المدونة السعودية الجوهرة لـ"هي": حادثة مضحكة وراء إنشاء مدونتي

شهدت السنوات الأخيرة توجهاً ملحوظاً من قبل مجموعة كبيرة من الفتيات السعوديات للاهتمام بالكثير من المجالات، وبدأت الكثيرات منهنّ في دخول عالم التدوين من أوسع أبوابه وحققن نجاحات استثنائية ومتميزة فيه.
 
إلتقت "هي" المدونة الشابة السعودية الجوهرة الذييب ذات الثلاث والعشرين عاماً، والتي تدير مدونة crafty4all وكذلك مدونتها الأساسية ms.Candy لتحدثنا عن تجربتها الممتعة في عالم التدوين ببساطة ووضوح وبطريقة كشفت لنا عن شخصيتها الظريفة والقريبة للقلب.     
 
بدايةً حدثينا عن نفسكِ؟
إسمي الجوهرة، فتاة عادية كأي شابة يمكن أن ترونها حولكم في المجتمع، ولكني قد أختلف في كوني مهتمة بالتجربة والاكتشاف، لا في مستوى العلوم أو السفر فحسب، بل على مستوى الأشياء التي يُمكن أن أتعلمها وأتقنها دون أن أخرج من غرفتي، هذه الرغبة التي لامستها في سنوات المراهقة كبرت معي وأصبحت أسلوب حياة ممتع ويحمل الكثير من المغامرات معه. نعم، أنا مغامرة لا تتحرك مِن كُرسيها، مغامرة في الجمال المتوافر والمختفي في كُل زاوية من الحياة، والقريب جداً من أنظارنا التي يفوتها إبصاره.
 
حدثينا عن تجربتكِ في عالم التدوين؟
بدأت تجربتي في التدوين منذ وقت طويل، بداية افتتحت مدونة في جيران، لأنها كانت آخر صيحات الموضة لدى مستخدمي الإنترنت في مثل عمري، بعدها بفترة مللتُ من الموقع وانتقلت لمكتوب، وماي سبيس، وعدة سيرفرات مختلفة فقط لأجرب وأفتتح مدونة أعبئها بأي شيء كان يشد اهتمامي في تلك الفترة. 
 
وكانت مدوناتي في البداية عبارة عن مدونات أدبيه أملأها بالخواطر والقصص، بعدها بدأت بمشاهدة المسلسلات الشرق آسيوية وحولت مدونتي إلى صفحة تقارير، لكن لم استمر طويلاً، ففي كُل مرة أفتتح مدونة وأبدأ باللعب والنشر فيها أشعر بالملل وأتركها. 
 
إستمريت بالانتقال من منصة لأخرى حتى تعرفت في سنتي الجامعية الثانية على منصة ووردبريس، ولأن الموقع يوفر تحكماً سهلاً فقد وجدت نفسي واقعة في عشق المنصة وبالتالي أخذت راحتي بشكل أكبر في التدوين، في هذه الفترة تعرفت بشكل كبير على أشياء لم أتوقع أن أهتم بها: التعليم الإلكتروني، الإنمي والمانجا، الفلكلور والحكايات الشعبية، تاريخ الفن، وأيضاً الأعمال اليدوية. 
 
الاستمرار في الكتابة من 2008 أتاح لي التعرف على الكثير من الأصدقاء الرائعين عن طريق الانترنت، كذلك كانت البداية الأم لافتتاح مدونات فرعية متخصصة وغير متخصصة لنشر ما تعلمته وما يشد انتباهي،  كمدونة الأعمال اليدوية للجميع crafty4all ومدونة تعرف على اليوكاي.
 
ما هو السبب الرئيسي في إنشاء مدونتكِ crafty4all ومتى تم تأسيسها؟
السبب الرئيسي لافتتاح مدونة الأعمال اليدوية كان حادثة مُضحكة، فقبل أربعة سنوات كُنت أواجه مشكلة حقيقية مع جهاز الكمبيوتر الخاص بي، إذ أن العطل في  mother board كان يتسبب وبشكل متكرر في ضياع المعلومات والدروس التي أحفظها فيه لتطبيقها بالمستقبل، وهذا الضياع المتكرر لمعلوماتي المخزنة في الجهاز جعلني أبدأ بتوزيعها حتى أتمكن من الرجوع إليها متى ما احتجت لذلك، وكان نصيب صور الأفكار اليدوية والدروس أن وضعتها في صفحة مخصصة في موقع التشارك الاجتماعي تمبلر، ولأني لم أكن أرغب في الوقوع تحت تساؤلات مثل : أهذه هي أعمالك؟ أو أيمكننا اقتباسها؟ أسميت المدونة "الأعمال اليدوية للجميع"، حتى لا أضطر للإجابة على أي تساؤل يرد من أي شخص يفتح الصفحة بالخطأ. 
 
ولأني كُنت أعرف بأني لا أحب أن أقرأ خطوات العمل بالإنجليزية عندما أبدأ بالعمل، قمت بترجمة كل عمل أرفعه على الصفحة حتى لا أضطر عند العودة لها مستقبلاً بترجمة الخطوات وتطبيقها. 
 
هذا هو السبب الأساسي والحقيقي لبدء المدونة، والذي تغير بشكل كبير عندما وصلتني رسالة من إحدى المتابعات، والتي أصبحت أول كاتبه ومترجمة في المدونة، تمدني بها بنصائح لتطوير المدونة وأفكار للعمل عليها، مما جعلني أنتبه للحقيقة التي كانت تحدث بأن الصفحة التي فتحتها لتكون أرشيف مفتوح وجاهز، تُرى كمدونة تهتم بترجمة وإيصال دروس الأعمال اليدوية التي كان المحتوى العربي فقير جداً بها. 
 
هذه الصدمة جعلتني أرى المدونة بمنظور أخر وأكثر جدية، وبالتالي بدأت أعمل عليها وأجعلها حقاً كما أسميتها "الأْعمال اليدوية للجميع"، ومنذ ذلك اليوم الصيفي الكسول الحار في 2011 إلى يومنا هذا، تستمر المدونة بنشر ثقافة الأعمال اليدوية من المنزل للفتيات والشابات، والإنتاج الجمالي الفني النفعي من خلال الخامات المتوفرة لدى أي فرد. 
 
كيف تطورت المدونة؟
عندما افتتحت المدونة بدأنا بترجمة دروس كثيرة من لغات مختلفة وخاصة الإنجليزية والأسبانية إلى العربية، وشرحنا الكثير من المجالات الجديدة للمتابعة العربية، وانتقلت بذلك الأعمال اليدوية من مجرد "إعادة تدوير بشكل جمالي محدود لكن نفعي" إلى " إعادة تدوير جمالية أولاً نفعية ثانياً". 
 
بعد ذلك بدأنا بنشر الكثير من الدروس التي صنعناها بأنفسنا، منها دورات للكروشية والتطريز وأساسيات التريكو، وكتيبات كُتبت خصيصاً للمدونة بشكل مجاني متاح للجميع، ولم يقتصر الأمر فقط على الكتيبات والدورات، بل أشتركنا مع مدونات أخرى كمجموعة beautiful art بسلسلة العمل على الجوخ، وأيضاً افتتحنا قناة في اليوتيوب حيث يقوم متابعي المدونة بنشر دروس يدوية قاموا بها بأنفسهم لنشر ما يعرفونه عن الأعمال اليدوية جنباً لجنب مع دروسنا اليدوية التي ننشرها. 
 
طبعاً المدونة مجانية بالكامل مع كُل ما تعرضه من دروس ومقاطع ومصادر، في المدونة اعتمدت بشكل كبير على مصروفي الشخصي لاستمرارها، وجهود المتطوعات من متابعي المدونة لدعمها ونشر الدروس فيها.
 
ما هو سر نجاح المدونة؟
كُنت ومازلت أعتمد على المتعة في العمل، طالما أنني مستمتعة فإن الأمر يسير على ما يرام، وهذا بكل تأكيد يتم تطبيقه على مدونة الأعمال اليدوية للجميع، فأنا أؤمن بأن حالتي النفسية ستنتقل لأي شخص يهدف أن يتعلم من مدونتي، وأن السعادة والشعور بالامتنان والجمال هي عناصر مهمة بأهمية جودة الدرس وأهميته بالنسبة للقارئ. 
 
كُنت عندما أكتب أبحث عن الزوايا الممتعة والجميلة في كُل ما أهتم به تلك الفترة، وعندما اهتممت بالأْعمال اليدوية، وبدأت أنشرها دون أن أنتبه لذلك "لأني عاملت الصفحة كأرشيف مستقبلي" أظن أن مشاعري المليئة بالمتعة والاكتشاف اللذيذ وصلت إلى ما ترجمته ونشرته، وبالتالي وصلت إلى المتابع الذي شعر بالمقابل أن هذا المجال سيوصله هو بدوره إلى هذا الشعور المميز بالمتعة والتجربة السعيدة لأشياء بسيطة لكن مُختلفة. 
 
ما هي المنصة التي تستخدمينها؟ ولماذا؟ 
استخدم منصة وردبريس، والفرق بين منصة بلوجر ومنصة وردبريس كبير، فإذا كُنت شخص يُحب أن يبني مدونته من الصفر ويتحكم فيها ويغير من الأكواد والتصاميم براحة، فإن بلوجر مناسبة تماماً، كما أن ارتباطها بحساب جوجل مفيد جداً للرجوع والعمل إليها مباشره بسبب دعم جوجل اللامحدود. 
 
أما منصة وردبربيس فهي تختلف عن بلوجر، إذ أن التحكم محدود جداً وسطحي للمدون العادي "المجاني"، وأي إضافة تتطلب اشتراكا سنوياً أو شراء حزمة ما لتستطيع أن تعمل عليها، كما أن المنصة تعتمد على سهولة الوصول في تصميم الداش بورد الذي يعتبر أكثر visualized من بلوجر، لذا ككاتب بسيط وغير متخصص ولا متمرس في التدوين، أرى أن منصة وردبريس أسهل بكثير في التعامل والنشر من بلوجر، وهذا ما دفعني لأستخدامها. 
 
ما هي أفكاركِ المستقبلية الخاصة بتطوير مدونتكِ؟
حالياً المدونة تقوم على جهدي الشخصي، وتمويلها بسيط جداً، وأطمح أن أجمع رأس مال كافي لأبدأ بصنع DIY KITS ونشر كتيبات أكثر للمتابعين. 
 
وبرأيي أن السوق العربية ظمأى ومتفتحة بشكل أكثر من قبل لاستقبال مجال جديد لتعليم الأعمال اليدوية لذوي الدخل المتوسط والمحدود، وأرغب في المستقبل أن يتم احتضان الأعمال اليدوية لا كمجالات بسيطة ومحددة " كالرسم والكروشية" فقط، بل بكل مجالاتها حتى الغريبة منها وأن تنتشر الدورات التي تُعلمها في المدن، والمدارس إن أمكن. 
 
هذا التوجه سيتطلب الكثير من العمل بالتأكيد، وأرغب أن أكون قوية وجيدة كفاية لُكل الأشخاص الرائعين الذين دعموا المدونة منذ بداياتها لأمدهم بما يرغبون به وأكثر بإذن الله. 
 
كلمة أخيرة .. 
التغيير يبدأ من الداخل، عندما ترى نفسك وتُحبها كما هي. أؤمن أن لكل شخص طريقه الذي يعبده بنفسه، بأسلوبه، بأخطائه، بفشله، وبأفكاره ومحاولاته.
 
كون أنك تقضي أغلب وقتك على الجوال ليس "سبة" تقلل من قدرك أو شيء سيء يجب عليك تغييره، الشيء المحزن حقاً هو أن تؤمن بأنك لا تقدر على فعل شيء حتى يعطيك أحدهم الضوء الأخضر لذلك، أو يدلك عليه ويقول لك "استمتع به". 
 
بالطبع الكل يريد من يوجهه، الحياة ستكون رائعة لو كانت مليئة بالعلامات الإرشادية التي تعلمنا الطريق الأفضل لنا وكيفية الوصول إليه دون تعب، لكن الله أكرم من ذلك، لم يعطنا حياة واحدة لنتسابق فيها للهدف بسيارات فورميلا ون. بل أعطانا حياة واحدة لنغامر كل المغامرات التي نقدر عليها أثناء حفرنا لطريقنا في الحياة. 
 
لأن المتعة الحقيقية في الطريق، في التعبيد المستمر له، في التوقفات الجانبية والمغامرات الصغيرة هُنا وهناك كُل على حسب مقدرته!
 
فهناك من يغامر على مستوى العالم، وهناك من يغامر على مستوى بلده، وهناك من يغامر على مستوى مدينته، وهناك أيضاً من يغامر في غرفته. 
 
المغامرة لا تتوقف إن لُم تؤخذ للخارج. ففي كُل منا مغامر صغير: البعض ينميه بالتجارب، البعض يقويه لهدف ما، والبعض يربيه ويسمنه بحياة محبة للهدوء والدعة والراحة. 
 
لكل منا طريقه في الحياة، لُكل أسلوبه في المتعة والراحة والعيش. لا أحد له الحق في أن يؤشر لطريقتك في الحياة ويصرخ بوجهك لتتبعه أو يجعلك تظن ولو لوهلة أن أسلوبك "خطأ" أو "سطحي". 
 
أنت.. وأنت فقط من يقرر كيف لحياته أن تكون. اسلك أي طريق تريده، طالما أن هذا الطريق لا يضر بالآخرين أو يتداخل مع طرقهم في الحياة غصباً.