رؤية نقدية ـ "الممر".. يعيد الاعتبار لصناعة الأفلام الحربية
يونيو 2019 بعد مرور 52 عام على الجرح الأكبر فى تاريخ مصر، يقدم شريف عرفة فيلمه "الممر" الذي يعد بدوره الفيلم الحربى المصري الذى يجري إنتاجه بعد سنوات طويلة غاب عنها، فيلم يوضح بطولات أفراد الجيش المصري فى هذه الفترة العصيبة من تاريخه الحديث والتي لم يتعرف عليها بشكل مقرب أجيال ما بعد حرب 1973 إلا من خلال مذكرات القادة العسكريين ممن عاصروها والأفلام المصنوعة عن الحرب والتي أُنتجت بعد سنوات قليلة منها ومعظمها أصبح غير صالح للتعاطي معه نظرًا للفجوة الكبيرة بين ما أصبح يشاهده الجمهور الآن وما أنتج من قبل خاصة وأن معظمها فى زمنها كانت لا ترقى لمستوى الحدث تتضمن مشاكل فنية واضحة.
الحاجة لوجود أفلام حربية مصرية ضرورية لغياب هذا النوع فى الصناعة، وضرورية لنقل الحقائق وترسيخها، وليحدث ذلك يجب أن تتم الصناعة على الأسس الحديثة وبالشكل الذى يتناسب مع الجيل المتلقي للفيلم.
من هذا المنطلق تأتى أهمية فيلم "الممر" للمخرج شريف عرفة، حيث يبدأ الفيلم من عند الجانب المحتل على مائدة اجتماعات تضم قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين يناقشون أهمية الهجوم على مصر من عدمه، منظمين يبحثون فى الأمر من كل جوانبه ويتوسطهم مهندس حرب الأيام الستة كما يطلقون هم عليها كما نطلق عليها موشي ديان (هانى المتناوي) وعلى الجانب الآخر يُظهر عرفة بشكل سلس حالة التخبط التي يعانى منها الجيش المصري في هذه الفترة، والسبب معروف بالطبع لدرجة أن الفيلم لم يتطرق لتوضيحه فقط أبرزه كسبب فى الهزيمة الثقيلة مؤكدًا على أن السبب لم يكن فى الجنود والضباط اللذين على الرغم من كل شيء يحاولون الصمود والتعامل مع المستجدات وقرار الانسحاب العشوائي من الضفة الغربية للقناة.
مشاهد تدمير الطائرات المكشوفة على مدرجات الإقلاع الذي ظهر باستخدام تقنيات الجرافيك مع تدمير المواقع العسكرية التي لم تكن وصلت لمستوى الجهوزية الذي يحمى الأفراد فيها من الهجوم الجوي، صرخة المقدم نور (أحمد عز) للجنود بعدم الاحتماء فى الخنادق دللت على ذلك واستلامه للمدفع المضاد للطائرات واسقاطه طائرة بعد وفاة الجندي الذى كان يعتليه يكمل المشهد الذى سبق الهجوم عندما نشبت مشادة بينه وبين النقيب محمود (احمد فلوكس) على أثر تسليمه مجموعة من المدنيين لتدريبهم ويعترض نور على ذلك فى ظل الظروف السيئة ليجد الرد الجاف من محمود أن لديه من المشاكل ما يمنعه من الاستمرار فى جدال لا طائل منه.
الثلث الأول من الفيلم مكتوب ومنفذ بشكل جيد، ايقاعه سريع يضع المشاهد فى الأجواء بشكل موجز يوضح سبب الهزيمة في المعركة، رسم تفاصيل شخصية الرائد ديفيد (إياد نصار) وقسوته وكراهيته الشديدة للمصريين وإصراره على الدفاع عن الأراضي التي احتلوها بحكم قدسيتها بالنسبة لهم، انتقال مكان الأحداث من سيناء إلى القاهرة لنرصد حالة الشارع المصري في هذا الوقت والحمل الثقيل الذى يرهق نور وانعكاس ذلك على زوجته ليلى (هند صبري). التمهيد لدخول شخصية الصحفي إحسان (أحمد رزق) الذى حولته الهزيمة لنموذج إيجابي يشارك المجموعة القتالية فى عملياتهم ليرصدها وينقلها للجمهور، هذا التوازن والانتقال السريع الموجز والذى يمنح المتفرج صورة عامة اختفي فى الوقت المتبقي من الفيلم الذى ركز على العملية بشكل رئيسي وعلى منظمة سيناء العربية المكونة من البدو وفدائيين منطقة القناة المعاونين للمجموعة وغابت القاهرة ومصر بأكملها عن ما يحدث دراميًا فى الفيلم الذى كتب السيناريو الخاص به شريف عرفة والحوار لأمير طعيمة.
شريف عرفة معروف عنه حسن إدارته للممثلين وهو ما تكرر فى فيلم "الممر" بنجاح، أصحاب الأداءات الجيدة قدموا أفضل ما عندهم أحمد رزق وأسماء أبو اليزيد ومحمد جمعة ومحمد الشرنوبى ومحمود حجازى ومحمد فراج وأياد نصار واحمد عز، وأصحاب الأداءات المتوسطة والمتواضعة بشكل عام أحمد صلاح حسنى وأحمد فلوكس وامير صلاح الدين قدموا أداء جيد موازي للأسماء السابقة والسبب بالتأكيد يرجع لعرفة فهي إحدى أدواته التي يجيد التعامل معها، موسيقى عمر خيرت التصويرية أكثر من ملفته بعد سنوات ظل خلالها الموسيقار الكبير لا يقدم اى جديد يذكر، ليعود ويقدم موسيقى داعمة للصورة تعمل بشكل متجانس وموفق مع طبيعة التحولات فى الفيلم سواء على مستوى تقدم العملية العسكرية أو التحولات النفسية للشخصيات، حتى لحنه لأغنية الفيلم كان مميزًا قادم من روح الموسيقى التصويرية لكن اختيار الشرنوبى لأدائها لم يكن على نفس قوة اللحن على العكس أضعفه فقدراته كممثل فى الفيلم تتخطى بمراحل قدراته كمطرب وهو ما كشفه أداءه للأغنية من لحن عمر خيرت الأمر الذى وضعه فى مقارنة ليست فى صالحه مع مطربين سبق أن قدموا أغنيات من ألحان الموسيقار الكبير.
تنفيذ المعارك ومشاهد الاشتباكات بالأيدي والأسلحة الخفيفة يكشف مدى التطور الذى أصبح متاحًا لدى صناع تلك الأعمال في مصر، بعد أن كان العقبة الأولى فى تنفيذ هذا النوع من الأفلام وهو النجاح الذى يحسب للمنتج هشام عبد الخالق، الدقة فى اختيار مواقع التصوير والدقة فى تنفيذ الملابس العسكرية والرتب والأسلحة واضح بشكل لم يحدث فى الأعمال التاريخية منذ سنوات عديدة ماضية، الأمر الذى يجعل من هذا الفيلم قاعدة أساسية لما هو قادم من أفلام من نفس النوع، بعد أثبات القدرة على خروج فيلم حربى جيد الصنع.