رنا صعب - مستشارة مظهر

خاص "هي": رحلتي نحو الشفاء

رنا صعب - مستشارة مظهر
24 أكتوبر 2023

في الشهر الآتي، يكون قد مرّ عام منذ أن تلقّيت خبر إصابتي بمرض السرطان. أشعر بأن سرد قصّتي اليوم ثقيل، وأنه في الوقت نفسه يحرّرني. هذا الثقــــــل الذي أحسّ به هو نتيجـــــــة الرحلة القاسية والصعبة التي مررت بها، ولا سيما أنّني خضعتُ لعمليتي الجراحية الثانية قبل نحو ثلاثة أشهر فقط. أمّا شعوري بالتحرر، فيُعزى إلى أنني أتمنى أن أبعث بعض الأمل من خلال مشاركة قصّتي مع مَن تقرؤها وتحتاج إلى سماعها.

قد تتخيّلين أن وقع عبارة "أنتِ تعانين من سرطان الثدي" قد يكون كالانفجار على مسمعي في يوم عاديّ، لكن عندما أتذكر ذاك اليوم في عيادة الطبيب، أستطيع القول: إن الأمر بدا أشبه بمشاهدة فيلم أنا بطلته الرئيسية. أنا متأكّدة من أنّ أي شخص يتلقّى الخبر قد يتوقع المرور بمراحل عاطفية عدّة من عدم التصديق إلى الحزن، أما الشعور الوحيد الذي رافقني طوال رحلتي، فهو الانفصال. لا أعلم حتى إن كان هذا شعورا حقيقيا، لكن ما أعرفه هو أنّني اخترتُ ألاّ ألعب دور الضحية. وبدلا من ذلك، أدّيت دور المراقب، وقضيتُ الرحلة في مشاهدة تجلّي أحداث هذا الموسم من حياتي، فيما أحاول أن أبقى ثابتة وسط الصعوبات والأوقات السيئة. كما ذكّرتُ نفسي بأنّ كل شيء هو مجرّد عرض سينتهي في أحد الأيام، وجميعنا موجودون في هذه الحياة لنؤدي دورا معيّنا ونتعلّم الدروس من تجاربنا.

شاهدتُ نفسي وأنا أتلقى خبر إصابتي عندما كنتُ في عيادة الطبيب، وخلال كل المراحل الصعبة التي عشتها في اتّخاذ القرارات المناسبة وطرح كل الأسئلة حول الإجراءات التالية اللازمة، وكيفية إجرائها وأين. كما شاهدتُ نفسي خلال العملية الجراحية ومرحلة التعافي والعلاجات التي تلتها، فضلا عن العملية الجراحية الثانية التي لم تكن في الحسبان.

لا أعني أنّ الأمر كان سهلا، لكنّ قراري بتأدية دور المشاهد منحني على الصعيد الشخصي القوّة لكي لا أغرق في دور الضحية ولا أستسلم للخوف من المجهول. قرّرتُ ألاّ أنشغل في الأحداث الخارجية، وأنا اليوم لا أعرّف بنفسي بأنّني مريضة سرطان، لم أفعل ذلك في اليوم الذي تلقّيتُ فيه الخبر ولا أفعله حتّى اليوم.

كلّ ما قمتُ به هو تحويل طاقتي واهتمامي نحو الداخل إلى أكثر ما أحتاج إليه، وهو أن أحب نفسي بما يكفي لأتقبّل وأسامح وأتعامل مع كل مشاعري، بينما أقدّم الرعاية لجسدي وروحي بالتغذية التي يحتاجانها. لا يأتي أي مرض من العدم، ويتطلّب الأمر صدمة قوية كي نتذكّر أن صحتنا النفسية تعادل صحتنا الجسدية.

ومع ذلك، أؤمن بأنّ أجسادنا خارقة، ولا تحتاج سوى أن نمنحها الوقت والمساحة الملائمين لتقوم بما صُمّمت لتفعله، وهو الشفاء. كما تحتاج أيضا إلى إيماننا بأنفسنا وإلى قدرتنا على الشفاء الذاتي. وتحتاج بالأخصّ إلى إدراكنا لقِوى عقولنا.

يبدأ كلّ شيء بفكرة غير مُحبّة في ذهننا، إن طبّقناها أو نطقنا بها أو كرّرناها مرّات عدّة، فستتجلّى على شكل مرض في الواقع. غالبا ما تمرّ هذه الأفكار من دون أن نلاحظها فيما نعيش حياتنا بنمط "الطيّار الآلي"، فنطوف بناءً على معتقدات وأنماط لا ننتمي إليها في الأصل.

لذلك، رحتُ أتساءل عن الأفكار والعادات والأفعال التي يجب أن أمسحها وأنساها وأستبدلها بأخرى أكثر حبّا لذاتي. وأين يمكنني أن أضيف المزيد من الفرح والحياة إلى حياتي حتى أصل إلى مكان يجعلني أستيقظ كلّ يوم وأنا أعشق الحياة التي أعيشها؟

لا تأتي الإجابات بسهولة، لكنني قررتُ الانطلاق في رحلة أمنح نفسي فيها الأولوية وأستكشف عوالم بعيدة عمّا حدّده لنا المجتمع من قواعد وعقائد.

ما زلتُ أتعلّم وألغي الكثير من الدروس، فيما أرتّب الأولويات والنماذج والحدود والعلاقات والحياة بشكل عامّ، لكن ما أستطيع البوح به بكل تأكيد وثقة هو أنّني اليوم أقدّم إلى نفسي المساحة والرأفة اللازمتين حتى أكون أنا.

قرّرتُ أن أتقبّل فتراتي الصعبة وتلك الجيّدة على حدّ سواء، وأحتفل بانتصاراتي وخساراتي، وأحبّ جسدي وندباته لكل ما تحمّله معي ولأجلي، وأشكر الكون لتلقيني درسا أحتاجه للنمو، وأن أشكر جميع الأشخاص في حياتي من عائلتي إلى أصدقائي الحقيقيّين.

رنا صعب - مستشارة مظهر

 

Credits

    تصوير:

    RAMEZ ADAM
     

    إنتاج:

    LAMIS JOUDAH
     

    فستان من ROKSANDA لدى  MATCHESFASHION.COM

    إكسسوارات من &OTHER STORIES

     

    تمّ التصوير في فندق جميرا مينا السلام