الأمير فهد آل سعود مؤسس جمعية "كرز" (المملكة العربية السعودية)

التكنولوجيا والموضة والاستدامة.. صياغة الهوية في مشهد الموضة السعودي الصاعد

مجلة هي

الأمير فهد آل سعود مؤسس جمعية "كرز" (المملكة العربية السعودية)

 

في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية، حيث يلتقي التقليد بالابتكار، وحيث تتشابك الهوية في كل خيط من خيوط نسيج المجتمع، تحوّلا عميقا في مشاهدها الثقافية والاقتصادية، ولا سيما في مجالات الموضة والإبداع والتكنولوجيا. أمامنا نحن أبناء المملكة فرصة فريدة لتطوير صناعة الأزياء المحلية التي لا تعيد تحديد مفهوم الأناقة العصرية فحسب، بل تعيد أيضا صياغة الهويات المجتمعية، في ظل الإخلاص لثقافتنا. عند هذا التقاطع بين التكنولوجيا والأزياء والاستدامة، يكمن حافز قوي للتغيير والتطوير، مقدّما وسائل جديدة للتعبير عن الذات ومعيدا في طريقه بناء الهويات الشخصية.

في هذا العصر الرقمي، لا تغير التكنولوجيا قواعد اللعبة فقط، لكنها في الواقع تمهّد الطريق أمام عصر جديد تماما لعالم الموضة. في كل أنحاء المملكة، يستفيد مطلقو الصيحات والمبدعون والمصممون والعلامات التجارية من قوة منصات التواصل الاجتماعي ووقعها، من أجل عرض تصاميمهم الفريدة والتأثير في الاتجاهات المحلية والعالمية. ببضع نقرات، تصل مواهب التصميم والشخصيات المؤثرة السعودية إلى جماهير بعيدة عن حدودها بكثير، وهو ما يحفّز محادثات وحوارات ومشاريع تعاون تتخطّى الحدود الثقافية. في الكواليس، تُحدث التكنولوجيا ثورة في طريقة ابتكار الأزياء واستهلاكها. وتنجح هذه الفرص الجديدة إلى جانب الترابط الجديد في تمكين المصممين من دفع حدود الإبداع والحرفية. وبذلك، فإن التكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل هي حافز للابتكار يدفع صناعة الأزياء المحلية إلى الأمام ونحو العالمية.

فلنتحدث الآن عن الاستدامة. في زمن أزمة المناخ وازدياد الوعي البيئي، يجب أن تكون الاستدامة ضمن الأخلاقيات المحورية والأساسية لأي صناعة وأي قطاع. نحن نعاني من الموضة السريعة، حيث يمكن بسهولة أن نفقد الهوية والتفرد والثقافة، وهو الأمر الذي يجعل التركيز على الاستدامة ودعم المصممين والعلامات التجارية المحلية أكثر أهمية من أي وقت مضى. من البحث عن المصادر المحلية المستدامة إلى ممارسات الإنتاج الأخلاقية، علينا أن نتبنى مبادئ صديقة للبيئة، ونعيد تصور ما يعنيه أن نكون "على الموضة" في عالم سريع التغير. بالنسبة إلي، إن التكنولوجيا والاستدامة ليست مجرد صيحة، بل التزام بالحفاظ على كوكبنا للأجيال التالية، وهو شيء أنا شغوف به منذ أكثر من عشرين عاما. ومن أبرز إنجازاتي المساعدة في إنشاء مركز تكنولوجي في أكرا عاصمة غانا، بهدف تعليم مهارات مهمة، وتوفير الفرص لمواطنيها لإنشاء مشاريع تجارية خاصة بهم، في ظل جعل مجتمعاتهم مستقلة من الناحية التكنولوجية، وترسيخ ممارسات تجارية مستدامة.

التأثير الأعمق للتكنولوجيا والأزياء والاستدامة هو في قدرتها على تشكيل الهوية الشخصية. في المملكة العربية السعودية، حيث يجري التراث الثقافي في أعماق العروق، وتتطور الأعراف الاجتماعية باستمرار، تبقى الموضة شكلا قويا من أشكال التعبير عن الذات والتمكين. سواء كان ذلك من خلال الملابس التقليدية أو التصاميم الرائدة، يخبر كل زيّ قصة تقول من نحن، ومن أين أتينا، وإلى أين نتجه. وهو موضوع أعالجه في سلسلة كتبي المصورة بعنوان "لطيفة - السيف البدوي" التي تركز تحديدا على هذه الجوانب: الهوية الذاتية، والأهمية الثقافية، والمجتمع، والتمكين، وقبل كل شيء الإطلالة الرائعة.

بالنسبة للكثير من السعوديين، لا تقتصر أهمية الموضة على الظهور بإطلالة جميلة، فترتبط بالشعور بالثقة والتعبير عن الشخصية الفردية والاحتفال بتراثنا. في بلد بهذا التنوّع والديناميكية، تعمل الموضة جسرا بين التقاليد والحداثة، وتوفّر منبرا للحوار والتواصل بين الأجيال والثقافات. ولطالما آمنتُ بأن الأزياء ليست مجرد شغف؛ بل هي كلام، واحتفال بالهوية، وشهادة على قوة الإبداع والتعبير عن الذات.

نحن نؤيد رؤية جديدة لما يعنيه أن تكون سعوديا، ورؤية تعطي الأولوية للهوية الذاتية والأصالة الأهمية الثقافية ذاتها، فضلا عن أهمية روح المجتمع والتعاون. لا يعتمد تقدّمنا على الأفعال الفردية فقط، لأنه يحتاج أيضا إلى اجتماعنا واشتراكنا في إحداث تغيير إيجابي وبناء مستقبل أكثر إشراقا للجميع. لهذه الأسباب، أنشأتُ شركتي الجديدة "كرز ديسكو" KARAZ DISCO، في محاولة لجمع ذوي التفكير المتقارب وتزويدهم بمكان للتعبير عن أنفسهم ورعاية إبداعهم، والتعاون فيما بينهم لإنتاج فن فريد ومشوّق وملهم في أي شكل قد يتّخذه.

إذا، ما الذي يخبئه لنا المستقبل؟ حسنا، إذا كان هناك شيء واحد مؤكد، فهو أن حدودنا السماء. ومع قيادة التكنولوجيا للابتكار، وتوجيه الاستدامة للأخلاقيات، وتغذية الهوية الشخصية والثقافة للإبداع، أمام مشهد الموضة في المملكة آفاق عظيمة. من شوارع الرياض المليئة بالحياة إلى شواطئ جدة المتلألئة، نحن مستعدّون لترك بصمتنا على مسرح الموضة العالمية، وأنا شخصيا أتطلع بشوق إلى رؤية المرحلة التالية. حتى المرة الآتية!

Credits

    الأمير فهد آل سعود مؤسس جمعية "كرز" (المملكة العربية السعودية)