الزلازل صرخة تهزّ وجدانك وتؤثر على ذاتك... كيف تتعاملين معها نفسيًا؟

ضجّت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة بالخسائر المهولة التي حدثت بعد الزلازل التي شهدتها دولتي تركيا وسوريا، وبدأت صرخات الخوف والهلع تعلو نبضات قلوبنا.

قد نجد من يُعيننا على كيفية التعامل مع إدراة الأزمات بصفة عامة، ولكن ماذا عن الأزمات النفسية التي باتت تسكن جدران حياتنا، وملامحنا؛ تهز أرواحِنا وتُثقل خطواتِنا نحو التقدم والنجاح.

لم تعد توابع الزلازل  مجرد مشاهدات تليفزيونية أو مقاطع فيديو تنقل لنا أحداث بعيدة عنا فحسب، بل تسللّت بكل قسوة إلى قلوبنا، بعدما فقدّنا أرواحًا وضحايا عزّعلى الوطن العربي فراقهِم.  

وعلى الرغم من أن التبعّات النفسية أثارت مشاعر الجميع، إلا أن الدراسات الحديثة أكدت أن الإناث هن أكثر الفئات تضررًا على نطاق واسع، وهن أكثرعرضة للخطر مُقارنة بالذكور، أما من حيث العمر، فقد وجدت الدراسات أن كبار السن والأطفال الصغار قد يعانون من آثار نفسية واجتماعية كبيرة.

وبما أن المرأة رفيقة دربنا ونحرص على دعمها نفسياً وتعزيز قدرتها على إرداة الأزمات التي تحدث من حولها، وجب علينا توضيح بعض المعلومات التي قد تتعلق بالتأثيرات النفسية بعد صدمة الزلازل الكبيرة، وذلك من أجل مساعدتها على فهم هذه التأثيرات بشكل أفضل وكيفية التعامل معها، وذلك من خلال الأخصائية النفسية والأسرية والخبيرة بقضايا المرأة العربية الدكتورة هبة الطماوي من القاهرة.

 

5 تأثيرات نفسية الأكثر شيوعًا بعد صدمة الزلازل

أوضحت د. هبة، أن علماء النفس يفسرون لنا بعض ما يتعلق بالتأثيرات النفسية التي قد تحدث بعد تعرض الشخص أو المرأة  بصفة عامة لصدمة الزلازل؛ وهم هنا، أيضًا، لمُساعدتنا على فهّم بعض هذه التأثيرات، وذلك على النحو التالي:

1. فرط اليقظّة

   

تقول عالمة النفس الدكتورة كارولين واجنر Carolyn Wagner، المستشارة المهنية والمعالجة النفسية في مركز لاينبارغر Linebarger & Associates، غالبًا ما يُعاني الناجون من الزلازل من اليقظة المفرطةHypervigilance  أي ضوضاء قليلة تجعل من هذا الشخص يركض بحثًا عن غطاء، كما أن أي لمسة، حسنة النية ولكن تكون غير متوقعة من أحد أفراد الأسرة، يُمكن أن تجعله يصرخ من الخوف. هذا لأن جسمه أصبح في حالة تأهب قصوى لتهديد آخر للسلامة؛ ما قد يجعله يشعر بالتوتر والقلق. عادةً ما تختفي هذه الاستجابة من تلقاء نفسها، ولكنها قد تكون سمّة لشيء آخر أكثر خطورة إذا لم يحدث، مثل اضطراب ما بعد الصدمة.

2. القلق والاكتئاب

تقول عالمة النفس الدكتورة نيكيتا بانكس Nikita Banks، معالجة نفسية سريرياً ومرخصة في بروكلين – نيويورك؛ بعد أن تتعرض حياة الفرد للتهديد والانقلاب إلى بسبب الزلزال، فليس من غير المألوف أن تظهر عليهم علامات القلق أو الاكتئاب، ولكن تظهر عليهم أعراضًا مُتشابهة مثل التعب، فقدان النوم، انخفاض الاهتمام بالأنشطة اليومية، التهيج، وعدم القدرة على التركيز. قد تأتي هذه الأعراض وتختفي مع مرور الوقت، ولكن إذا ثبت أنها أصبحت مستمرة ودائمة، فمن المهم طلب العلاج.

3. حواجز وعقبات عقلية

تواصل عالمة النفس الدكتورة نيكيتا بانكس؛ بأن من المُعتاد أيضًا للناجين من الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى أن يُحيُوا الحدث باستمرار في رؤوسهم بسبب إصابتهم بما يسمى بالحواجز والعقبات العقلية. وتقول: بأن من الضروري حملهم على الالتزام بالروتين في أسرع وقت مُمكن لمساعدتهم على العودة إلى بعض الإحساس بالحياة الطبيعية، حيث سيساعدهم ذلك على أن يصبحوا أكثر أمانًا في بيئتهم.

4. رهّاب الزلزال

   

يقول عالم النفس الدكتور كريج أبريل Craig April، وهو معالج نفساني مرخص ومدير مركز أبريل لإدارة هجوم القلق في لوس أنجلوس، إنه مع ما يحدث من رهّاب الزلزال Earthquake Phobia أو الخوف، فإن التركيز يميل إلى الرغبة في التحكم في احتمالية حدوث زلزال آخر. ومع ذلك، من الواضح أن هذا خارج عن سيطرتنا، ومن ثم يؤدي الفشل الوشيك إلى استمرار الخوف والقلق.

5. اضطراب ما بعد الصدمة

تقول عالمة النفس الدكتورة جانا سكريفانيJana Scrivani  المُتخصصة في علم النفس الإكلينيكي، والتي سبق أن تعرضت شخصياً لزلزال، بأنه سيظهر على معظم الأشخاص المُتأثرين بشكل مباشر العديد من الأعراض النفسية التي تشبه اضطراب ما بعد الصدمة PTSD.

ستتعافى الغالبية منهم، لكن أقلية أخرى ستصبح عالقة في مكان ما في عملية التعافي. تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة "الخوف الشديد، وذكريات الماضي، والكوابيس". هذا هو التأثير النفسي الأكثر شدة ودائمًا الذي قد يحدثه الزلزال على الفرد بعد نجاته.

اضطرابات تُشكل ملامح المرأة بعد الزلازل

أشارت د. هبة، إلى أكثر الاضطرابات التي تؤثر على الصحة النفسية للمرأة، وذلك على النحو التالي:

• اضطراب ما بعد الصدمة

يُعد اضطراب ما بعد الصدمة أكثر حالات الصحة العقلية شيوعًا بين الناجينات من الزلزال، وقد يستمر لمدة 10 سنوات من وقوع الكارثة؛ لا سيما بين ضحايا النساء اللواتي يُعانين من فُقدان دائم لأجزاء أجسامهن أوغيرها من الإعاقات الجسدية؛ لذا يجب أن يتم تزويدهن بفرق الدعم النفسي في أقرب وقت مُمكن، كذلك تزويدهن بأفضل دعم لصحتهن العقلية.

• اضطراب الاكتئاب الرئيسي

ترتبط الإصابة بالاكتئاب ارتباطًا وثيقًا بأحداث الزلازل؛ إذ سجلت إحدى الدراسات أن الناجين وخصوصا من النساء اللواتي فقدن أقاربهن خلال الزلزال هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب بشكل مضاعف مقارنةً مع أولئك الذين لم يتعرضوا للزلزال.

• اضطراب القلق العام

إن  اضطراب القلق العام واحد من الاضطرابات التي تنتشر بعد وقوع كارثة الهزة الأرضية، ولاسيما المشاهد المروعة التي تعيشها النساء بعد الزلازل؛ إذ تبُث فيهن شعور الرعب والهلع، ما يترتب على الجهات المُختصة فحص القلق العام بعد الكوارث، بالإضافة إلى توفير الدعم للمساعدة على التخفيف من انتشار تأثيرات القلق بعد وقوع الكوارث

• اضطرابات أخرى

يُمكن أن تُعاني النساء وخصوصًا الناجيات من الزلازل من اضطرابات نفسية أخرى مثل: اضطراب الوسواس القهري، بالإضافة إلى الرهاب الاجتماعي؛ إذ لا يمكن أن نضمن ردة الفعل النفسية التي يُمكن أن تكون لديهن، وكذلك لا يُمكن تعميمها.  فهناك عوامل عديدة تؤثرعلى كيفية تأثر المرأة بالزلزال؛ وهي كالآتي: " البعد المادي عن موقع الزلزال. ثقافتها وكيف تفهمها معنى الصحة العقلية.  كيفية تلقيها الدعم الحقيقي من العائلة والأصدقاء والمجتمع".

نصائح للمرأة للتعافي من صدمة الزلازل

أكدت د. هبة، أن لا غنى عن مراجعة المرأة الأخصائي النفسي؛ بعد تأكدها من إصابتها باضطرابات نفسية مُتفاوتة لا تستطيع التعامل معها أو السيطرة عليها. لكن بشكل عام هُناك عدة خطوات يُمكنك اتخاذها للتعاملين مع صدمة الزلازل التي ربما تعرضّتِ لها بشكل مباشر أو غير مُباشر، وهي كالتالي:

• امنحى نفسك الوقت الكافي

من المتوقع أن يكون هذا وقتاً صعباً في حياتك، تقبّلى حزنك وعبرى عنه بالطريقة المُناسبة لك، اسمحى لنفسك بالحزن على الخسائر التي مررتِ بها، وحاولى أن تتحلى بالصبر مع التغييرات التي تنتاب حالتك العاطفية.

• اطلبى الدعم

يُمكنك طلب الدعم من الأشخاص الذين يهتمون بكِ، والذين سيستمعون ويتعاطفون مع وضعكِ؛ إن الدعم الاجتماعي هو عنصر أساسي للتعافي من الكوارث، تواصلى مع أولئك الذين نجوا من الحادثة، فقد يكون ذلك عاملًا مساعدًا لتفهّم الأمر.

• انقلى تجربتك

عبرى عما تشعرين به بأي طريقة تُشعرك بالراحة والهدوء، فقد يُساهم التعبير عما مررتِ به في تقليل العبء الذي تحملتينه.

• شاركي مجموعة دعم محلية

إن مشاركتك لمجموعات الدعم المحلية مهم جدًا، خصوصًا عندما تقودك تلك المجموعات ومن تشملهم من ذوي الخبرة في الصحة النفسية، إلى المناقشات الجماعية التي قد تُساعدك على إدراك أنكِ لستِ  الوحيدة في ردود أفعالك وعواطفك.

رؤية مستقبلية لتعزيز قدرات المرأة وثقتّها بنفسها بعد صدمة الزلازل

تنصح د. هبة، كل امرأة بشكل عام إلى اتباع النصائح السالفة الذكر، وكذلك الإرشادات التالية، لتعزيز رؤيتها المستقبلية لذاتها مهما كانت الصعوبات والظروف التي تمر بها بعد تعرضها أو تأثرها بصدمة الزلازل بصفة عامة، وذلك على النحو التالي:

• انخرطى في سلوكيات صحية لتعزيز قدرتك على التعامل مع الإجهاد المفرط. 
• تناولى وجبات متوازنة واحصلي على قسط وافر من الراحة.
• إذا كنتِ تواجهين صعوبات مستمرة في النوم، فيمكنكِ الحصول على بعض الراحة من خلال تقنيات الاسترخاء. 
• قومى بوضع خطة مُحكمة لبناء روتين لإيجابي في حياتك، وذلك لتجاوز الأوقات الصعبة والأزمات النفسية التي تمرين بها بعد صدمة الزلازل. على سبيل المثال:  مارسي هواياتك المُفضلة بشكل منتظم سواءً المشي أو قراءة كتاب أو الرسم أو سماع الموسيقى أو أي أنشطة اجتماعية تُعيد طاقتك الإيجابية وترمم آثار آلامك ما بعد الزلازل.