مؤسِّسة "متحف المرأة" لـ "هي": المرأة هي الوعاء الذي يحمل الثقافة منى جيل إلى آخر

حوار ممتع أجرته رئيسة تحرير مجلة "هي" الأستاذة مي بدر مع مؤسسة "متحف المرأة" في دبي الدكتورة رفيعة غباش و الذي دارت رحاه حول تاريخ المرأة الإماراتية و دورها في مختلف الأصعدة والمجالات؛ تضمن أيضاً جولة مثرية في أنحاء المتحف. 
 
متحف المرأة 
 
لنبدأ أولاً بالتعريف عن "متحف المرأة" الذي يقع في "بيت البنات" بمنطقة "سوق الذهب" في دبي. تم متحف المرأة هو عبارة عن بادرة ثقافية طموحة ورائدة، يبرز إبداعات المرأة الإماراتية في الفكر والثقافة والفنون، إضافة إلى مساهمتها في العمل الإداري والسياسي. المقتنيات والجداريات موزعة على ثلاثة أدوار، فهناك قسم «ذاكرة المكان» الذي يحملنا إلى ماضي منطقة «سوق الذهب»، والقاعة الرئيسة التي توثق لتاريخ النساء في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم، وركن قلب المكان الذي يوثق لحياة امرأة إماراتية سبقت عصرها، وقاعة «ديوان عوشة بنت خليفة» التي تحتفل بحياة الشاعرة الإماراتية المرموقة وأعمالها، وقاعات المعارض التي تستضيف معارض ثابتة وأخرى مؤقتة لأعمال فنانات إماراتيات.
 
الدكتورة رفيعة غباش مؤسسة و صاحبة فكرة "متحف المرأة" 
 
تؤمن د. رفيعة غباش بضرورة توثيق تاريخ المجتمع وتراثه وثقافته، والتي أرادت أن تحتفي بالمرأة الإماراتية وإنجازاتها، وتسليط الضوء على أعمالها ودورها البارز في كل المجالات. وخلال حديثها الشيق مع أ. مي بدر وضحت الدكتورة غباش رأيها في دور المرأة في بناء الشعوب قائلة:" أنا لا أرى أصلا مجتمعا على الأرض من دون النساء. وإن وجد، فهذا المجتمع بالتأكيد فيه درجة من درجات الاختلال، بل إن مقولة الشيخ محمد بن راشد هي في صميم المفهوم الذي عملت عليه. من يحمل ذاكرة الأوطان؟ من يغذي الطفل بالقصص والرواية والتنشئة والقيم؟ المرأة هي الوعاء الذي يحمل الثقافة من جيل إلى آخر". 
 
و أضافت :" النساء ينتقلن من مرحلة إلى أخرى بسرعة فائقة، أما الرجال، فيظنون أنهم في وضع جيد، فيظلون في الخلف. اليوم واقع المرأة الخليجية يؤكد ذلك. الإحصاءات كلها تؤكد أن نسبة التحاق النساء بالتعليم أكبر، ونسبة المتفوقات في التعليم أكبر من المتفوقين. المرأة أنضج من الرجل. تحدثي إلى امرأة في العشرين من عمرها ورجل في العمر نفسه، وسترين الفرق، لذلك أنا قلقة على وضع الشباب وعلى نضجهم الفكري في هذه المرحلة". 
وعن تأثير والدتها على مسيرتها وضحت الدكتورة رفيعة: "أمي امرأة استثنائية، كانت هي والشيخة صنعاء بنت مانع ومجموعة من النساء منارات يعلمن أنفسهن والناس من حولهن، وهو ما مكن المرأة في ذلك الوقت. أهم ما كنت أراه في أمي أنها لم تحتمل وجود امرأة من دون دخل يحررها من حاجتها إلى الرجل. ألتقي اليوم ببعض النساء اللواتي يخبرنني أن أمي ساعدتهن في استخراج رخصة تجارية، أو ساعدتهن في بناء بيوتهن. لم تكن تريد لأي إنسان أن يكون بلا كرامة أو أن يحتاج إلى شخص ما ليساعده. كانت حريصة على وجود الكتب والمجلات في بيتنا. وأعتقد أن العنصر الأساسي في حياة الإنسان الذي يصنع الفرق  بين ألف وباء وشين هو الكتاب". 
 
دور المرأة الإماراتية في السياسة والاقتصاد عبر التاريخ 
 
عندما دار الحديث عن الدور الذي لعبته المرأة الإماراتية في السياسة عبر التاريخ، وضحت  الدكتورة رفيعة قائلة:" لا يوجد كتاب يؤرخ لدور المرأة الإماراتية في السياسة، لكن من خلال القصص التي تروى ندرك أنها لعبت دورا مؤثرا في هذا المجال. أول قصة استوقفتني كانت قصة الشيخة سلامة بنت بطي والدة الشيخ زايد التي وجدت عنها وثائق في المكتبة البريطانية تعود إلى عام 1923.  عاشت الشيخة سلامة في فترة صراع حاد على الحكم. غير أنها استطاعت بحكمتها ورجاحة رأيها، وبدعم من القبائل أن تتجاوز تللك التحديات، وعندما استلم الشيخ شخبوط الحكم، جعلت أبناءها يقسمون على ألا يتصارعوا وأن يتفاهموا على الحكم، وهذا ماحدث. أسميها دائما "امرأة سلام".  
و تسهب بقولها:" وقبلها كانت الشيخة سلامة إحدى البنات السبع للشيخ زايد الأول التي تمت مراجعتها واستشارتها في الكثير من الأمور المتعلقة بقرارات سياسية. والشيخة حصة بنت المر، جدة الشيخ محمد بن راشد، التي اقترن اسمها بالحكمة ورجاحة الرأي وبدعم الثقافة والشعراء والتعليم. ويذكر لها معاصروها مواقفها من الوجود البريطاني، وقدرتها على التعامل بحكمة مع مطالب التجار في دبي¡ واجتياز الأزمة الاقتصادية عام 1938. والشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات التي تستحق أن أبني متحفا خاصا بها. ولأنها حاضرة وعملها ملموس، استعنّا  بشهادات الإعلام المحلي والعالمي بها". 
 
جناح الشيخة عوشة بنت خليفة في متحف المرأة 
 
يضم "متحف المرأة" جناح مخصص للشيخة عوشة بنت خليفة .. وعنه تقول الكتورة غباش:" كنت أنوي أن أكتب عن عوشة بنت خليفة مقالا صغيرا، لكنني وجدت نفسي أكتب كتابا. حين أصدرت الكتاب طورت في الوقت نفسه فكرة بناء معلم خاص في المتحف لعوشة" و تضيف أيضاً:" هذه القاعة هدية مني لعوشة بنت خليفة، وهي من تصميم مبدع سوداني من مواليد أبوظبي. طلبت منه أن يستوحي التصميم من حب المرأة  للحرية والفضاء، ومن طريق العين - دبي الذي تخيلته مليئا بأبيات الشعر. واخترت خط الثلث الراقي الذي يليق بمكانة الشاعرة. ومن أبياتها الموجودة هنا أول قصيدة ردت فيها على قصيدة للشيخ محمد". 
 
نصيحة إلى شابات الإمارات
 
رسالة الدكتورة غباش إلى الشابات الإماراتيات كانت نصيحة بقولها: "أنصح الطالبات الصغيرات اللواتي سيصبحن نساء الغد، باحترام ثقافتك وتراثك حتى ولو كان معيقا أحيانا، لكن عندما تحترمينهما وتقدرينهما تسهمين في صحتك النفسية". وتختم بقولها :"أنصح بناتنا بأهمية التوازن بين السلوك والموقف العقلي، بين الحداثة القوية والعولمة الأقوى والارتكاز على ثقافتنا".