Stéphane Rolland :ماذا قال عن الملكة رانيا والشيخة موزة؟

في أجواء ملؤها الترقب، وفي قاعة أحد المتاحف الباريسية العتيقة التي تشهق جدرانه بالفن الفرنسي الراقي، كانت تسود المكان حالة من الانتظار تتوسطها بخترة السيدات الممشوقات في الممرات الضيقة، وكانت هناك سيدة ستينية أنيقة ترتدي بنطال الساموراي باللون الأسود، مع قميص باللون الأبيض وحذاء من تصميم كريستيان لوبوتين، وتناقلت الهمسات على مسامع الحاضرات والحاضرين الذين اكتشفوا للتو بأن تلك السيدة هي والدة مصمم الأزياء الفرنسي العالمي ستيفان رولان، الذي كان الجميع في القاعة بانتظار ظهور عارضاته بتشكيلة ربيع صيف 2012 بقصاتها التي لا يمكن وصفها إلا بالهندسة المتناغمة، كيف لا ورولان يعتبر من أهم المصممين الذين يتقنون فن التصميمم على خطى الهندسة المعمارية، لذا اختار هذا المتحف ليحضن تشكيلته لهذا الموسم في أجواء من الهندسة الراقية.

باريس : سهى حامد Souha Hamed

الخط العريض لتصميماته كانت بعنوان الأبيض والأسود والأحمر، وركز فيها على الأناقة البسيطة المفعمة بالأشكال الهندسية، واللافت في عرض أزيائه أن الحضور لم يتوقف عن التصفيق عند رؤية أي من تصميماته، كما أنه في نهاية العرض وقف الحضور تقديرا لرولان، وهذا الأمر قلما يحصل في عروض الأزياء العالمية.

في لقاء خاص جمع مجلة “هي” مع المصمم ستيفان رولان بصالونه في باريس، استقبلنا رولان بالقول: “مرحبا”، وكان على الطاولة ألذ الأطايب العربية من تمور ومكسرات، لقاؤنا كان طويلا ومشوقا، تحدثنا فيه عن مجموعته الجديدة وعن مخططاته لعطر يحمل اسمه، وخط الأزياء الجاهزة الذي يعتزم إطلاقه قريبا، وعن بداياته وقصته مع الزبائن العرب والمشاهير والأميرات والملكات، ووقع زيارته الأولى إلى الرياض على نفسه، واكتشفنا الدور الأساسي الذي لعبته الزبونات العربيات في قراره تأسيس دار مستقلة تحمل اسمه.. لمسنا حبه وشغفه بالثقافة العربية، وكان لافتا أنه يعتمد بعض المفردات العربية بشكل عفوي خلال حديثه.

عند تواجدنا في صالونه كانت هناك عائلة كويتية تختار فستان فرح لابنتها، والواضح واللافت هو اهتمام رولان بالزبائن شخصيا بعيدا عن التعقيدات، ويقول رولان: إن هناك علاقة شخصية تربطه مع زبائنه، بل إن لقاء زبوناته هو ما يحبه في الكوتور قبل كل شيء، فبعد أن يتحدث إلى الزبونة لنحو نصف ساعة، تعبر له عما تريده وعن النواحي التي قد تزعجها، مثلا أن تقول إنها سمينة أو طويلة، يبدأ بالرسم، وفي ذلك الحين يشعر بأن الوقت سحري عندما يرى ردة فعلها، إن كان يمشي في الطريق الصحيح. قد ترسل له إحداهن مقاييسها طالبة منه أن يصمم لها فستانا، لكنه لا يفضل ذلك،  وهو في كل الأحوال يحب الجانب النفسي والشخصي من لقاء الزبونة، ويسعد عندما تكون قوية الشخصية، ولا يهمه شكلها أو نوعية جسمها، ويشعر بالسعادة البالغة عندما تجرب الزبونة التصميم النهائي، وتسعد بالنتيجة وتشعر بالجاذبية والقوة.

 

هندسة متناغمة:

 تصميمات رولان أشبه بتصميمات هندسية مستقاة من الهندسة المعمارية، فهو يقول إن بعض المهندسين ألهموه بطريقة غير مباشرة في الماضي، إلا أن مجموعته الجديدة تستوحي من أعمال الفنان الفرنسي ميشيل ديفيرن بطريقة واضحة، فنرى تفاصيل تدل على أعمال هذا النحات المبدع. وقد كانت بداية العمل على المجموعة هذه صعبة على رولان لانشغاله بالتحضير لخط الملابس الجاهزة، والعمل على هندسة وديكور البوتيك الأول الذي سيكون في أبوظبي.

وقد أقلقه الأمر بعض الشيء، إلا أنه من خلال التحضير للبوتيك اطلع على أعمال ميشيل ديفيرن، التي لاقى فيها نفسه وأسلوبه الفني، فألهمته فما كان منه إلا أن أمسك القلم وخط التصميم الأول الذي كان الفستان الأبيض والأسود الذي تزينه حركة دائرية باللون الأحمر تذكر بالمنحوتات الدائرية لديفيرن.

 قال رولان: بعد الرسم الأول انهمر علي الوحي، ووجدت العمل سهلا وسلسا. أردت أن تكون لتصاميم المجموعة خطوط ناعمة نقية، وأن يكون عليها عنصر ناعم بسيط يشابه المنحوتات، دون أن يثقلها، فالحركة مهمة في كل ما أصممه، إذ أهتم بالجاذبية والأناقة والغموض والقوة بالطبع. وهكذا اعتمدت الطيات الكثيرة من قماش الجازار أتت على شكل شرانق حلزونية وغيرها من الأشكال، لتكون مثل المنحوتات العصرية. كما أضفت (دروعا ذهبية) Plastron بشكل أنيق لتزين التصاميم.

اللمسة الذهبية كانت موجودة بشكل خالص وأنيق في المجموعة، وكان لافتا الأحزمة الذهبية التي زينت عددا من التصاميم.

 ويشير رولان إلى أن فكرة الأحزمة أخذها من العقال، الذي يُحكم به الرجل الخليجي غترته، وقد أوكل مهمة صنعها إلى الصائغ الذي يصوغ له قبضات الحقائب التي يصممها، وهي من المعدن المطلي بالذهب، ويمكن أن تصنع بالذهب الخالص، وقال: كانت في البداية مطابقة تماما للعقال، بما فيها الربطة أو العقدة، لكن النسخة التجريبية الأولى لم تعجبني عندما وضعتها على خصر العارضة، فبسطنا التصميم لكي يبدو كالمحبس.

البساطة والنقاء هما من أهم العناصر في تصميم رولان، وعند سؤاله عن ذلك شبه الأمر بفن الطهي، قائلا: ان الأمر يعتمد على التوازن، يجب أن يكون كل عنصر في التصميم متناسقا، وألا يطغى واحد على غيره، فكما الحال في الطهي إن لم يتوازن الملح والبهار تلف الطبق، وفي تصاميمي أهتم بأن يكون التوازن بين الجديد والجذاب وعنصر الجاذبية والكلاسيكية، وأن يكون التصميم مرغوبا.

مسك الختام

 قد يكون الفستان الأخير في أي عرض هو أكثر التصاميم التي يترقبها الناس، فهو يلخص المجموعة وتوجهها، وقد وجد رولان أن العارضة الشهيرة ياسمين لوبون بشخصيتها الفريدة هي المعبر المثالي عن مجموعته.

أنهى رولان عرضه بفستان أحمر مذهل بذيل طوله أربعة أمتار، وصفه رولان قائلا: كان العمل عليه صعبا جدا وممتعا في الوقت ذاته، فهو كالعمل الفني المنحوت، أما التصميم فهو بسيط خطناه من قماش الجيرسيه، وزيناه بقطع من التطريز المعدني في لفتة إلى أعمال ديفيرن، لكنني أعترف بأنني أسفت على ياسمين، حيث قارب وزن الفستان الـ50 كيلوغراما، وإذا طلبته زبونة فسأخيطه ليكون وزنه أخف.

بوتيكاتي هي بيتي أستضيفكم بها

لا يجد رولان الوقت الكافي لممارسة هواية النحت، إلا أنه يعتزم إنجاز بعض المنحوتات، ليعرضها في بوتيكاته للأزياء الجاهزة، وقد صمم بعض الأرائك وعمل مع المهندس الفرنسي “تييري لومير” على تطوير فكرة وديكور تلك البوتيكات التي سيكون أولها في أبوظبي.

 وقد اختار أن ينطلق من دولة عربية، حتى قبل باريس، لأنه حسب قوله له قصة جميلة مع العالم العربي، حيث كان أهله أول من رحب بأعماله، ويليها محلات في دبي ولندن وباريس وهونغ كونغ، ويخطط لافتتاح عشرين بوتيكا خلال خمس سنوات، لكنه أكد أن المحل لا بد أن يكون موقعه مثاليا، وإلا انتظر كي يتوفر المكان الصحيح.

 سألناه عن رؤياه ومخططاته للبوتيكات فقال: “ستكون على شاكلة شقق، تحمل جميعها الطابع نفسه، لكن نعدل فيها بناء على البلد الذي يستضيفها، وأما من ناحية الديكور، فهي ستحوي المعدن الفضي brushed والخشب المطلي باللك، أما الجدران فستكون من المعدن، وسيتوسطها ما يشابه الصالون العربي المربع، وتكون الطاولة تحفة فنية، أبواب البوتيكات ستكون عالية، وتصاميم مقابضها سيكون نسخة عن مقابض الحقائب التي أصممها. فيما ستكون الواجهة بسيطة، ولن أعرض الأزياء في النوافذ، بل سأضع أعمالاً فنية هندسية الطابع، وقد أعرض عليها إكسسوارا واحدا، مثل حقيبة أو حذاء.

وأريد للزائرين أن يشعروا وكأنهم في بيتهم، أو كأنني أستضيفهم في منزلي ليكتشفوا المصمم الحقيقي وراء المجموعة، وبالتالي سأقدم كتبا أحبها، وأخطط لتقديم كافة الإكسسوارات. فأصمم عطورا وحقائب وأحذية ومجوهرات تتوفر فيها. كما ستعرض فيها أعمال فنية حديثة وأثرية قد تكون لوحات أو منحوتات. سأصمم بعض القطع القليلة من المجوهرات بالغة الجمال والرقي التي ستصنع حسب الطلب، ستكون بينها القلادات والأساور العريضة التي أحبها. أما الأحزمة، فستكون كالمجوهرات سهلة اللبس وأنيقة، ولن تكون بالضرورة مصنوعة من الذهب، وقد تكون من الجلد أو البورسلين أو مرصعة بالأحجار شبه الكريمة”.

وعند سؤاله لتحديد هوية العطر قال:

أريد أن أنجز الإكسسوارات في هذا العام، إلا أن العطر سيحتاج إلى مزيد من الوقت، وسيكون الأول محدود الكمية ومكونا من أنقى وأرقى المكونات. إنني مغرم بالعطور منذ طفولتي، فأنا ترعرت على الريفييرا الفرنسية في مدن تحيطها حقول الزهور العبقة مثل الميموزا، ونشأت عاشقا للعطور. لذا لن أقدم شيئا قبل أن أكون راضيا عنه كل الرضا. وكلت عطارا تقليديا مستقلا يعمل في مدينة غراس، وشركة أخرى يعمل بها شابان بشكل عصري على إجراء الأبحاث وتطوير العطر الذي أنشده. وسأختار الأفضل ليكون باكورة عطوري. الأسواق حاليا مليئة بالعطور السيئة المصطنعة، لكنني أريد أن أعود بعطوري إلى العطور الطبيعية الحقيقية مثل تلك التي عشقتها في سني المراهقة، حيث كنت أدخل محلات العطور لأتنشق عبيرها وأخلط واحدة مع الأخرى لأرى النتيجة. عطور رائعة مثل عطور (إستي لودر) القديمة، ومنها (يوث ديو) و(نوينغ)”.

رولان والمشاهير :

 ألمع الشخصيات العالمية سواء من عالم الفن أومن الشيخات والأميرات وسيدات المجتمع المخملي يخترن الظهور بتصاميمه. واللافت أن شرائح متفاوتة مختلفة تجتمع في ميلها إلى تصاميمه، من ليدي غاغا وريحانا وبيونسيه إلى الملكة رانيا والشيخة موزة.

فكان لا بد من سؤاله عما إذا كان يشعر بالضغط الإضافي عند التصميم لشخصية مشهورة، فأجاب:

“لا أشعر بالضغط الإضافي، لكنني أشعر بالغبطة أو القلق، لأنني لا أعرف كيف تظهر الشخصية به. وأحب أحيانا أن أفاجأ عندما أراهن بتصاميمي، مثلا ليدي غاغا، التي لا تعجبني دائما، لكن عندما رأيتها بتصاميمي فاجأتني إيجابيا، أحب أن أصمم لها فساتين أنيقة بسيطة، فلا أحب أن أضيف الجنون إلى جنونها”.

رحلتي إلى الرياض غيرت حياتي

قصته مع الزبونات من العائلات المالكة العربية كان لها تأثير فعلي في مجرى حياته ونفسيته. حدثنا عنها قائلا: “كانت البداية في عامي الأول مع جون لوي شيرير، حين ذهبت في رحلة عمل إلى الرياض. كنت أمر في مرحلة صعبة في حياتي، وكنت أعاني من التوتر. لكن حدث أمر مذهل عند وصولي مطار الرياض، ونزولي من الطائرة. شعرت بالسكون، تنشقت الرائحة الجميلة، رأيت الجوامع وسمعت الأذان، وفجأة انسحب مني التوتر وشعرت بالطمأنينة. شعرت بالأمان بعد فترة طويلة من القلق، وكان للرياض وقع مهم جدا على حياتي. كانت تلك لحظة مهمة بالنسبة لي. ومنذ تلك اللحظة وتلك التجربة، أتشوق للعودة إلى الشرق الأوسط.. وهكذا بدأت قصتي مع الشرق الأوسط. أعتقد أن زبوناتي من العائلات المالكة قصدنني لأنهن علمن أنني أحب حضارتهن وأحترمها. وفهمن أنني أحب الروح العربية. وهكذا خطوة خطوة بعد ذلك بدأت بلقاء المزيد منهن، وبعد ذلك سافرت إلى البحرين والكويت وقطر. وكانت الكثيرات منهن يقلن لي: إنه يجب أنه أؤسس ماركة باسمي. وقد دفعنني فعلا إلى القيام بهذه الخطوة”.

هكذا التقيت الشيخة موزة

الشيخة موزة هي إحدى زبوناته القديمات التقى بها أول مرة منذ نحو خمسة عشر عاما، حين كان المدير الفني في “جون لوي شيرير”. وصف اللقاء قائلا: “لم تعلن عن مكانتها حين أتت، بل عرفت عن نفسها بالسيدة موزة وكانت مع زوجها، ولم أكن أعلم من هما. انتقت بعض القطع وسألتني إن كان من الممكن أن أجري تجربة القياس في بلدها. فأجبتها بالتأكيد أنه يمكننا تدبير ذلك. عندما كنت على متن الطائرة أتصفح إحدى المجلات لحظت صورة الرجل الذي كان برفقتها، وأدركت آنذاك أنه الأمير. لم نكن نعلم حتى تلك اللحظة مركزهما. إنهما حقا أفضل تعريف عن بلدهما. أحب تواضعهما وأكن لهما أكبر تقدير واحترام.

إنها من أكثر النساء أناقة، لم أر في تاريخي المهني الكثير مثلها من حيث الانطباع القوي الذي تعطيك إياه من أول مرة. إنها تعطي أفضل صورة لبلدها. وأنا أؤمن حقا أن مستقبل الدول العربية في يد المرأة”.

وأما عن كيفية التصميم للشيخة موزة أو للملكة رانيا، وإن كان هناك تبادل أفكار، فقال: “الملكة رانيا تعلم تماما ما تريد، تماما مثل الشيخة موزة. تحب أن تتلقى تصاميم مقترحة، وهي تختار من بينها. إنهما تحترمان الصورة التي تريدان أن تظهرا بها من أجل بلدهما ومركزهما كملكتين تمثلان البلد. تقع على عاتقهما مسؤولية كبيرة، ويجب الاهتمام بجميع التفاصيل وذلك الأمر شاق”.

أكبر تأثير في حياتي

عندما تحدثنا عن المرأة التي كان لها أكبر تأثير في حياته، أشار أولا إلى أمه التي لفتت أنظارنا خلال عرض أزيائه بأناقتها، وهي ترتدي بنطلون الساموراي، الذي كان أحد قطع التشكيلة الجديدة. وقال: “كان لها أول تأثير فيّ من ناحية الأزياء، فهي جريئة بذوقها لم تتردد أبدا بتجربة الجديد واللعب بالأحجام والتناسق. إنها تحب الكوتور، وأحب أن أصمم لها.

إنني شرقي من هذه الناحية، فالأسرة بالنسبة لي مهمة جدا. كما كان لجدتيّ تأثير مهم فيّ خلال سني المراهقة والطفولة. ويمكن القول: “إن بعض الشخصيات التي تأثرت بها لم ألتق بها، لكن كان لها وقع على نفسي، مثل بعض الممثلات القديمات، ومنهن صوفيا لورين، وماريا فيلكس. كما أعترف أن للشيخة موزة تأثير كبير فيّ، فهي تمثل ما أحب بالمرأة. والغريب أنني كنت قد رسمت لوحة، قبل أن ألتقي بها، وعلقتها في مكتبي. بعد ذلك التقيتها، ثم أدركت فيما بعد أن المرأة التي رسمتها في لوحتي تشبهها. قررت أن أهديها اللوحة، وكانت مفاجأتها كبيرة حين تأملت اللوحة فقالت لي (إنها أنا!)”

مشروع جديد

ينظر ستيفان رولان إلى محيطة بطريقة فوتوغرافية، حيث تأثر بزياراته العديدة إلى أستوديو “بيكتو” الباريسي الشهير الذي كانت تعمل به والدته. ويظهر التلاعب على اللونين الأبيض والأسود الذي نراه في الأستوديوهات الفوتوغرافية في صالون رولان. وهو الآن يحضر لنشر كتاب فخم يجمع نحو 400 صورة فوتوغرافية التقطها رولان بالتعاون مع بعض الفنانين لأشخاص مختلفين في بيئاتهم المختلفة.