فيديو: هكذا غنت شادية.. صوت مصر الذي لا يغيب عن ذاكرة الجماهير

صوت مصر.. هكذا يصف المصريون صاحبة الأغنية الوطنية الأكثر صدقاً وتواجداً "يا حبيبتي يا مصر" الفنانة الراحلة شادية والتي قد يرى البعض إنها لو لم تقدم سوى هذه الأغنية في مسيرتها الغنائية لكفاها أو ان الأغنية الشهيرة هي العمل الموسيقي الأبرز في مسيرتها.. ولكن تاريخها مليء بالأعمال الغنائية الهامة والبارزة والتي لن ينتهي الحديث عنها بفضل خصوصيتها وتميزها وأهميتها من الناحية الفنية.

شادية المطربة.. صاحبة المشروع الغنائي الأكثر تقدمية وتنوعاً وصدقاً

ربما تكون شادية قد ظلمت من الناحية النقدية لمشروعها الغنائي بسبب أهميتها أيضاً كممثلة أو لكونها رمز فني واجتماعي، أو لغلبة صورتها الفنية كمطربة للأغاني المرحة والخفيفة فقط، ولكن استمرار أعمالها في ذاكرة ووجدان الجمهور دليلاً على أن مشروعها الغنائي لا يقل أهمية عن مشوارها في السينما وكذلك لا يقل أهمية عن تجارب زملائها المطربين في تلك الفترة بل يزيد!

قدمت شادية تاريخاً غنائياً شديد التنوع وكثير التحولات، وأعمالاً سابقة لزمنها وتحولت لمدرسة غنائية مميزة لها سماتها و فروعها، وتتجاوز فكرة أن معظمها أغانٍ ضمن مشاهد تمثيلية داخل أعمالها أو انها أغاني خفيفة للتسلية والمرح فقط، وتجاوزت أيضاً بجديتها في الأعمال الموسيقية أزمة النسيان أو التجاهل، بدليل استدعاء الجمهور وعموم المصريين إلى الآن أغانيها في المناسبات الوطنية والاجتماعية كأغينة "دبلة الخطوبة"، و "حبيبتي يا مصر"، والأغاني العاطفية أيضاً مثل "وحياة عينيك"، "اه يا اسمراني اللون" وغيرها.

واجهت شادية في بداية إنطلاقتها الغنائية استهانة بقدراتها الصوتية، ووصفت بصاحبة الصوت الخفيف غير القادر على التطريب أو التنويع، كما وصفها محمد عبد الوهاب مثلاً، ولكنها أثبتت مع تجاربها المتعددة انها قادرة على أداء جميع الألوان الموسيقية بنفس الجودة، واحياناً كانت تسبق زملائها بتقديم ألوان موسيقية مبتكرة وجديدة مثل الأعمال المستوحاه من الفلكور المصري ومزجها بالإيقاعات الحديثة والمتحررة من القوالب الكلاسيكية المعتمدة على الآلات الشرقية فقط، وهو الاتجاه الذي كانت تمثله أم كلثوم ولا ينافسها فيه أحد.

شادية لا تقف على لون موسيقي محدد!

الإعتماد على الفلكور والتراث وتجديده من أهم ملامح مشروع شادية الغنائي، فقدمت مثلاً مع الملحنين محمود الشريف ومنير مراد عدة نماذج في هذا الإتجاه، وبدأت بالتراث الفلاحي، شمال مصر، بأغاني "آه يا لموني"، " يا خولي الجنينة" ومن بعدها أغاني التراث الصعيدي، جنوب مصر، فقدمت مثلا موال "يا بهية خبريني"، بالإضافة الى الأغنية التراجيدية الأبرز " والله يا زمن" من فيلم "شيء من الخوف".

امتدت جرأة شادية في التعامل مع الانماط الموسيقية ومزجها إلى أعتماد موسيقى لم تكن مألوفة في ذلك الوقت أو مستخدمة بهذه الطريقة مثل الموسيقى السودانية والإفريقية والتي تشتهر بالايقاع الخماسي مثل أغنيتها الأشهر "يا حبيبي عودلي تاني"، والتي أعاد تقديمها محمد منير فيما بعد بسبب تقاربها مع مشروعه الغنائي المستوحى من الموسيقى الإفريقية والجنوبية.

شادية صاحبة صوت يصعب تصنيفه أو حصره وتوقعه!

بخلاف ذلك، كان التنويع في الايقاعات والأداء والتعبير عن الكلمات من أهم ملامح وأسلحة شادية داخل أغانيها، لذلك نجحت في كل هذه التحولات الغريبة أحياناً، لذلك فإن اتهام صوتها بالضعف لا مبرر ووجود له، خاصة إن تقديم هذه الأغاني العصرية والسريعة تتطلب قدرات صوتية خاصة أيضاً لا يجيدها كل المطربين، فما بال من أجادتها وأشتهرت بها وقدمت أيضاً الأغاني الطربية ذات المساحات الصوتية الطويلة والمفتوحة كما في أغاني "3 شهور ويومين" مع رياض السنباطي، و "الحب الحقيقي"، "اصالحك بايه" و "مسيرك تعرف" وغيرها.

القدرة على التعبير عن الكلمات والمعاني بالأداء الصوتي هي وظيفة المطرب وأهم وأصعب مهارة لديه، والتي كانت تمتلكها شادية بالكامل، بجانب رؤيتها الموسيقية المميزة التصقت بها الأغاني الخفيفة والفكاهية لدرجة ان البعض لم يتوقع ان تقدم غيرها، مثل "سوق على مهلك"، "سونة"، "ايرما لادوس"، "ألو ألو"، "وحياة عنيك" وغيرها، ولكن قدراتها ذهبت إلى أبعد من ذلك، وقدمت أغاني تراجيدية ومليئة بالدراما الحزينة مثل "خلاص مسافر"، و "قولوا لعين الشمس" و "والله يا زمن"، وهي الأغاني التي جعلتها قريبة من الطبقات الشعبية في مصر خاصة لتناولها معاني جديدة كالهجرة وسفر الأحباب والفراق.

تجارب شادية  الجريئة في الأغنية الدينية والوطنية والإجتماعية

صوت مبهج ومرح ومرة طفولي وبريء وأحياناً باكي وحزين وحنون.. ولكن هل هذا كل ما يستطيع صوت شادية تجسيده وتقمصه؟ مشروع شادية الغنائي اكثر ثراء وتعدداً لدرجة الإبهار رغم بساطته، فقدمت شادية قبل هذا اناشيد دينية وادعية بطريقة كلاسيكية متقنة مثل "قل أدعو الله"، ومن بعده أغاني دينية أخرى كالتي في قدمتها في آخر أيامها الفنية مثل "يارب توبة" و "خذ بيدي" والتي كانت أغنية الإعتزال.

تنوع شادية الغنائي يثير الدهشة والاهتمام، خاصة إنها أكملت كل ذلك بتجاربها في الأغنية الإجتماعية والتعليمية والموجهة للاطفال، مثل أغاني "حكاية تعلب"، "توحة يا طعمية"، "بسبوسة"، و"عيون ماما" وغيرها، كل هذا يشير إلى ان شادية لم تكن فقط صاحبة صوت مميز له بصمته أكملته بذكاء فني جعلها تقدم أغاني خالدة وناجحة، ولكن الأمر أعمق من ذلك، فهي أثبتت إنها فعلاً لديها رسالة واضحة من أعمالها وأهدافاً وفي نفس الوقت لديها القدرة على تحقيقها جميعاً بنسبة كاملة.

ضمن تجاربها الثرية، قدمت شادية نموذجاً مثالياً للأغنية الوطنية، والتي عجز معظم المطربون في تنفيذها كما فعلتها شادية، ولدى شادية عشرات الأغاني الوطنية والتي تقدم في بعضها توجهاتها السياسية أحياناً، ولكن تظل أغنية "مصر اليوم في عيد"، و "حبيبتي يا مصر" هي الأغنية التي لا يختلف عليها أحد ليس لأنها أغاني جيدة من الناحية الموسيقية فقط، ولكن في المقام الأول لصدق صوت شادية في الأغنية.. فكيف لمطربة أفنعت الجميع بخفتها ومرحها وحزنها وجبروتها وطفوليتها وخشوعها وشموخها ان تفشل في إقناعهم بحب الوطن والتأثر به على طريقتها؟!