رئيسة التحرير مي بدر تحاور Olivier Polge

غابريال شانيل المتمردة والشغوفة والحرة، لم تؤثر في عالم الموضة فقط، بل في عالم العطور أيضا، وكانت مصدر الإلهام للكثير من عطور الدار التي تحمل اسمها، بما فيها عطر الأزهار الجديد «غابريال شانيل»Gabrielle Chanel الذي يشعّ من داخل قارورة زجاجية بتركيبة أنثوية لا محدودة ابتكرها العطار «أوليفييه بولج»  Olivier Polge من زهرة خيالية تتألف من أربع أزهار بيضاء.

التقيت هذا العطّار الفرنسي الشاب خلال زيارته أخيرا إلى دبي، وتعرفت منه عن قرب على علاقته مع العطور، وقصته مع دار «شانيل» التي انضم إليها سنة 2013 ومن ثم أصبح عطّارها الأساسي سنة 2015، بعد تقاعد والده المبدع الأسطوري جاك بولج الذي كان عطار الدار منذ سنة 1978 وابتكر لها عطورا خالدة مثل «شانس» و»ألور» و»كوكو مادموازيل».

أوليفييه الذي ولد في غراس تخصص بداية في تاريخ الفن، لكنه سرعان ما اختار صناعة العطور فانضم إلى International Flavours and Fragrances سنة 1998، وخلال مشواره المهني، عمل على عطور ناجحة مهمة مثل «ديور أوم» و»لانكوم لا في إيه بيل» و»فيكتور أند رولف فلاوربوم» و»بالنسياغا فلورابوتانيكا». وفاز سنة 2009 بجائزة العطور الدولية International Fragrance Prize عن إنجازاته الفنية في مجال صناعة العطور. تحدّثت مع أوليفييه بولج مبتكر العطور الرابع في تاريخ «شانيل» عن عملية ابتكار عطر «غابريال» وتركيبته وقصّته، وعن اختيار المواد الخام واستخراج زيوتها. ونقلت لكم نصائحه لاختيار العطر وتجربته في المنطقة العربية.

برأيك ما الذي يجعل عطر "غابريال شانيل" مميزا؟

أعتقد أنه عطر مميّز جدا لأنه يجمع الزيوت العطرية المهمة التي لطالما استعملناها عبر تاريخنا، وينجح في التقاط حمض الماركة النووي. حين نتحدّث عن عطور "شانيل"، يأخذنا الحديث دائما نحو الأزهار. فكرتي كانت إذا أن آخذ تلك الأزهار الأيقونية وأستعملها ربما بطريقة مختلفة لصنع عطر عصري يلتقط هذه العطور. كوكو كانت دائما تبتدع عطورا باستخدام الياسمين، لذلك عملت حول الياسمين مع نفحات ازهار مثل الإيلانغ إيلانغ وزهر البرتقال ومسك الروم.

وما الذي يميّز عطر "غابريال" عن عطور "شانيل" الأخرى؟ هل هو استعمال مزيج من الأزهار البيضاء؟

هذا هو بالضبط الأمر الأهم. أعتقد أن على العطر أن يكون وفيا للإحساس الذي تنبض به عطور الدار. كثيرا ما ألتمس ردات فعل الناس، ويقولون لي دائما عند التحدث عن عطر معيّن إن عبيره يشبه "شانيل" كثيرا. فلا شك في أن هناك إحساسا معينا نشعر به مع عطور "شانيل" من دون أن نتمكن ربما من إيجاد كلمة تعبّر عنه. أعتقد أن المميز هو استعمالنا لموادنا الخام وبحثنا الدائم عن أساليب جديدة لاستخراج الزيوت. لطالما كانت عطور "شانيل" عصرية في زمنها. الزمن برأيي يتغير، وعلينا تغيير عطورنا. فلا نبتكر العطور بالطريقة نفسها التي كنا نبتكرها فيها خلال السبعينيات مثلا.

لتسليط الضوء على هوية العطر الجديد، اخترت أربع أزهار تشكّل حقا هوية "غابريال". الزهرة الأولى هي الزهرة الأخف وهي زهرة النارنج التي نستقطر منها بالماء زيتا يتميز بعبير منعش وفوار. الزهرة الثانية هي الإيلانغ إيلانغ، والزهرتان من أهم المواد الخام التي تستخدمها "شانيل"، وهما أهم مكونين في عطر "شانيل رقم 5". زهرة الإيلانغ إيلانغ الآتية من جزر القمر أكثر تعقيدا نوعا ما من زهرة البرتقال. إنها ناعمة جدا ومفعمة بأنوثة رقيقة وبعبير استوائي بعض الشيء. نستقطر زيت الإيلانغ إيلانغ بالطريقة التقليدية وهي عملية طويلة جدا مقسمة إلى ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول نلتقط العنصر المتقلب والمنعش والفاكهي للزهرة، وشيئا فشيئا تظهر مزايا أخرى للزهرة، فتصبح أكثر دكنة. حين نتحدث عن المواد الخام، أفضل نوعية هي التي تستطيع أن تلتقط المكون الأكثر تقلبا وهشاشة، وهذه هي النوعية التي نبحث عنها.

أما الياسمين، فيجمع بين نفحة منعشة جدا ونفحة أكثر دفئا وعمقا ودكنة. هذا الياسمين من مصر، فكل الياسمين الذي نزرعه في غراس يذهب إلى قوارير عطر "رقم 5"، لأن حجم إنتاجنا يلبي حاجاتنا له فقط. بعد ابتكار عطر "رقم 5" سنة 1921، سافرت الدار بحثا عن مصادر ياسمين جديدة. وجدنا الياسمين في مصر، والآن نجد المزيد من الأزهار في الهند والصين. لكننا نستمر تقليديا لدى "شانيل" باستعمال الياسمين المصري.

والزهرة الأخيرة التي أردت التحدث عنها هي مسك الروم. النوعية العادية الشائعة التقليدية لمسك الروم لم تكن النوعية التي استعملتها في "غابريال". وأريد هنا أن أشدد على أهمية المواد الخام وعلى أهمية طريقة استعمالنا لها. استعملت مسك الروم الأكثر نعومة في "غابريال". ننتبه كثيرا إلى المواد الخام في كل مراحل زراعتها واستخلاصها وإنتاجها. نزرع مسك الروم في غراس ونستقطره أيضا. ومن خلال التفاعل بين التربة والمناخ إضافة إلى العناية التي نوليها لمرحلة التقطير، يمكننا أن نحصل على مادة جديدة تماما كالحصول على درجة جديدة أو لون جديد نستطيع إضافته إلى عطرنا. رائحة مسك الروم معروفة بميزتها المزهرة جدا، لكن مسك الروم التقليدي يتميز كلاسيكيا بميزة خضراء جدا وجلدية وداكنة وشمعية قليلا، لكن نوعية زهرتنا ناعمة أكثر وكريمية أكثر. وأعتقد أنه من المهم جدا ألا نحصل في هذا العطر الزهري على خصائص جلدية.

إذا، هذا أساس العطر؟

إنه الجزء الأهم. إنه عطر أزهار حقيقي. والأزهار هي الخط الأحمر الذي يجمع حقا ويربط بين كل عطورنا. لكننا لم نملك سابقا عطرا زهريا بالكامل.

هل واجهت تحديا خلال ابتكارك العطر؟

يصعب التحدث عن تحدٍ. أعتقد أن التحدي هو ابتكار شيء مخلص لنا وجعله جديدا في الوقت نفسه بالمحافظة على المستوى الصحيح. والتحدي الأساسي هو الوفاء لهويتنا وجذورنا وقيمنا بالرغم من اتجاهات السوق اليوم حيث نجد عددا هائلا من العطور وبخاصة العطور اللذيذة والبودرية.

اسم العطر مستوحى من اسم كوكو. ما الصلة بين العطر وشخصيتها؟

على الرغم من أن هذا العطر عصري ولا أعرف كيف كانت ستكون ردة فعل غابريال عند اختباره، حين عملت على ابتكار هذا العطر، حاولت في ذهني أن أجمع بطريقة عصرية هذه النفحات المعينة وهذا الأسلوب في بناء عطر معقد لا يحاول أن يعيد إنتاج زهرة معينة بل يخلق باقة ازهار. وأرى أن العطر بلا شك يعبّر عن شيء وفيّ لها منذ البداية، وإنه جزء “غابريال” الذي لطالما أبقته في داخلها.

متى عرفت أنه العطر النهائي الذي أردته؟

صنع العطر عملية بطيئة جدا. وهي بطيئة ليس فقط لأنه عليك ابتكاره، بل لأنه أيضا إحساس وشعور. لا نستيقظ في أحد الأيام وندرك أن العطر انتهى، بل علينا العيش معه لبضعة أسابيع فنرى شيئا فشيئا أن هناك ما هو صحيح وملائم فيه. وهكذا، شيئا فشيئا، مع تجارب صغيرة، ندرك أننا نملك تركيبة صحيحة.

لم تكن وراء تصميم القارورة. لكن هل أنت سعيد بها؟ وهل تعكس العطر؟

نعم، أحببت تصميم القارورة جدا. فبالطريقة ذاتها التي أتحدث بها عن العطر، سأقول إن القارورة تتميز ببساطة واضحة تشبهنا. قارورة “رقم 5” تتميز بشكلها البسيط جدا. قارورة “غابريال” تتناغم مع الاتجاه الذي كنت أبحث عنه للعبير. فتسمح له بالتألق وتسلط الضوء على جانبه المشع.

هل لديك نصائح لقارئاتنا حول إيجاد العطر الخاص بهن؟

الأمر شخصي لدرجة أنه يصعب تقديم نصيحة معينة. أعتقد أن النصيحة الصادقة التي سأقدمها إليهن هي أن يجربن العطر على البشرة لاختبار العطر بشكل حقيقي. كل بشرة مختلفة عن الأخرى، ودفء البشرة يظهر العطر بطريقة أفضل. العطر يتطور مع الوقت، لذلك من الضروري أن تأخذي وقتك عند اختيار عطرك وأن تتركيه لبضعة أيام لتعرفي إذا كان يلائم شخصيتك حقا أم لا. الصعوبة في العطور أنه عادة نتوقف عن شم العطر الذي نضعه يوميا. الأمر مؤسف. وكثيرا ما يقول لي الناس إن العطر لا يدوم على بشرتهم، فأشدد على أن ذلك غير صحيح وأن السبب هو تكوين بشراتنا وأجسامنا.

النساء العربيات معجبات جدا بعطور “شانيل”. كيف تراهن يتجاوبن مع العطر الجديد؟

حتى الآن، إن ردود الفعل جيدة جدا. وأعتقد أن هذا هو الأهم. برأيي، إن هذا العطر يثير اهتمام النساء في المنطقة لأنه منعش جدا ونيّر جدا ومشع، لكنه في الوقت نفسه غني ومترف حين يتطور على البشرة. وأعتقد أن هذا أمر مهم في المنطقة.

كيف كانت زيارتك إلى الإمارات؟

أنا سعيد جدا بكوني هنا. كما تعرفين، أنا أسافر كثيرا حول العالم وأنا من ثقافة أوروبية. قليلة جدا هي الثقافات التي وجدت فيها تقاليد عطرية محددة وخاصة كما وجدت هنا. هذا هو المكان الوحيد الذي زرته ورأيت فيه عالم عطور مختلفا جدا، فلديكم حتى المواد الأولية الخاصة بكم. وتفاجأت بأهمية العطور هنا.

أنت شخصيا، هل تفضل العطور الخفيفة أم الثقيلة؟

الأمر يعتمد على العطر. المهم ألا يكون العطر خفيفا فقط أو ثقيلا فقط. أحب المزج بين الروائح المنعشة والعمق. كما أحب العطور الثقيلة القوية التي تتميز بصفة متألقة. العطر الجيد برأيي يتميز بتعقيد معيّن. لدى دار “شانيل”، من الأمور الأساسية في ابتكارنا للعطور هو أن يكون هناك دائما نوع من التعقيد. لم ترنّم عطورنا يوما نغمة مفردة.

عطور “شانيل” تتميز بصفة تبقي الناس أوفياء لها.

نعم أعتقد أن الصفة هي هذه الخلطة أو التركيبة. فلا نملّ منها، لأننا دائما نجد شيئا جديدا فيها. حين تكون الأمور بسيطة جدا، نسأم ونتعب منها.

ولدت في عالم العطور. إلى أي مدى أثر ذلك في اختيارك أن تصبح صانع عطور؟ وهل ابتكار العطور موهبة تولد معك أم يمكنك اكتسابها؟

أعتقد أن ذلك أثر كثيرا. حتى إنه أثر فيّ بطريقة بسيطة وهو أنه جعلني أعرف أن هذه المهنة موجودة، فالكثير من الناس لا يدركون وجودها. وأعتقد أنه يمكنك تطويرها وتعلمها، لكن عليك امتلاك إحساس معين.

هل من نصيحة معينة تتذكرها من والدك؟

لا أتذكر نصيحة واحدة. المثير للاهتمام والجيد أنه حين قررت أن أصبح عطارا وطلبت مساعدته، كان حكيما لدرجة أنه أرسلني بعيدا لأتعلم. لديه الكثير من المعارف والأصدقاء في عالم العطور. فأرسلني إلى المكان الأفضل برأيه لأتعلم صناعة العطور. وفي الواقع أنني عملت معه فقط لدى “شانيل” حين انضممت إلى الدار قبل أربعة أعوام، لذلك لا يمكنني القول إنه من علّمني الصناعة.

أردت أن تصبح موسيقيا وغيّرت رأيك. ما الذي دفعك إلى اتخاذ هذا القرار؟

حين كنت شابا، ربما لم يكن من السهل أن أصبح عطارا لأنها كانت مهنة والدي. كنت أحب أمورا كثيرة مثل الموسيقى. خلال صيف أحد الأعوام، تدرّبت في مكتب والدي، وهذا ما جعلني أرى المهنة من زاوية مختلفة وأدرك حقا أنها تشبه شخصيتي وتحاكي توقعاتي.

هل ما زلت تعزف الموسيقى؟

نعم، ولكن بشكل غير كافٍ. من الصعب أن أجد الوقت الكافي ¿