16 وجها لميريل ستريب... في تاريخ الأوسكار

الأرقام لا تصنع المعجزات، وإنما تجسدها فقط، وترشيح أعظم ممثلة حية على وجه الأرض ميريل ستريب لنيل جائزة الأوسكار للمرة الثامنة عشرة، ليس مجرد رقم يذكر للفخر، وإنما تجسيد لقدرتها الهائلة على التعبير بصدق عن شخصياتها، فهي الأم المسنة المريضة سليطة اللسان، ورئيس التحرير القاسية، وهى أيضا المعذبة بالحب على جسور ماديسون، إنها ميريل ستريب صاحبة 16 وجها في ترشيحات أفضل ممثلة.
 
ميريل حققت نجاحا كبيرا وأشاد بها النقاد عن دورها في فيلم "The Deer Hunter" عام 1978 حيث رُشحت لجائزة الأوسكار للمرة الأولى كأفضل ممثلة مساعدة عن هذا الفيلم، ولكنها حازت الجائزة من ثاني ترشيح عام 1979عن دورها الرائع في فيلم كرامر مقابل كرامر أو Kramer vs Kramer، بعدما قدمت دور الأم الشابة التي تتنازع على حضانة ابنها الوحيد مع زوجها وقام بدوره النجم داستين هوفمان.
 
لم تنتظر ميريل كثيرا لتحصل على مقعدها مجددا ضمن المرشحات للأوسكار، ففي عام 1981 كانت على موعد مع "الآنسة مأساة" أو سارة بطلة أحداث "امرأة الملازم الفرنسي" The French Lieutenant's Woman، الفيلم المقتبس عن الرواية الشهيرة للكاتب جون فوليس، إلا أن الممثلة الكبيرة "كاترين هيبورن" خطفت الجائزة منها عن دورها في فيلم "فوق البحيرة الذهبية". ولكن يبقى لهذا الدور رقم غير مسبوق في عالم السينما فقد حصلت ميريل على أول مليون دولار كأجر.
 
هل يمكنك ان تختاري من بين ابنيك من ينجو ومن يذهب للمحرقة؟ هذا هو "اختيار صوفي" او Sophie's Choice الذي منح ميريل ستريب جائزة الأوسكار عام 1983.
 
في العام التالي مباشرة كانت على القوائم نفسها بعد بطولتها فيلم سيلك وود Silkwood، وقدمت فيه قصة واقعية لسيدة اسمها كارين سيلك وود، وهي مهندسة تقنية لدى محطة نووية وناشطة في اتحاد العمال تحتج على مستوى السلامة في المفاعلات النووية، وتثور ضد النظام الذي يستهتر بصحة العمال، وتموت في حادث سير غامض، ولكنها خسرت الجائزة أمام المعجزة شيرلي مكلاين التي فازت عن دورها المميز في فيلم شروط المحبة. 
 
عام 1985 وهى على مشارف عامها الأربعين كانت ميريل على موعد مع شخصية البارونة الدنماركية كارين بيلكسن في فيلم Out of Africa، المقتبس عن مذكراتها الحقيقية أثناء تواجدها في مزرعتها بكينيا في الفترة من 1914الى1931 وتحكى فيه قصة حيرتها بين غرامها بالصياد الذى يعشق الحرية وعدم الارتباط والبساطة في الحياة من جهة، والزوج المشغول في ملاحقة النساء من جهة ثانية، وقد حاز الفيلم على 7 جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم لعام 1985، أفضل مخرج، سيناريو وموسيقى، كما حاز على 3 غولدن غلوب.
 
القصص الواقعية أهلت ميريل مجددا لقوائم ترشيحات الأوسكار في العام 1988 عن فيلم "صرخة في الظلام" a cry in the dark، حيث قدمت دور أم أسترالية تفعل المستحيل لتثبت براءتها من تهمة قتل طفلها الوحيد، وقد نالت جائزة مهرجان كان كأفضل ممثلة عن هذا الفيلم، ولكنها خسرت الأوسكار.
 
الكوميديا لم تكن غائبة عن مسيرة أعظم ممثلة على وجه الأرض، وأهلتها أيضا للترشح لنيل الأوسكار عن شخصية الكاتبة مادلين أشتون في فيلم "الموت تجسد فيها" Death Becomes Her، الذى انتج عام 1992، ومن بطولة النجم بروس ويلز، وتدور أحداث الفيلم حول امرأتين تشتعل الغيرة بينهما منذ الصغر وتتصارع كل منهما كي تصبح أفضل من الأخرى إلى أن تسرق إحداهما (ميريل ستريب) من الأخرى (غولدي هون) خطيبها (بروس ويليز) وتغريه حتى تتزوج منه، ولذلك يزداد الصراع بينهما، ولكن بعد أن يتقدم بهما العمر تحاول كل منهما أن تكون الأجمل حتى تعثر إحداهما على دواء سحري يجعلها تعيش للأبد، ويحافظ على شبابها. وبعد ذلك تعود غولدي لخطيبها السابق وتخطط معه لقتل ميريل ولكنهما يقتلانها وهي لا تموت!
 
أجمل قصص الحب قدمتها ميريل عام 1996 في شخصية فرانشيسكا السيدة الإيطالية التي تقع في غرام خاطف مع مصور صحافي عابر سبيل، في فيلم الدراما الرومانسية "The Bridges of Madison County" أو " جسور مقاطعة ماديسون"، وهو مأخوذ من رواية تحت نفس الاسم للكاتب روبرت جيمس ولر، وقد رُشحت لجائزة الأوسكار أفضل ممثلة. 
 
The Manchurian Candidate أو المرشح المنغولي، الفيلم الذى جمع ميريل ستريب ودينزل واشنطون عام 2004 وقادهما معا للترشح للأوسكار، وقدمت فيه شخصية السيناتور إيلينور برينتس شو التي تعد لترشيح ابنها لمنصب نائب الرئيس الأميركي مستخدمة كل الأكاذيب والحيل لصنع بطولات عسكرية وسياسية له.
 
عام 2006 ومن كواليس عالم الموضة تخرج ميرندا بريستلي أقوى امرأة في مجال الأزياء والموضة، الشخصية القاسية المقتبسة عن القصة الحقيقية لرئيس تحرير مجلة فوغ آنا وينتور، لتدفع ميريل لقوائم الأوسكار عن فيلم الشيطان يرتدي برادا The Devil Wears Prada، ولكنها هذا العام تكتفي بجائزة الغولدن غلوب كأفضل ممثلة دور رئيسي عن الفيلم نفسه.
 
في العام التالي مباشرة تغير ميريل ستريب من جلدها في فيلم" أسود في مواجهة الحملان" Lambs for Lions، لتقدم دور صحافية مجتهدة ترافق الرئيس الأميركي في جولاته، وتبحث عن أسباب الحرب على أفغانستان، وعلاقته بالنفط وترشحت كالعادة ولكنها خرجت من حفل الأوسكار خالية الوفاض.
 
أفلام الموسيقى جذبت هي الأخرى ميريل ستريب التي تألقت وحازت كالعادة على ترشيح للأوسكار عام 2008 عن فيلمها Mamma Mia المقتبس عن قصة رومانسية كوميدية للكاتبة البريطانية كاثرين جونسون ، تدور في أحداثها حول امرأة اسمها دونا قضت ريعان شبابها تخرج من تجربة حب فاشلة أكثر رغبة في استخدام جسدها في الحب، وبعد شهر صاخب من العلاقات العابرة تصبح حاملاً، وتنجب فتاة اسمها صوفي لا تعرف عن أبيها شيئاً وعندما تكبر الفتاة وتقرر أن تتزوج باكراً تتذكر أنها بحاجة لمعرفة أبيها ولقائه، فتفتح مذكرات أمها السرية وتدعو كل من عاشرتهم الأم لحضور زواجها، لعل أحدهم يكون الأوفر حظاً في حملها إلى مذبح الزواج، المشكلة هنا أنهم أو الفتاة أو الأم لا يعرفون من هو الأب المتوج لهذه الفتاة اليافعة فعلاً، والمفارقة أن ميريل من طلبت القيام بدور الأم، وكانت المرشحة الأولى النجمة نيكول كيدمان.
 
في العام نفسه كانت ميريل مرشحة للجائزة نفسها، عن دور بوفير الراهبة القاسية في فيلم "الشك" Doubt، المقتبس عن نص مسرحي يحمل نفس الاسم للمؤلف والمخرج الأيريكي جون باتريك شانلي.
 
عام 2010 قادت شخصية السيدة جوليا تشايلد زوجة الدبلوماسي الأميركي في باريس، التي تحولت الى طباخة فرنسية ماهرة ميريل ستريب لقوائم الترشيحات عن فيلمها الكوميدي أيضا Julie and Julia، والفيلم مقتبس عن قصة مدونة حقيقية اسمها جولى استعارت وصفات السيدة جوليا، وقد ذهبت الجائزة وقتها للنجمة ساندرا بولوك عن فيلمها البعد الآخر The Blind Side.
 
تجسيد الحياة الشخصية والمهنية المركبة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، في "المرأة الحديدية" The Iron Lady كان نهاية طابور انتظارها الطويل في موقف الترشيحات، فعن هذا الدور حصدت جائزتها الثالثة والثانية كأفضل ممثلة دور رئيس عام 2012.
 
مثل فتاة السيرك المعلقة بين السماء والأرض بخيط رفيع، تبدو السيدة الأرملة فايلوت المصابة بسرطان الفم ومع هذا تدمن التدخين والمهدئات، الحريصة على تصفية حساباتها مع بناتها الثلاث وتخشى على حفيدتها من أي مكروه، العنصرية حتى النخاع والمحبة أيضا لخادمتها السمراء، كل هذه التناقضات تجسدها ميريل ببراعة حجزت لها مكانا في ترشيحات الأوسكار عام 2014 عن أحدث أفلامها County، فهل تحصد الجائزة الرابعة؟