قصة إمرأة تختصر أسباب تكتم الزوجات عن العنف بحقهن

كانت تجلس على طرف كرسي الى جانب سرير إبنتها المريضة بإنتظار أن يصطحبها زوجها إلى المنزل بعد تعافي صغيرتها في أحد المستشفيات. بدا التوتر والحزن يتسللان إلى ملامحها الذابلة مع مرور عقارب الزمن بخطوات متثاقلة.  
خلال هذه الساعات الطويلة، كانت تراوغ بأجوبتها للممرضات اللواتي يسألنها عن سبب مكوثها الإضافي بعدما حصلت على إذن الخروج من المستشفى قبيل ساعات. فهنا، داخل "زنزانات المرضى" يتقلص حبل الصبر في سبيل الهروب من عالم تعبق رائحته بالأدوية وأنين المرضى المثقلة بالآه. 
دار بيننا حديث ما لبثت بعده أن خلعت قفل باب أوجاعها لتطلق سراح معاناة أسيرة ضمن حدود أبواب منزلها الموصدة..."نعم...إنه زوجي الجلاد الحاكم الآمر في حياتي..أو بالأحرى الهادم لحياتي..خطف شبابي وجمالي وكل معنى جميل للحياة. إنظري إلي جيداً، وجهي إنكمش وذبل، عيناي تقوقعت الى أعماق أجفاني وخف نظرهما، أسناني تآكلت...صرت أُشبه العجائز. أتعرفين كم أبلغ من العمر؟ سأجيبك لأنك ستعجزين عن التوقع. لم أتجاوز الرابع والثلاثين عاماً!" تقول هذه السيدة بعيون دامعة.
وتتابع معاناتها بغصة في كلامها: "الله ينتقم منو ويفرجيني فيه يوم أسود"، هذا الدعاء يلهج به لساني في كل لحظة. تزوجته منذ 12 عاماً أملا بحياة أفضل من واقعي. طرق باب منزل والدتي المطلقة وطلب يدي، وهو المغترب الذي "يلمع صيته ذهبا" ، وكان قد هجر قريتنا منذ سنوات طويلة. تمت مراسم الزواج خلال شهر واحد وسافرت برفقته الى مقر إقامته في أحد البلدان العربية، وسافرت من وقتها أحلامي الجميلة بالحياة الزوجية من دون عودة.
دخلت عالم الزوجية بعمر الـ22 عاما وأنا الفتاة القروية الجميلة ذات القوم الممشوق والتي لم تجني في حياتها سوى تحصيلها شهادة الصف السابع بسبب وضعنا الإقتصادي السيء، والتي اقتصرت دائرة علاقاتها على الجيران وعدد قليل من صديقاتها.
تحولتُ الى خادمة يومية في بلد الإغتراب يُكال لها أبشع انواع الشتائم رغم أنني أجبرتُ على تلبية طلبات والدته وشقيقته وشقيقه ولو في منتصف الليل، والويل لي إن تأففت حتى بنظراتي عما يعتري بداخلي من تعب، فقبضة يده الحديدية بالمرصاد، كذلك ركلات رجليه التي تشبه الوحش الكاسر!.
 
خادمة منزلية لأسرته
فالزوجة بنظره مجرد خادمة مطيعة لـ "سيدها وتاج رأسها" وممنوع عليها مناقشته بأي أمر، فهو الذي "ستتها" ويُطعهما ويسقيها ومن واجبها رد "جميله" وتلقي ضرباته برحابة صدر. أضحيت مجرد "كيس ملاكمة" لفشة خلق تعتري تفاصيل حياته اليومية سواء بالعمل أو أي موقف خارج المنزل، ويتوجب عليّ استقبال "خبيطه لجسدي" بدون تذمر!
بت أنتظر إنتهاء سهراته مع أهله وأصدقائه  داخل المنزل الى ما بعد منتصف الليل لكي يُسمح لي بالإستسلام للنوم، كإنتظاري يومياً لضرباته الموجعة والعشوائية التي زرعها في كل أنحاء جسدي، فحزام سرواله الجلدي حاضر ويديه القاسيتين كقساوة عصا المعول الزراعي جاهزتين للإنقضاض عليّ. يكيل لي "البوكسات" ويخبط رأسي بالحائط ويقوم "بدعسي" على الأرض...وتتضاعف الضربات وتشتد سرعتها إن لم استطع كتم صوت آلامي..فأُجبر على بلع أنفاسي.
تتعجبين لما لم أطلب الطلاق بعد هذه المعاناة؟ كنت وحيدة في الغربة كوحدتي في الحياة، بمعنى اني "مقطوعة من شجرة" بإستثناء والدتي المريضة والقابعة في القرية برعاية جيرانها..ولم أعلم كيفية التصرف بهذه المواقف سوى باللجوء الى وسادتي وإغراقها بالدموع وتوكيل أمري لخالقي للإنتقام منه.
لم يشفع لي حملي في السنة الثانية من زواجي من الأذية الجسدية التي باتت طبقاً يومياً في حياتي من دون أي أسباب. سألته لماذا تزوجتني إن كنت ستعاملني هكذا؟ أجاب ببساطة لأنني أردت الزواج فقط!. بقيت لأكثر من ثماني سنوات على هذه الحال في الغربة ألملم وجعي وآهاتي بدون أي ذنب سوى أني إمرأة مغلوب على أمرها..وبأي وجه سأخبر أمي بمعاناتي وهي المريضة التي لا تحتمل سماع "آه" مني؟. نعم جربت أن ألمح له بالإنفصال فكان الجواب حاضرا "حرماني الى الأبد من إبنتي"، وأشبعني وقتها ركلاً وضرباً مبرحاً علقت آثاره على جسدي الى اليوم.
إنجابي لطفلي الثاني لم يشفع لي
عدت الى بلدي لبنان برفقته، وحملت بإبني الثاني، وحملتُ في نفس الوقت آلامي وأوجاعي و"خرائط" من الألوان على جلدي. معاملته إزدادت سوءا..لكن لم أتجرأ مجددا على طلب الطلاق، فأولادي بحاجتي وهو سيحرمني منهم بحال التمرد عليه، فهو رجل اعمال ذات نفوذ وليس لي القدرة على مواجهته في المحاكم وفي المجتمع...
فكرت ايضا في الأمر من زاوية أخرى، لا قدرة لي على إعالة أولادي، فأية وظيفة سأحصل عليها وانا لم أنل الشهادة المتوسطة؟، في حين أن أبنائي يتعلمون بأفضل المدارس (ليس محبة من والدهم إنما كمظهر إجتماعي يتباهى به)، كذلك فإنهم يتنعمون بحياة مرفهة داخل المنزل ولا قدرة لي على تأمين ذلك، طعامهم، ملبسهم، ألعابهم، علاجهم بحال المرض..أسباب كلها دفعتني لكتم تعنيف زوجي لي بإنتظار أن يشتد عود أبنائي أو ينتقم ربي لي من جلادي.
أتعلمين أنه يقوم بمعاقبتي الآن من خلال "نقعي" لساعات طويلة اضافية في المستشفى لمجرد أنني قمت بإعلامه بأننا حصلنا على اذن الخروج؟ فهو اعتبر ذلك أمراً مني الى "جنابه الموقّر"، ويقوم بإذلالي بهذه الطريقة "فمثله لا يؤتمر من زوجة"!.
هذه نموذج من واقع حقيقي لإمرأة لا تتجرأ بالبوح لما تتعرض له يومياً من العنف الوحشي من قبل زوجها. معاناة تشبه بتفاصيلها مئات حكايا النساء اللواتي يتعرضن لأبشع أنواع العنف بحقهن من دون القدرة على المواجهة بسبب ظروفهن البائسة...إلا أنهن قويات في سبيل أبنائهن وينتظرن الإنتقام الرباني.