Georges Hobeika .. والحرب أيضاً تصنع الإبداع

لم يكن الطفل جورج، الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، يعلم أن هذه الحرب القاسية ستكون نقطة التحول في حياته، وأن من رحم المأساة يخرج الإبداع للنور.
 
لبنان كلها –هذا البلد الصغير الجميل- عانت من ويلات هذه الحرب لأعوام وأعوام، قليلون هم من استطاعوا التغلب على هذه المحنة، وعكس نتائجها السلبية، ليخرجوا منها بإنجازات عالمية، من هؤلاء جاء جورج حبيقة Georges Hobeika، طفا صغير بين ثمانية أشقاء، وُلد في قرية بسكنتا التي تنتمي للجبل في الثامن من فبراير عام 1962، وانبهر جورج منذ طفولته بعمل أمه الممتع والمبدع من وجهة نظره، والشاق والمرهق من وجهة نظرها كخياطة تحوك الملابس وتطرزها لزبائنها، فسعى لمساعدتها والتعلم منها، وأبدت الأم سعادتها بتعاون ابنها معها، والذي أظهر موهبة مبكرة ملفتة، لكنها حرصت في نفس الوقت على أن يكمل تعليمه مثل كل أبنائها، لكنها الحرب مرة أخرى التي وضعتهم جميعاً بين شقيّ الرحى، فاضطر جورج إلى مغادرة لبنان بحثاً عن الأمان والإبداع في مدينة النور باريس، وهناك أكمل دراسته للهندسة المدنية، وسعى لدراسة التصميم المعماري، إلى جانب عمله في كبرى بيوت الأزياء كمتدرب مثل شانيل Chanel وغيرها.
 
ابتسمت الحياة أخيراً لجورج، وأظهرت له وجهها المضيء، فعاد إلى موطنه الأول ليفتتح دار الأزياء الخاصة به في منتصف التسعينات، وجادت أمه بأقصى ما تستطيع –كعادة كل الأمهات- فأغلقت متجرها ومنحته كل زبائنها، بل وتعاونت معه في خطواته الأولى حتى ينطلق في عالم الأزياء بلا حدود، وفي عام 2001 منحته باريس ابتسامة أخرى، فقدم أول عروضه للأزياء الراقية Couture في أسبوع الموضة هناك، وحجز موقعه الدائم فيها من يومها إلى الآن.
 
وفي عام 2010 استطاع حبيقة أن يفتتح صالة العرض الخاصة به في باريس نفسها، وأصدر خط إنتاجه الثاني GH by Georges Hobeika، كما أظهر براعته في تصميم المفروشات المنزلية الراقية واكسسواراتها، وتفرعت الدار الصغيرة إلى فروع أكبر في كافة أركان المعمورة، من بكين إلى لوس أنجلوس، وشارك حبيقة كل من Swarovski، Maison Lesage، Jakob Schlaepfer، و Solstiss ليكبر بهم جميعاً اسم Georges Hobeika Couture.
 
لم يعد حبيقة بحاجة لشهادات على حجم وتأثير إبداعه، خاصة بعد أن اختارته كل الأسر الملكية العربية لترتدي من إبداعاته، إلا أن ارتداء Olivia Culpo ملكة جمال الولايات المتحدة لفستان من تصميمه في المسابقة العالمية لاختيار ملكة جمال الكون عام 2012، ومن ثم فوزها باللقب، كان بالتأكيد نقطة فاصلة في تاريخ جورج حبيقة الإبداعي، خاصة إذا عرفنا أنها المرة الأولى التي يظهر فيها أحد الفساتين الراقية Couture في الحفل الختامي لهذه المسابقة، والذي كان لحسن الحظ يحمل توقيع "جورج حبيقة".