جريمة أوبنهايمر وخطايا الرجل الأبيض وترشيح أفلام مُتواضعة!

مُحاكمة الأوسكار القادم.. جريمة أوبنهايمر وخطايا الرجل الأبيض وترشيح أفلام مُتواضعة!

إيهاب التركي
20 فبراير 2024

بثت قناة المذيع والكوميدي الأمريكي "جيمي كيمل" قبل أيام إعلانا فُكاهيا ترويجيا لحفل الأوسكار رَقْم 96، الذي يحل موعده يوم 10 مارس القادم. الإعلان اسكتش كوميدي؛ يتتبع رحلة "كيمل" للوصول إلى "أوسكار لاند"؛ حيث سيُقدم فقرات الحفل. يبدأ رحلته من "باربي لاند"؛ حيث يقف تائها، مُمسكًا بخريطة الوصول إلى مكان تقديم الحفل. تتطوع شخصية "كيت ماكينون"، فيلم "باربي"؛ لمساعدته في الوصول، ويشارك كل من "ريان جوسلينج" و"أميركا فيريرا" في الإعلان. الاسكتش يسخر من تجاهل الأوسكار ترشيح بعض فئات فيلم "باربي" للجوائز الكُبرى، أبرزها بالطبع جائزتي أفضل مُمثلة "مارجو روبي" وأفضل مُخرجة "جريتا جرويج"، ويُلقي "ريان جوزلينج" نكتة يتوقع فيها عدم حصوله على الأوسكار.

باربي لاند وأفلام مُتواضعة أخرى!

الاسكتش لطيف ومرح بلا شك، ورغم ذلك لا يذكر النكات الحقيقية؛ وهي ترشيح فيلم لا يحمل كثير من الإبداع مثل "باربي" إلى ثًمانِ جوائز؛ منها "ريان جوسلينج" عن فئة أفضل ممثل، و"أميركا فيريرا" عن فئة أفضل ممثلة دور مُساعد.

نُكتة "ريان جوسلينج" تظهر تهكما مُبطنا، من صُناع فيلم ترفيهي، حاولوا تقديم عمل سينمائي نسوي خفيف، يتستر خلف تاريخ دُمية مُبهرجة، تلعب بها البنات الصغيرات. حقق الفيلم إيرادات أسطورية في شباك التذاكر، وهذا لا يعني حصوله على كثير ذهب الأوسكار هذا العام؛ فأبرز إنجازاته الفنية في فئات الديكور والملابس والماكياج.

فيلم "باربي"
فيلم "باربي"

بعض الترشيحات التي وصلت إلى القائمة النهائية لفئة أفضل فيلم لا تقل غرابة عن اختيار "باربي" لنفس القائمة؛ مثل أفلام "قصة خيالية أمريكية" "American Fiction"، وهو فيلم يعتمد على فكرة جيدة لم تحظ بمُعالجة سينمائية جذابة، وهو عن كاتب روائي موهوب يكتشف أن الروايات التافهة والأفكار النمطية التي تبحث عن التريند، هي الأكثر تحقيقًا للشهرة والمبيعات. طرافة الفكرة وأداء "جيفري رايت" لا يكفيان لضم الفيلم إلى قائمة أفضل فيلم.

فيلم كوريا الجنوبية "حياة الماضي" "Past Lives" يُقدم قصة اللقاء الثاني بين حبيبين تفرقت بهم السبل والبلاد، بدأت قصة حُبهما وهما في عمر 12 سنة، والتقيا بعد 24 عامًا وكل منهما أصبح لديه حياة مُختلفة؛ حكاية رومانسية لا تُقدم جديدا على مُستوى الدراما أو فن السينما، ووجود الفيلم في قائمة أفضل فيلم مُبالغة في تقدير قيمته الفنية.

أبطال فيلم "أوبنهايمر"
أبطال فيلم "أوبنهايمر"

مُحاكمة زواج!

إذا استثنيا أداء "بول جياماتي"، وحضور "دافين جوي راندولف" في فيلم "المُحتجزون" "The Holdovers"، فنحن أمام دراما مدرسية تقليدية؛ عن عَلاقة متوترة بين مُعلم وحيد، صارم، وطالب مُراهق، مُشاغب، ونفس الأمر في فيلم "مايسترو" "Maestro"، الذي قدم فيه "برادلي كوبر" أداء جيد، بِمساعدة ماكياج رائع، ورغم ذلك الفيلم متوسط على مستوى الإخراج "برادلي كوبر"، وتاه دراميًا في مُحاولة تجسيد شخصية الموسيقار وقائد الأوركسترا "ليونارد بيرنستين"؛ فهو عبقري صاحب شخصية صاخبة، ولديه ميول مثلية أثرت على زواجه وسُمعته، واختارا كاتب السيناريو والمخرج أن يكون مود الفيلم تأملي ونفسي قاتم، وتطوراته الدرامية بطيئة وباهتة.

فيلم
فيلم "Killers of the Flower Moon" 

القصص العادية لا تعني أن الفيلم ضعيف أو سيء؛ فكثير من الأفلام السينمائية تلتقط حكاية عادية وتتناولها بمُعالجة فنية تمنحها قيمة إبداعية؛ وأزمة تصدع زواج كاتبين في الفيلم الفرنسي "تشريح السقوط" "Anatomy of a Fall" من هذا النوع؛ فهو يتناول حكاية زواج عادية للغاية، واختار السيناريو طرح العَلاقة على طاولة تشريح القضاء؛ إذ تتهم الشرطة زوجة بالتسبب في سقوط الزوج من شرفة علية المنزل ووفاته. حتى لا يتحول الفيلم إلى رواية مُحاكمات بوليسية يترك سيناريو المخرجة "جوستين ترييه" الحقيقة ضبابية؛ قتل أو انتحار أو حادث، لا يهم؛ فهذا الزواج أصبح مُعقدًا وسامًا وقاتلًا حتى لو ظل الزوج حيٌّ يُرزَق.

فيلم "Anatomy of a Fall
فيلم "Anatomy of a Fall"

سينما نقد التاريخ!

داخل هوليوود المُدعية هناك أفلام قليلة تُحلق بعيدًا، تجمع بين القيمة الفنية والجرأة في نقد الذات، وبعيدًا عن موجة قصص الشخصيات السوداء المضطهدة في التاريخ الأمريكي، اختار "مارتن سكورسيزي" في فيلم "قتلة زهور القمر" "Killers of the Flower Moon" حكاية تاريخية مُزعجة، تروي عَلاقة ملتوية بين البيض ومجتمع قبائل الأوساج في بدايات القرن العشرين، في حِقْبَة يُفترض أنها تشهد سلامًا اجتماعيا بين أصحاب الأرض الأصليين، وهم أثرياء يمتلكون حقول بترول مُكتشفة في أراضيهم، وبين أعداء الماضي من البيض، وقد جمع بينهم العمل والمُصاهرة، وخلف السلام الزائف يكشف الفيلم بسرد يحمل لمسات بوليسية حقيقة قتل بعض الأزواج من البيض زوجاتهم الأوساج طمعًا في ميراثهم.

فيلم "Killers of the Flower Moon"
فيلم "Killers of the Flower Moon" 

مؤامرة الأوساج جزء من حكايات النقد التاريخ الأمريكي الذي قدمه "مارتن سكورسيزي" سابقًا، في حكايات العصابات وجذور الجريمة في نيويورك، مدينته المُفضلة، أو تداعيات حرب فييتنام داخل أمريكا بواسطة سائق تاكسي مُهمش ومُحبط، في فيلم "سائق التاكسي" "Taxi Driver".

من مذابح السكان الأصليين في أمريكا إلى جرائم الحرب يأتي سرد المخرج "كريستوفر نولان" شديد التعقيد لشخصية "روبرت أوبنهايمر"، عالم الفيزياء وصانع القنبلة الذرية، والفيلم يسرد تحقيقات داخلية تتهم "أوبنهايمر" بالتعاطف مع الشيوعية، وعلاقته بشخصيات شيوعية، وهناك مُحاكمة أخلاقية من نوع خاص تدور داخل رأوبنهايمر نفسه؛ وهى تتعلق بصراع العالم الذي يسعى إلى الوصول إلى سلاح تدميري غير مسبوق، والإنسان الذي يُدرك مُتأخرًا فَدْحُ ما صنعت يداه من سلاح دموي، وتفتح سباق تسلح ربما يؤدي إلى فَنَاء البشرية كُلَّها.

فيلم "Killers of the Flower Moon"
فيلم "Killers of the Flower Moon" 

جوائز الأوسكار القادم قد تكون جريئة وموضوعية، وهي تمنح التماثيل الذهبية إلى أفلام تجمع بين القيمة الفنية والفكرية، حتى لو كانت تنتقد التاريخ الأمريكي بقسوة، وقد تستمر في حفلاتها الهزلية لتوزيع الجوائز على فئات متنوعة؛ سعيًا لتكريس أجندة التنوع وإرضاء الجميع.  

الصور من حسابات الأفلام على السوشيال ميديا.