا أنكر أن التصميم الذي أرسمه يبدأ بإبداع النساء المسؤولات عن التطريزات وتنفيذ قطع السدو، وخاصة أن تراثنا يفتح لهن باب رزق كريم ينبع من تاريخنا الإنساني ليمتد إلى أجيال المستقبل 
 
نلاحظ في المجموعة الأخيرة انك تركزين على التطريزات المستوحاة من أشكال الأزهار. فهل الطبيعة مصدر إلهامك الأوّل؟
لا شك في أنني أتأثر ببيئتي الحاضنة لطفولتي وهويتي ووجداني وكياني. فأستوحي من ذهب رمال الصحراء، وأبيض غيوم الفضاء، وأخضر أشجار النخيل، وزرقة السماء وقوس قزح الأزهار، كما أستوحي من قراءاتي ومطالعاتي الكثيفة التي لا تعرف النوم، ومن أسفاري المستمرة في كل أرجاء العالم. 
 
زمن العطاء
يقال إن الحياة أخذ وعطاء، لكنك تشددين على العطاء. فماذا عنه؟
نحن اليوم في زمن العطاء. وإن الدفاع عن أي قضية إنسانية محقة هو بركة. نحن بحاجة إلى طاقة العدالة والمحبة والشغف لنستمر في العطاء الذي يجسد المعنى الأول والأخير لمفهوم الحياة. والرزق  ليس من أحد، بل من عند رب العالمين. وأنا أثق بالله كل الثقة وأتوكل عليه في كل شيء. وحين نزرع الخير، يجب ألا ننتظر أن يكافئنا الله بهدية، بل علينا أن نبذل أقصى جهدنا ونقدم أفضل ما لدينا ونعامل بعضنا بعضا بصدق وشفافية. صحيح أن الخوف قد يمنع الناس من العطاء، لكن خزائن الله لا تنفد.
 
بماذا تنصحين أحفادك والأجيال الصاعدة؟
نصيحتي الأولى هي التمسك بالمطالعة لتوسيع آفاق المعرفة. فالعلم نور لا يستطيع الإنسان من دونه أن  يتطور وينمو.