"الإنس والنمس".. محاولة هنيدي وشريف عرفة المُتواضعة لإعادة نجاح "فول الصين العظيم"!

كانت بعض مشاهد فيلم "فول الصين العظيم" تمر ببالي وأنا أشاهد فيلم "الإنس والنمس" بطولة "محمد هنيدي" و"منة شلبي" وإخراج "شريف عرفة"، وكلا الفيلمين قصة وإخراج "شريف عرفة"، وكلاهما بطولة "محمد هنيدي". الفارق الزمني بين الفيلمين 17 عاماً، لكن بعض تفاصيل الفيلم القديم تم إعادة تدويرها داخل الفيلم الجديد، وهذا لم يكن عيباً بفيلم "الإنس والنمس"، ولكنه رُبما كان مُفتاح عيوب الفيلم الفادحة الأخرى.

من الصين إلى قصر العفاريت!

بطل "الإنس والنمس" هو "تحسين- محمد هنيدي"، وهو شاب جبان يعمل مديراً لقسم بيت الرعب في الملاهي، وهذه أول مُفارقة يستخدمها الفيلم لخلق مواقف ضاحكة، وتذكرنا بمحي الشرقاوي الشاب الساذج الجبان، الذي يُحاول التكيف مع جده وأعمامه الذين يُمارسون حياة الإجرام. يقع تحسين في حب "نارمين- منة شلبي" وهى فتاة من الجن، ويجد صعوبة في التأقلم مع طِباع وعادات عائلتها غريبة الأطوار، وهذه نفس أزمة محي في الصين حينما حاول التأقلم مع الثقافة المُختلفة لعائلة حبيبته الصينية لي.

هذه الملامح المشتركة ربما تكون مُتعمدة للمزاح مع المشاهد، لكنها لم تنجح في خلق مواقف ضاحكة جديدة، واستمر السيناريو في مُحاكاة مشاهد من فيلم "فول الصين العظيم" لعله يحظى ببركة نجاح الفيلم القديم؛ فنرى مشهد اختبار الجن لتحسين، وتكليفه بمهمة توصيل رسالة الجن "شهاوي- عمرو عبد الجليل" لغريمه "أشموح- بيومي فؤاد"، وهو يُذكرنا بمشهد تكليف جد محي الشرقاوي له بتسليم البضاعة لأبو موتة في "فول الصين العظيم"، وهناك أيضاً مشهد تناول الطعام مع عائلة نارمين، وتقديم لحم البشر بدلاً من الحشرات التي قدمتها عائلة الفتاة الصينية "لي" لمحي الشرقاوي.

هيا بنا نمزح!

يُمكن أن نقول أن "محمد هنيدي" كان يُحاول استعادة لياقته الكوميدية بعد عدة أفلام متواضعة، آخرها "عنتر ابن ابن ابن شداد"، حتى لو اقتضاه الأمر إعادة مشاهد ناجحة من فيلم سابق، أو تكرار أداء شخصية سبق تقديمها، بدلاً من ابتكار ملامح شخصية مُبتكرة للبطل تحسين، كما فعل سابقاً مع شخصيات "محي الشرقاوي"، و"مبروك أبو العلمين حمودة"، و"خضر الجبالي" بطل فيلم "عسكر في المعسكر" وغيرها من الشخصيات المُتنوعة الناجحة التي قدمها هنيدي خلال مسيرته الفنية.

يتناول فيلم "الإنس والنمس" صراعاً كوميدياً بين عالمي الإنس والجن، ويتركز الصراع بين شخصية تحسين وعائلة "نارمين" التي يرغب في الزواج منها، وطوال الوقت لا نفهم لماذا اختارت عائلة "النمس" وهم من الجن، شخصاً من الإنس لمُهمة إنجاب "نارمين" طفلاً؛ ولماذا يرغب الجن في الإنجاب من الإنس رغم إحتقارهم الشديد لكل الإنس؛ فالفيلم كله تقريباً يعتمد أسلوب هيا بنا نمزح وليس هيا بنا نصنع دراما كوميدية.

سيناريو الفيلم يرسم شخصيات بتفاصيل توحي بأدوار أكبر مما شاهدنا على الشاشة؛ على سبيل المثال، شقيقة تحسين "دنيا ماهر" وزوجها "محمود حافظ" لديهم ولع بالشهرة ويبثون فيديوهات حية من واقع حياتهما اليومية على الإنترنت، ولم تُضف شخصيتيهما وتفاصيلها أى شىء للفيلم، وهناك تفاصيل أخرى تبدو مبتورة؛ ومنها محل العائلة المُغلق الذي يسعى تحسين لتجديد رُخصته بإهتمام بالغ، وينتهي الفيلم دون أن نرى أى إضافة لهذه التفصيلة الدرامية، وتختفي بعض الخيوط الدرامية بصورة مُفاجئة مثل عمل تحسين في بيت الرُعب، ويغيب المنطق بشكل فج عن تفاصيل أخرى؛ مثل تسلل بعض الشخصيات إلى فيلا العفاريت التي تقع في مكان معزول شديد الحراسة ويصعب الوصول إليها، وأيضاً ظهور شخصية الأب الميت "شريف الدسوقي" فجأة في حياة ابنه تحسين، وغيرها من التفاصيل التي لم يصنع السيناريو مُبررات مُتماسكة لها على الشاشة.

ليس كل ما يلمع ذهباً!

قد تتخفف الكوميديا من بعض التفاصيل المنطقية بهدف الإضحاك، ولكن الفيلم كان ينجرف ناحية كوميديا الصياح، والمواقف الصاخبة، ورغم وجود أرضية درامية تعتمد على صراع عائلة من الانس مع عائلة من الجن، لكن السيناريو اكتفى من الصراع وزحام الشخصيات بشخصية البطل، الذي يثرثر طوال الوقت، حتى حينما يكون وحيداً، وهذا أسلوب يتبعه هنيدي في أفلامه؛ ليظل قادراً على تقديم الافيهات اللفظية التي يعتمد عليها كأسلوب رئيسي للكوميديا.

منح الفيلم الأدوار الثانوية والشرفية لشخصيات لها جماهيريتها، مثل عارفة عبد الرسول، وصلاح عبد الله، ومحمد جمعة، ولبني محمود، وبعضهم جماهيريته على السوشيال ميديا من خلال الميمز الكوميدية المُستوحاة من أدواره السابقة، ولم يمنح الفيلم هذه الشخصيات بأدوارهم الصغيرة بصمات مُميزة، وحتى أداء "منة شلبي" و"صابرين" و"بيومي فؤاد" كان نمطياً ومُلتزماً بإطار الشخصية دون لمسات شخصية، وربما كان الاستثناء في أداء "عمرو عبد الجليل" الذي جعل من شخصية كبير النمايسة الجادة المُتعالية وسيلة للإضحاك.  

لقاء هنيدي وشريف عرفة لم يكن ناجحاً حتى لو حقق إيرادات جيدة؛ فهو لم يُقدم أى جديد فنياً، والكوميديا فيه أقل بكثير من "فول الصين العظيم"، وأشبه بمحاولة إعادة رواية نكتة قديمة بصخب أكثر وابداع أقل. الفيلم يُقدم كوميديا مُتواضعة للغاية ويؤطرها بمشاهد الخدع والجرافيك البراقة، وهناك بلا شك لمسات إخراجية جيدة خاصة في مشاهد المطاردات داخل قصر العفاريت. حاول الفيلم من خلال الإفيهات التقليدية، والمواقف الكوميدية المُرتبكة، تجميل السيناريو الضعيف، ولكن كل ما حدث على الشاشة كان تزيين مقلب درامي مُتكامل الأركان.

الصور والأفيشات مأخوذة من صفحة الفيلم على الفيسبوك