هل تغيرت ملامح الدونجوان والشرير على يدي محمد ممدوح وأحمد السقا ؟!

لنلعب معاً لعبة درامية بسيطة ونقوم بتبديل أدوار بعض الممثلين في مسلسلات رمضان هذا العام؛ ولنبدأ بمسلسل "لعبة نيوتن"، ولنقل مثلاً أن شخصية الزوج الغاضب المتزوج من "هنا-منى زكي" وتُعجب به "أمينة-عائشة بن أحمد" ذهب إلى "أحمد السقا" بدلاً من "محمد ممدوح"، ولنتخيل "محمد ممدوح" بماكياج وأداء شخصية "عساف الغريب" الخشنة في مسلسل "نسل الأغراب" بدلاً من "أحمد السقا"، ويُمكن أن يُجسد "أمير كرارة" شخصية مراد محامي قضايا الطلاق الوسيم في "خلي بالك من زيزي" بدلاً من "محمد ممدوح" الشاب الممتلىء الوزن، وبمقاييس إختيارات الممثلين النمطية سيكون منطقياً أكثر أن تحبه "أمينة خليل" وتميل إليه "نهى عابدين" وتعرض عليه حبيبته السابقة "سيلين-نادين" الزواج ويرفض لأنه أحب بالفعل موكلته "زيزي".

دونجوان بوزن "محمد ممدوح"!

من الناحية التقليدية للكاستينج في الأعمال الدرامية سنجد الإختيارات السابقة أكثر قرباً لتوقعات المشاهد النمطية، وشخصية الدونجوان، أو الرجل الوسيم الجذاب بعيدة عن المواصفات الشكلية والجسدية للممثل الموهوب "محمد ممدوح"، وهناك كثير من الممثلين الذين حافظوا على قوام مثالي بالتدريبات الرياضية في الجيم أقرب شكلياً لدوره، ونظرة إلى "مصطفى شعبان" وعمرو سعد" في مسلسل "ملوك الجدعنة" و"أمير كرارة" و"أحمد السقا" في مسلسل "نسل الأغراب" تؤكد أن الدراما لا تعاني من غياب الممثل اللائق لدور الشاب الرياضي الجذاب.

ترك هؤلاء النجوم شخصية الدونجوان الوسيم، وتلقفها "محمد ممدوح" في عملين رغم أنه خارج فورمة الشكل النمطي للدونجوان، وبذل كثير من نجوم أدوار الوسامة مجهوداً ليكونوا أقل لُطفاً وأميل للبشاعة الشكلية كسراً للقالب النمطي، وهنا تذهب جائزة الجرأة على التغيير إلى "أحمد السقا" الذي قدم في نسل الأغراب" شخصية مقيتة لا تشبه أى شخصية قدمها من قبل.

أثبت "محمد ممدوح" أن الأداء يصنع ملامح الشخصية أكثر من الملامح الشكلية؛ فهو بسهولة يُمكن أن يؤدي شخصية رجل شرير فظ ضخم الجثة، كما فعل في دور ضاحي بمسلسل "ولد الغلابة" الذي عُرض في رمضان قبل الماضي، ولكنه رسم في "خلي بالك من زيزي" شخصية المحامي مراد الفرماوي بأداء يجمع بين الدماثة والإنفعالات التى تمنح شخصيته بعداً جذاباً ورومانسياً يمنح شخصيته مصداقية. 

شخصيات لا تُحبها ولا تكرهها!

الإختلاف في الشخصية الدرامية في دراما رمضان هذا العام لا يتوقف على جرأة إختيار أدوار الممثلين، أو نجاحهم في الأداء، بل في الكتابة المختلفة للشخصيات، وأخص هنا الرسم المختلف للشخصيات في مسلسلين: الأول هو "لعبة نيوتن" تأليف وإخراج "تامر محسن"، وشارك في كتابته ورشة سيناريو ضمت "مها الوزير" و"سمر عبد الناصر" و"محمد الخشيبي"، والثاني هو مسلسل "خلي بالك من زيزي"، فكرة وسيناريو وحوار "منى الشيمي" وشارك في السيناريو والحوار "مجدي أمين"، وإشراف عام على الكتابة "مريم نعوم".

أول ملامح شخصيات "لعبة نيوتن" أنها بعيدة عن نمطية الأبيض والأسود، فلا توجد شخصية ملائكية تماماً أو شيطانية تماماً، وهذا الأمر تم تضفيره ليكون جزء من تصاعد أحداث العمل؛ فالمُشاهد لا يتعرض في كل حلقة فقط لحدث دراماتيكي في مغامرة "هنا-منى زكي" الزوجة ضعيفة الشخصية التي ذهبت لتلد في أمريكا، بل نكتشف ملامح مختلفة وبعيدة عن توقعاتنا لشخصية "هنا" وشخصيات أخرى حولها، وأصبح جزء من مفاجأت الأحداث أن تتبدل مشاعر المتفرج من الإعجاب بالشخصية إلى الكراهية، أو العكس، وفي الحلقات الأولى يكون الإشفاق على "هنا" سيد الموقف، وعلى العكس يشعر المتفرج بالتحفظ والرفض لشخصية الزوج المُسيطرة، والشيخ "مؤنس" بملامحه المتشددة ولحيته الخشنة واشتهاءه لزوجة رجل أوصاه برعاية زوجته، وكذلك الشاب المستهتر "بيج زي-آدم الشرقاوي"، ولكن النفس البشرية ليست بتلك البساطة والسهولة التي تعود كُتاب الدراما العربية رسمها على الشاشة، ولا يوجد نمطية تحكم البشر في الحياة، وقد نجد مناطق مُضيئة داخل شخصيات قاتمة ومُظلمة، وكذلك العكس، وهذا ما نراه في بعض سلوكيات "مؤنس" و"بيج زي" التي تُخالف توقعاتنا النمطية عن الإنطباعات الأولى عن الشخصية، وقد نجح "تامر محسن" في صياغة تلك التركيبة المُعقدة من المشاعر والسلوكيات والصراعات الدرامية التي تمنح الدراما مساحة أكثر إنسانية من دراما الصراخ والعويل والشخصيات الأبيض والأسود.

المسافة بين الخير والشر!

قليل من كُتاب الدراما العربية يتعامل مع الشخصيات الإنسانية على أنها شبكة مُعقدة من التفاصيل والتناقضات والخير والشر، وغالبية أعمال الدراما الرمضانية هذا العام تسير في المناطق السهلة للحكايات ورسم الشخصيات والعلاقات بين الشخصيات، ولكن مسلسل "خلي بالك من زيزي" إختار الطريق الوعرة، وكسر كثير من قوالب تنميط الشخصيات الدرامية، وأقنع المتفرج أنه لا يوجد شيك على بياض للتعامل العاطفي مع كل شخصية، ولا يمكن أن نتعاطف مع أو ضد شخصية ما في المطلق، وأن هناك مناطق رمادية داخل كل إنسان نتيجة ضعفه الإنساني الطبيعي، وتعمد السيناريو أن يشير إلى المرض النفسي كجزء من ملامح أغلب شخصيات العمل، وليس فقط شخصية البطلة الرئيسية "زيزي-أمينة خليل"، أو الطفلة "تيتو-ريم عبد القادر"، ولا يتحيز السيناريو ضد شخصية من الشخصيات الكثيرة التي يحتشد بها المسلسل، ولا يترك شخصية من الشخصيات دون أن يمنحها عمق وتاريخ ولو بمشهد أو مشهدين، وهذا ما نراه مثلاً في شخصيتي الطبيب النفسي "صبري فواز"، وخال البطل "صلاح عبد الله"، وربما يكون المسلسل من الأعمال القليلة التي احتوت على خيوط درامية وتفاصيل كانت بحاجة إلى مزيد من الحلقات أو موسم أخر لمنحها مساحة أكبر على الشاشة.