مريم عثمان لـ "هي": علينا كسر كل الحواجز التي تقصي ذوي الاحتياجات الخاصة

 نشيطة، واثقة بنفسها، وفاعلة في مجتمعها، أناقتها تتعدى مظهرها الخارجي لتعكس خلفية ثقافية واسعة، ملهمة في مجال عملها لا تدخر جهدا في تسخير كل ما لديها لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تفخر بما تقدمه لهم .. درست في المدارس الحكومية، بعدما رفض والدها التعليم في المدارس الخاصة، لإيمانه بالتعليم الحكومي وما يحظى به من اهتمام ودعم من القيادة الحكيمة التي تؤمن بأن العلم هو طريق النجاح والتقدم ..  إنها الإماراتية مريم عثمان الرئيسة التنفيذية لمركز راشد للمعاقين في دبي .. "هي" التقت عثمان ومعها كان الحوار التالي.

 

بداية حدثينا عن طفولتك ودراستك في المدارس الحكومية.

أتذكر أنني كنت أحضر إلى المدرسة قبل بلوغي السن القانونية لبدء التعليم، فأسرتي كانت تصر على حضوري في الصف مع التلاميذ، بعدها قرر والدي إلحاقي وعمري أقل من خمس سنوات بإحدى المدارس الخاصة لتعلم اللغة الإنجليزية، وعندما وصلت إلى سن السادسة قرر الحاقي بالمدارس الحكومية، وبعد الظهر كنت أذهب إلى المطوعة لحفظ القرآن الكريم، وفي الإجازات الصيفية كنت أذهب إلى أماكن خاصة لتعليم الإنجليزية، ما جعلني طوال فترة التعليم المدرسي أشعر بأنني في المدرسة على مدار السنة كلها، وبعد أن تخرجت في مدرسة زعبيل الثانوية في دبي التحقت بجامعة الإمارات ودرست علم النفس.

 

ما اهتماماتك؟ وما أهمية الرياضة في حياتك؟

اهتماماتي لا تبتعد كثيرا عن إطار عملي وأسرتي، فكل اهتمامي منصب على تطوير مركز راشد وتزويده بأحدث وسائل التعليم والراحة لأبناء المركز، إضافة إلى الاهتمام بأسرتي المكونة من زوجي وبناتي الست، أهتم بالرياضة التي لا أمارس منها نوعا محددا، ولكنها مجرد تمرينات يومية، لا أتبع نظاما غذائيا محددا، ولكنني بكل تأكيد أحاول الموازنة بين وجباتي اليومية.

 

هل الأناقة الخارجية تغني عن الرياضة؟

لا شك أن الأناقة الخارجية هي محل اهتمام كل السيدات على الإطلاق، مع اختلاف ثقافاتهن ومجتمعاتهن ونشأتهن، بالنسبة لي، أنا أفضل البساطة، وهذا يظهر جليا في إطلالاتي اليومية، وبالتأكيد الرياضة تمنح القد الممشوق للمرأة الذي يساعدها على اختيار ما يعجبها من الموضة وأسلوب الأناقة.

 

- من أين جاء هذا الحب والاهتمام بإنشاء مركز لذوي الاحتياجات الخاصة؟

عملت في هذا المجال بالمصادفة، وعلى الرغم من ذلك لا أتخيل نفسي أعمل في مجال آخر، خاصة أنه عرض عليّ أن أعمل في مجالات أخرى، ربما كان وضعي فيها أفضل من وجهة نظر البعض، لكني أراني أهم الناس، لأنني أعمل مع ذوي الاحتياجات الذين أعدهم جزءا مني لا يمكن الاستغناء عنه، كما أن جزءا من دراستي كان عن الإعاقة والتخلف العقلي، وتنقلت بين المراكز الخاصة بذوي الاحتياجات في دراسة تطبيقية وأنا طالبة في الجامعة، وعلى الرغم من ذلك لم أفكر أن أعمل في هذا المجال، وكنت أفكر في العمل في المجال النفسي عن طريق استكمال الدراسة العليا، حتى أتمكن من العمل في مراكز الطب النفسي، ولكن الحياة أرادت لي أن أغير اتجاهي العملي.

 

- هل توجد إحصائية عن ذوي الإعاقة في دول الخليج والإمارات بوجه خاص؟ وما نسبة اندماجهم بالمجتمع؟

 حسب آخر الاحصاءات يبلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في الإمارات نحو 22 ألفا، وعدد الطلبة ذوي الإعاقة المدمجين في المدارس يزيد على 12 ألف طالب، كما أن 80 في المئة من المعاقين يمكنهم العمل والإسهام في المجتمع من دون تدخل، وأكثر من نصف المعاقين في الدولة يعانون إعاقة ذهنية، و70 في المئة منهم دون 18 عاما. ومؤخرا نجحت وزارة التربية والتعليم، في دمج نحو 7000 طالب وطالبة من ذوي الإعاقة، وأشركت مجموعة منهم في برنامج محمد بن راشد للتعليم الذكي، والتقارير تفيد بأن الدولة نجحت في تحقيق الأهداف الستة المعتمدة دوليا، وتشتمل على توسيع وتحسين الرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، وتمكين جميع الأطفال من الحصول على تعليم ابتدائي جيد ومجاني وإلزامي، وضمان تلبية حاجات التعلم للأطفال والراشدين من خلال برامج ملائمة، وتحقيق تكافؤ فرص التعليم الأساسي والتعليم المستمر لجميع الكبار، وتحقيق المساواة بين الجنسين في ميدان التعليم، وتحسين الجوانب النوعية للتعليم كافة.

 

- التوعية المجتمعية لها دور كبير بكيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، هل لكم دور في هذه التوعية؟

بكل تأكيد، نحن نحرص في مركز راشد لذوي الاحتياجات الخاصة على إقامة فعاليات مختلفة للفت نظر المجتمع وتذكيره الدائم بأهمية هذه القضية الحساسة، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فإن إقامة هذه الفعاليات على اختلافها من فنية إلى ثقافية إلى اجتماعية أو دراسية ورياضية وما إلى ذلك، تجعل المعاق يشعر بوجوده وبكيانه، وبأهميته في المجتمع، فطلاب مركز راشد الذين لا يزيد عددهم على 200 طالب لديهم فريق رياضي، وآخر مسرحي، وثالث غنائي، وهم يشاركون في كل المناسبات الوطنية والاجتماعية والثقافية. 

 

- هل تختلف المرأة المعاقة عن الرجل المعاق في كيفية إمكانية ممارستهما للرياضة وتعليمهم؟

لا يمكن في حالة صاحب الاحتياجاتالخاصة التمييز كثيرا بين الرجل والمرأة، فهنا الوضع مختلف نوعا ما، لأن ما يناسب المعاقين، خاصة جسديا، يرتبط بكل حالة وبخصوصيتها، والأمر نفسه ينسحب على التعليم.

 

-  ممارسة الرياضة عند المعاق صعبة أم سهلة؟ وهل يوجد مقياس ثابت هنا؟

لا تقاس الأمور عند ذوي الاحتياجات الخاصة بالعموميات، بل لكل حالة وضعها الخاص، ولهذا فإننا في مركز راشد لذوي الاحتياجات الخاصة نحرص على الاهتمام بكل حالة على حدة، فحالات الإعاقة الذهنية مثلا، والمصابون بمتلازمة داون كذلك، قادرون على ممارسة الرياضة أكثر من غيرهم، فيما نجد أن أحد التحديات الكبيرة هي جعل الأصم يرقص، فهو وإن لم يكن قادرا على سماع الموسيقى بأذنيه نعلمه كيف يشعر بها ويحولها إلى حركات راقصة متناسقة، واللوحات الراقصة هي نوع من أنواع الرياضة البدنية أيضا.

 

- أين يمكن أن يمارس المعاق الرياضة؟ وما أهمية وجود منشأة رياضية للمعاقين في الإمارات؟

يُمكن لذو الاحتياجات الخاصة أن يُمارس الرياضة مثل السوي في مختلف الملاعب والأندية والمدارس، وحين نتطلع إلى الهدف الأسمى من عملنا وهو تحقيق الدمج بين ذا الاحتياجات الخاصة والسوي، علينا أن نكسر كل الحواجز التي تقصي المعاق وتجعله على الهامش، ولا نحتاج في الإمارات أو غيرها إلى ملاعب أو منشآت خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، لأننا بهذا الفكر نُكرس الفصل بين ذو الاحتياجات الخاصة ومجتمعه وهو ما لا نريده.

 

- ما الرياضات التي يمكن للمعاق ممارستها؟

كل الرياضات يستطيع صاحب الاحتياجات الخاصة ممارستها، وحتى الألعاب الأولمبية نظمت دورات لذوي الاحتياجات الخاصة ولكن ضمن مواصفات ومعايير خاصة، تراعي إعاقتهم، وحتى المكفوفين شاركوا في الماراثونات ولعل تجربة العداء الكيني الكفيف وانيوكي خير دليل على ذلك، فقد شارك في الماراثون من خلال عداء آخر كان يُشكل ظله في المضمار، وهكذا نجد أن المعاق يمارس كل الرياضات ولو على كراسيَّ متحركة أو عكازات، وعلينا حين نتحدث عن صاحب الاحتياجات الخاصة أن نكون أكثر تخصيصا، فلا يجوز الحديث عن المعاق حركيا مثلا كما نتحدث عن الشلل الدماغي أو التوحد، فكل إعاقة لها خصوصيتها ورياضتها.

 

- هل من داعم لرياضة المعاقين في الإمارات؟ وهل شارك أحد المعاقين من المركز في مسابقة رياضية محلية وعالمية؟

كل مؤسسات الدولة تدعم ذوي الاجتياجات الخاصة وتؤكد حقه ودوره في المجتمع، وجميع المعاقين يُشاركون في فعاليات ومسابقات رياضية محلية وعربية وعالمية، وفي الدولة فرق خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف الرياضات.

 

- انفتاح المرأة الخليجية على العمل والدراسة هل هو مترافق مع اهتمامها بدعم مثل هذه المراكز؟

العمل الخيري والإنساني في الإمارات خصوصا وفي الخليج عموما يحتل أولوية لدى مختلف القطاعات والفئات، وقد تربينا على العطاء والمحبة من أهلنا وقيادتنا، لما قدموه من رؤى إنسانية أممية طالت الشقيق والصديق.

 

- إلامَ تصبو وتطمح مريم عثمان في هذا المجال؟ وما العقبات التي تواجهها؟

أصبو إلى رؤية مجتمعي الإماراتي والعربي والمجتمع الإنساني عموما وقد تحول حقيقة إلى صديق للمعاق. العقبات مُلُح الحياة وعملي مع ذوي الاحتياجات الخاصة جعلني أهزأ بالألم ولا أرى في التحديات سوى بوابة للإبداع والابتكار.

 

- هل يوجد مدربون رياضيون مختصون بتدريب المعاق على الرياضة؟

بالطبع، لا يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة أن يتجاوز مشكلته ويتحداها من دون عون من مدرب مختص يدرك كيف يدرب وكيف يكتشف مهاراته  وقدراته، والرياضة المناسبة له.

 

-  ما التغيرات التي تطرأ على المعاق بعد ممارسته الرياضة؟

ما يُميز صاحب الاحتياجات الخاصة الذي يُمارس الرياضة هو الإحساس الذي ينمو داخله في قدرته على تحدي مشكلته وأنه جزء غير مُهمش في المجتمع.

 

- هل يحتاج المعاق إلى أجهزة رياضية خاصة أم يستطيع استعمال الأجهزة المتوافرة في النادي الرياضي؟ وما مدى أهمية وجود مرافق للمعاق عند ممارسته الرياضة؟

لا يحتاج صاحب الاحتياجات الخاصة إلى أجهزة رياضية خاصة، ولكن يحتاج إلى تدريبات ورياضات تتناسب ومشكلته، وليس كل رياضة يمارسها صاحب الاحتياجات الخاصة يحتاج فيها إلى مرافق أو مساعد، وعلينا النظر إلى كل حالة بمفردها.

 

- هل يوجد نادٍ رياضي فقط لذوي الاحتياجات الخاصة في دبي على وجه الخصوص؟

بالطبع، هناك نادي دبي للرياضة الخاصة الذي يهتم بتوفير منصة رياضية متكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويُنظم لهم البطولات والمشاركات، ويتفهم متطلباتهم الخاصة واحتياجاتهم.

 

- بما أنكِ امرأة من المجتمع الخليجي الراقي تؤمن بالعمل ومواجهة العقبات، بماذا تتوجهين للمرأة الخليجية التي لديها طفل أو طفلة معاقة، أو حتى شاب أو شابة؟

الأم التي لديها طفل معاق تكون من الأمهات اللواتي اختبر الله تعالى صبرهن، وأعطاهن بابا من أبواب الجنة، فالأم التي حمدت الله على ما أعطاها، ودعمت طفلها المعاق، وأسهمت في دمجه في المجتمع، فلم تخجل منه، ولم تهمله أو تحبسه، تكون قد أرضت الله تعالى وأدت واجبها الإنساني والأخلاقي على أكمل وجه.

 

- ماذا تقولين لقراء مجلة "هي"؟

أتمنى أن تحافظ مجلة "هي" على ما تبقى لنا في عالمنا العربي من مجلات مطبوعة، وألا يجرفها تيار الموضة والتحول الكامل إلى المجلات الإلكترونية، لأن المطبوع يظل له رونقه ورائحة الحبر وملمس الصفحات ومتعة تقليبها، وكم أنا حزينة لغياب عشرات المجلات المطبوعة العريقة في عالمنا العربي.