غابرييل شانيل Gabrielle CHanel: إعادة اختراع قواعد المجوهرات الراقية

كوكو شانيلCoco Chanel  هي واحدة من أكثر الشخصيات شهرة وتأثيرًا في عصرها، وبلا شك من المصممين الذين أعادوا خلال القرن الماضي صياغة الملابس النسائية بأفكارهم الثورية. غير أن أزياءها لم تكن مؤلفة فقط من البذلات والتيورات المصنوعة من التويد وحقائب الكتف والحذاء ذي اللونين. فلا تزال إطلالتها محفورة في الخيال الجماعي أيضًا بسبب اختيارها الدقيق للمجوهرات.

 غابرييل شانيل تضع شلالات اللؤلؤ التي صارت توقيعًا لإطلالتها.

الروح الإبداعية التي تحلّت بها غابرييل شانيل أدهشت بالفعل صناعة المجوهرات والمجوهرات الراقية في أوائل الثلاثينيات. كانت شانيل مخلصة دائمًا لفكرة انتماء مصممي الأزياء إلى عصرهم الحاضر وإعكاسه من خلال إبداعاتهم، وصارت أول مصمم كوتور باريسي يستخدم الحلي. استعملت الحلي الزينية في البداية على نفسها، ولاحقًا على العارضات في عروض أزيائها. وهكذا، ابتعدت عن التقاليد والعادات والرموز التي كانت مرتبطة بالثروة، وهو ما تجلى في التخلي عن الهياكل المنتفخة للتنانير والدانتيل والتطريزات لصالح البنطلونات والتقليمات البحرية والفساتين السوداء الصارمة والبذلات المصممة من الجرسيه الناعم أو التويد.

  غابرييل شانيل

في مقاربة تتضارب مع أسلوب أزيائها النسائية الأنيقة المنكّهة بنفحة رجالية، تميّزت إطلالاتها باستخدام قطع المجوهرات الراقية التي كانت غالبًا مغطاة بالماسات المقطوعة بفنّية. على سبيل المثال، في المعرض الأول للمجوهرات الراقية في نوفمبر 1932، لم تركز شانيل فقط على العلاقة والتجاور بين العناصر "الحقيقية" و"المزيفة"، بين المجوهرات والحلي، ولكنها كانت أيضًا أول من خلط وجمع لآلئ حقيقية واصطناعية. الأمر المثير للاهتمام هو أنها اختبرت هذا المزيج الانتقائي بنفسها، حين كانت تضع عقودًا عريضة وبروشات وأساور ساحرة مع ملابس عملية. وعندما سألها الناس من أين أتت القطع التي تزين مظهرها، كانت إجابتها الصادقة "أنها زائفة". كما يؤكد أولئك الذين عرفوها جيدًا، أن غابرييل شانيل لم تكن معتادة على الشكليات، بل قامت بتحديها لإنشاء قواعد جديدة. علاقتها الشغوفة بالحلي كانت مثالًا على ذلك ورمزًا لهذا النهج وانعكاسًا لأناقتها الفخمة.

عقد Bijoux de Diamants من تصميم غابرييل شانيل لمؤسسة لندن للماس، عام 1932

يعود شغفها المعروف بالحلي إلى فجر مسيرتها المهنية، وتحديدًا إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما بدأت في إنشاء علاقات عمل مربحة مع حرفيي العصر. أعطت المصممة الباريسية إبداعها الرؤيوي حرية تامة من خلال إرساء أسس جمالية وظيفية وأسلوب منفتح الآفاق تحدى التاريخ ووضع قواعد جديدة للتطبيق العملي. الزمن لم يغير بعض الأمور، إذ تشكل المجوهرات حتى اليوم جزءًا أساسيًا وأيقونيًا من أسلوب شانيل، تمامًا مثل جاكيت التويد أو شريط الحمل المضرّب. وكما قالت كوكو يومًا: "الجوهرة يجب أن تثير الدهشة، لا الحسد. يجب أن تظل زينة، ومتعة."

قطعة مجوهرات 1932 من شانيل

استمتعت غابرييل الفخورة جدًا بحريتها منذ شبابها باستخدام السلاسل كمجوهرات حتى على ما كان يعتبر ملابس أنثوية. يبدو أن هذا الإلهام تأثر بطفولتها في دار الأيتام في أوبازين، حيث تعلمت استخدام السلسلة لإبقاء الملابس المكشكشة الطويلة مرفوعة حتى لا يطالها الشمع. من هنا، ارتبط المعدن الذهبي بالحلي المترفة التي ابتكرتها عبر السنين، والتي أشبعتها باللآلئ المزيفة (التي تعتبر توقيعًا للدار)، والأحجار، والمعادن النفيسة مثل الفضة المطلية بالذهب، والسبائك المطلية بالذهب، والبرونز، وذلك في مزج متّزن بين الأناقة والبساطة. وكانت رائدة في صيحة تكديس المجوهرات ووضع عدة قطع معًا، واستوحت من طفولتها الكثير من الرموز التي صارت أساس تصميم الأطقم والحلي. فأعادت مصممة الأزياء ابتكار التيجان الفاخرة التي ارتبطت بفترتي النهضة والباروك، وترجمتها إلى زخرفات حديثة نفيسة. اللؤلؤة، والأسد (رمز برج "شانيل")، وسنبلة القمح كانت عناصر أجرت الكثير من الأبحاث حولها ورموزًا ربطتها بالصائغ روبيرت غوسن. لاحقًا، في 1965، كلّفت غابرييل مشغل "ديرو" بجزء من عملية الإنتاج، لنسج مجموعة تجمع بين التقاليد والتكنولوجيا، باستخدام مواد جديدة ونقوش ليزر وطباعة ثلاثية الأبعاد. انغمست كل حلية بالذهب أو النحاس أو الفضة، ونُقشت أو حُفرت أو طليت بالمينا أو دُهنت بالطلاء أو الصبغة أو رُصّعت بالأحجار، قبل وضع اللمسات الأخيرة عليها وصقلها، وكل هذه المراحل يدوية التنفيذ.

كريستي تورلينغتون ترتدي ملابس شانيل في عرض الهوت كوتور لربيع وصيف 1992، من تصميم كارل لاغرفيلد.

كان السر وراء أسلوبها هذا المزيج الحكيم من نفاسة المجوهرات وبساطة الحلي، مما أثمر خيارات جريئة ومصدر إلهام وشخصية تقف بين التقشف والرقي. أولى قطع المجوهرات التي صممتها مادموازيل شانيل ظهرت قبل نحو مئة عام عندما بدأت المصممة بالتعاون مع بعض صائغي المجوهرات والذهب لتعزيز جمال الإطلالات ببعض الإضافات. لا تزال هذه الفلسفة حاضرة في عروض أزياء شانيل كما هو الحال في أحدث عروض الأزياء، حيث غطت العقود الكبيرة منطقة أعلى الصدر وتكاملت الأساور مع أطراف أكمام الفساتين. فقد احتضن كارل لاغرفيلد وفيرجيني فيار هذا الأسلوب وقاما بتطويره على طريقتهما الخاصة. بعد مادموازيل شانيل، تولى الرئاسة الإبداعية للدار كارل لاغرفيلد الذي حمل منذ عام 1983 رؤيته المعاصرة وأعاد تصور الملابس والعقود والأساور المتداخلة. ثم جاءت فيرجيني فيار، التي ركّزت على الرموز والشعارات العزيزة على غابرييل شانيل، مثل حرف C المزدوج وزهرة الكاميليا والأشرطة واللؤلؤ والسلاسل المنسوجة مع الجلد.

 مجموعة 1932 من شانيل

اليوم، بعد مرور 90 عامًا على العام 1932 حين ابتكرت كوكو شانيل بطلب من مؤسسة لندن للماس "بيجو دو ديامان" Bijoux de Diamants (قطع مجوهرات راقية فاخرة تكرّم حجر الماس)، عاد الفريق الإبداعي للدار إلى الأصول. في تحية إلى التجارب الأولى التي قامت بها المصممة الرؤيوية في عالم المجوهرات، تحمل أحدث مجموعات "شانيل" من المجوهرات الراقية عنوان 1932، وتستمد إلهامها من مجوهرات كوكو المتحركة. مجموعة المجوهرات الراقية 1932 تتخذ من النجوم والكواكب موضوعها الأساسي المستوحى من دوره من "بيجو دو ديامان"، وتعيد تفسيره بلغة حديثة في ظل احترام القواعد الجمالية التي وضعتها مؤسسة الدار. حافظ مدير مجوهرات شانيل الفاخرة باتريس لوجيرو على نقاء خطوط المجموعة الأولى وحرية هياكلها. تحتوي المجموعة على 77 قطعة فريدة منها 13 قطعة قابلة للتحويل، ومزينة بالماس والصفير والماس الأصفر والياقوت والإسبينل والتنزانيت. خطفت مجموعة 1932 المقسمة إلى ثلاثة أجزاء مكرسة للقمر والمذنب، أنفاس كل من شاهدها. ومن بين تصاميمها، مجوهرات مستوحاة من قطع أيقونية مثل عقد النجم المفتوح، والأساور، والخواتم، التي تتذكر الماضي ولكن تسمح لنفسها على الرغم من ذلك بالسفر نحو المستقبل من خلال الألوان والتصاميم وكثافة الأحجار.