تجارب تفاعلية

تجارب تفاعلية

مجلة هي
19 فبراير 2024

تعد عروض الأزياء في باريس وميلانو ونيويورك وفي كل المواسم حدثا بارزا للصناعة بأكملها، فهي مناســبة لاكتشــــــاف اتجاهــــــات جـديدة للموضة ومواهب جديدة. إضافة إلى إعلام المشترين والمستهلكين بأحدث الإطلالات، وأبرز تصاميم العلامات التجارية. ومع ذلك شهدت عروض الأزياء تغيرات جذرية على مر العقود الأخيرة.

فكرة تقديم مجموعات جديدة لجمهور مختار كانت قائمة منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنه في النصف الأخير من القرن العشرين وما بعده أصبحت عروض الأزياء كبيرة ورفيعة المستوى. وقد شكلت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فرصة للتجديد والتفاؤل، حيث لعب مصممو الأزياء، وخاصة في باريس، دورا حاسما في تنشيط الصناعة.

وأدى إنشاء نقابة الأزياء الراقية عام 1945 إلى إضفاء طابع رسمي على عروض الأزياء، ووضع سلسلة من الأسس والقواعد. وقد شهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القــرن الماضي ظهــــور مصممين أيقونيين كان لهم دور محوري في الارتقاء بهذه العروض، وأصبحت أسماء:

Christian Dior و Coco Chanel و Yves Saint Laurent مألوفة في عالم الموضة. وأصبحت عروض أزيائهم من الأحداث المرتقبة بشدة، والتي يحضرها المشاهير والشخصيات الاجتماعية والنخبة العالمية. واكتسبت فكرة تنظيم أسابيع الموضة زخما في السبعينيات. وبدأت باريس وميلانــو ونيويورك في استضافة هذه الفعاليات نصف السنوية والتي تمثل ملتقى مجتمع الموضة العالمي.

وشهدت الثمانينيات والتسعينيات تحولا كبيرا في مفهوم عروض الأزياء، فقد أدى ظهور ثقافة المشاهير وتأثير العارضات الشهيرات إلى تحويل عروض الأزياء إلى حفلات يزينها النجــــوم. فبدأ المصممون في دمج المشاهير في عروضهم، وهو ما زاد من السحر والتغطية الإعلامية. كما كان لإمكانية الوصول المتزايدة إلى التلفزيون وصعود وسائل الإعــــلام الجماهيرية دور حاسم في تحويل عروض الأزياء إلى فعاليات عالمية، وأصبح بالإمكان بث تجربة المدرج (منصة العرض) والتي كانت في السابق مقتصرة على عدد قليل من الحضور المدعوين، لتصل إلى ملايين المشاهدين في جميع أنحاء العالم، وهو ما زاد من انتشار عروض الأزياء وتأثيرها.

ومع قدوم العصر الرقمي، أصبحت عروض الأزياء في متناول الجمهور العالمي من خلال البث المباشر. وسمحت منصات التواصل الاجتماعي للمصممين بالتفاعل المباشــــــر مع المستهلكين، فقــــــد أدت سرعة وصول المعلومات والصور إلى تحويل عروض الأزياء إلى تجارب تفاعلية، فهي اليوم لا تقتصر فقط على تقديم أحدث المجموعات، بل أصبحت مباريات تسويقية لعلامات تجارية استراتيجية. وهي فعاليات تساعــد بشكل كبير المصممين وبيوت الأزياء على ابتكار تجارب فريدة من نوعها ومجموعات متقنة ولحظات لا تنسى تتجاوز المدرج لتغدو ظاهرة ثقافية.

قد يشعر البعض بالأسف، لأن عروض الأزياء لم تعد موجّهة لعدد مختار من الجماهير، لكنها أصبحت اليوم عروضا عالمية رائجة وقوية لا تسهم في تشكيل صناعة الأزياء فحسب، بل تتعدى ذلك لتصل إلى تشكيل الثقافة الشعبية.

Credits

    Michael Kliger

    الرئيس التنفيذي لمنصة التجارة الإلكترونية "ماي تيريزا"

    CEO of Mytheresa