موعد مع الجمال

كل صباح في "مملكة الجمال" أستمع إلى قصة جديدة، لكل واحدة حكاية تختلف عن الأخرى، ولكل واحد طموح يعني له الكثير، الجميع مرتبط بتاريخ، وماضٍ، وتراكمات إن لم تكن مشكلات. الكل يرى نفسه لوحة تشكيلية تبحث عن فنان، هذا ما تنطقه الحواس والأحاسيس التي تثيرها الأشياء الخارجية.
 
الكل ينظر إلى نفسه كلوحة تشكيلية تبحث عن فنان، ويجتهد في توظيف الجمال الجسدي بأكمله، بتفاصيله، بمحتوياته، باعتراف أو من دون اعتراف، فأقسى أسباب الاكتئاب هو غياب الصدى عن الإنسان، وهو عندما يحس الإنسان بضجيج الالتزامات الحياتية، ولا يسمع أصداء حسه ورنينه، والمظهر الخارجي هو صورة الحس الداخلي، فأقسى لحظات الإنسان عندما يحس بأنه أقل قيمة من غيره، وهو ما قد يولد نوعا من محاربة النفس وعدم وجود الثقة، صورة ذاتية ضعيفة تجعله مرتدا عن إيمانه عن صورته الحقيقية، وهذا ما نقوم به كل يوم في إدارة طب الجمال، وهو دعم الذات، وتلبية حاجات هؤلاء البشر التي ولدت معهم بالفطرة دون أن يعلموا، إنه غذاء الذات المرتبط بكل معطيات الحب، حب الحياة، حب الناس، حب التطوير والبحث عن السعادة، فنحن متفقون بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن حب الإنسان لذاته يحميه من الاضطرابات النفسية ويحميه من الإصابة بأمراض القلب وتوابعها.
 
وهكذا كل يوم ينتهي العمل في المستشفى، بانتهاء ماراثون البحث عن الجمال دون إعلان الفائز، فالجميع يستحق الفوز دون منافسة، الجميع يتوج بتاج الشباب، يغادرون من دون دواء، يغادرون وهم يحملون العلاج في أجسادهم ذاتها بعد انتهاء الموعد مع الجمال، وليس مع لقاء الطبيب الذي يكاد يكون صندوقا مريحا لجميع حكاياتهم، الطبيب الذي يرونه يحمل في مهنته ريشة فنان، فيرسم كل ما تفسره أحلامهم الواقعية واللاواقعية بألوان أو من دون ألوان. معيار عالٍ من الثقة، كم هو جميل هذا النجاح. 
 
يغادرون وهم محاطون بمشاعر ملهمة، كالعاشق الجديد، إذ يغير الجمال مزاجهم العام وحالتهم النفسية للإيجابية بكل معاييرها بكامل الثقة، ويشعر كل من الرجل والمرأة بأنهم مرغوب فيهم، ويتمتعون بعطاء الحب. يا لها من علاقة جميلة وخاصة جدا بين الإنسان وذاته، بين روحه وجسده، بين مشاعره وملامحه، عناصر متصلة في مجموعة واحدة هي مجموعة إنسان.
 
لو كان هنالك حارس على عقرب الساعة لعرفنا كم حدث يلازمنا في كل ساعة، سواء كنا في مرحلة الواقع أو اللاواقع، فكلاهما متصل في أحداث اليوم الواحد. وأكثر ما يميز كل هذه الأحداث هو نحن في كل المجالات، في السعادة والحزن، في كل اللقاءات وكل الطقوس، لأننا لا نستطيع التجرد من أجسادنا التي من دونها لا نستطيع أن نكون، لذلك لا بد بين الحين والآخر أن يكون لنا موعد مع الجمال.
 
الدكتورة جيهان عبد القادر
الرئيسة التنفيذية 
لمستشفى الأكاديمية الأمريكية للجراحة التجميلية بدبي