سرطان البروستات... وجع عائلي صامت

إذا كنا نعتقد، بل ونؤمن، أن المرأة ذات قدرة لا نهائية على تحمل الآلام والصعاب بجَلَدٍ عجيب، فإننا كذلك يجب ألّا ننسى ما يمكن أن يكابده الرجل ويتحمله في صمت ودون إزعاج، من هذه الآلام الخفية سرطان البروستات، وعندما يصاب رب البيت بهذا المرض اللعين، فإن هذا يعني أن الأسرة كلها ستعاني، وليس هو فقط.
 
ما هو سرطان البروستات؟
تقبع هذه الغدة الصغير أسفل البطن، خلف المثانة وأمام فتحة الشرج، ورغم حجمها الصغير الذي لا يتجاوز حبة الجوز، فإنها تمثل أهمية كبيرة في حياة الرجل، فهي المسئولة عن إنتاج الحيوانات المنوية وإفراز العديد من الهرمونات الذكورية في الجسم، ومن هنا تظهر المشكلة، فمع صغر حجم الغدة واختفائها بين أجهزة أخرى، يصعب جداً اكتشاف إصابتها بالسرطان في مرحلة مبكرة، فلا يظهر المرض إلا بعد انتشاره في أجزاء أخرى من الجسم مثل العظام والعقد الليمفاوية، ويحتل سرطان البروستات المركز السادس عالمياً بين السرطانات المسببة للوفاة، بينما يحتل في الولايات المتحدة المركز الثاني مباشرة، وتتزايد نسبة الإصابة به بعد سن الخمسين، وتصل إلى معدلات مرعبة بعد السبعين، أما الأعراض الواضحة للمرض فهي صعوبة التبول، التبول الدموي، وضعف الانتصاب، كذلك يرتبط سرطان البروستات بآلام العظام، خاصة الظهر والفقرات.
 
كيفية الكشف عن سرطان البروستات
كما أسلفنا، فإن مشكلة اكتشاف المرض تكون دوماً في المراحل الأولى، إلى جانب أن محاولات الكشف عنه قد تشكل خطورة في حد ذاتها، لدرجة أن هيئة الخدمات الوقائية الأمريكية United States Preventive Services Task Force قد أوصت عام 2012 بعدم استخدام اختبار المستضد الخاص "الانتيجين" PSA test وذلك بسبب مخاوف في الإفراط في التشخيص و العلاج مع كون معظم حالات سرطان البروستات بدون أعراض، معتبرة أن الفائدة المتوقعة من ذلك الاختبار لا تفوق المخاطر المحتملة، وعلى اعتبار أن كل حالة لها خصوصيتها ودرجة خطورتها، ويجب أن يتم توجيه العلاج تبعاً لذلك، وبناء على رأي الطبيب.
 
أسباب سرطان البروستات
لا يمكن حصر أسباب سرطان البروستات في نقاط محددة حتى الآن، فهناك أسباب جينية ترجع للتاريخ العائلي المرضي، وأسباب غذائية، وأخرى جنسية، إلى جانب احتمالات التأثر بالعدوى الفيروسية في بعض الحالات، والأعراض الجانبية الناتجة عن التعرض لبعض أنواع العلاجات الأخرى والأشعات المختلفة.
 
العوامل الوراثية:
وتعتبر العوامل الوراثية (الجينية) من أهم أسباب الإصابة، ويظهر ذلك بوضوح في إصابة أفراد الأسرة الواحدة من الدرجة الأولى أو الثانية، مثل الأب والأخ، ويعتبر الأخوة تحديداً معياراً مهماً جداً، فقد لا يظهر المرض عند الأب، ولكن ظهوره عند أحد الأخوة أو أكثر يعد دليلاً على زيادة احتمالات الإصابة لباقي الأخوة.
 
التغذية:
لم يثبت بشكل قاطع علاقة بعض أنواع الأطعمة والفاكهة والخضروات بسرطان البروستات، لكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى ذلك، فمثلاً هناك اعتقاد كبير بأن اللحوم الحمراء والمصنعة لها تأثير مباشر على زيادة احتمالات الإصابة بالمرض، كذلك فإن نقص فيتامين D في الجسم من العوامل شديدة التأثير، والغريب أن الفيتامينات عموماً متهمة بضلوعها في هذا الأمر، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن تناول الفيتامينات (وتحديداً حمض الفوليك) بمعدل يزيد عن سبع مرات في الأسبوع يزيد من خطر الإصابة.
 
العوامل الجنسية:
تظهر بعض الدراسات أن تعدد العلاقات الجنسية في بداية حياة الرجل، يكون لها تأثير مباشر في زيادة احتمالات الإصابة بالمرض، وأن بعض الأمراض التي تنتقل بسبب الممارسة الجنسية، يكون لها تأثير فيما بعد على ظهور المرض، إلا أن هذا لم يتم تأكيده، خاصة مع فكرة تأخر ظهور المرض لما بعد سن الخمسين، حيث لم يبدُ الرابط واضحاً أو مؤكداً.
 
تشخيص المرض
حتى الآن لم يثبت أي نوع من أنواع الفحص قدرته على تشخيص المرض بشكل واضح، باستثناء فحص الخزعة Biopsy، وهو عبارة عن أخذ عينات صغيرة من الغدة نفسها لفحصها مجهرياً، وهو إجراء أليم بالتأكيد، إلا أن بعض العلماء مثل البوفيسور هاردي باندا رئيس مشروع البروستات وأستاذ علم المسالك البولية في كلية الدراسات العليا الطبية بجامعة سري البريطانية University of Surrey، أكد أنه يمكن تشخيص المرض عن طريق استكشاف وجود بروتين إنجرايلد-2 أو "Engrailed-2" (EN2) في عينة البول، وهو فحص دقيق بدرجة كبيرة، ويؤدي إلى نتائج شبه موثوقة.
 
الوقاية
مثل كل الأمراض، يمكن تجنب سرطان البروستات عن طريق الالتزام بنظام حياتي منضبط يسير على قواعد علمية، تشمل التغذية والحياة الجنسية الطبيعية، كما أن هناك بعض الأدوية التي قد تساعد في إبعاد شبح الإصابة، إلا أنها جميعاً لا زالت قيد الفحص.
 
بالنسبة للتغذية، أكدت كثير من الدراسات وجود علاقة مباشرة بين سوء التغذية وتزايد احتمالات الإصابة، وأشارت إلى وجود علاقة مباشرة – أو شبه مباشرة – بين الدهون المشبعة واللحوم الحمراء والمصنعة والكحول والمشروبات السكرية، وبين الإصابة بالمرض، كما نفت هذه الدراسات احتمال وجود علاقة بين الخضروات تحديداً والدهون غير المشبعة وزيت أوميغا 3 وبين هذا المرض، بل وأشارت بعضها إلى احتمال تقليل نصبة الإصابة به إذا اعتمد الشخص على الطعام النباتي والأسماك.
 
كذلك فإن الحياة الجنسية المنتظمة والطبيعية، تساعد في إبعاد هذا الشبح، وتنصح كثير من الدراسات بضرورة القذف بمعل 3 – 5 مرات أسبوعياً، وبداية من سن مبكرة، لضمان سلامة البروستات.
 
العلاج
تظل مشكلة علاج سرطان البروستات أمراً معقداً ويحتاج إلى كثير من الحسابات، حيث يعتمد على المفاضلة بين حالة المريض قبل العلاج واحتمالات تطورها، وبين الآثار الجانبية الكبيرة للعلاج التي تؤدي إلى تغييرات جذرية في حياة المريض، مثل إصابته بسلس البول، أو عدم القدرة على الانتصاب، كذلك يتوقف الأمر على عمر المريض ودرجة تطور الحالة لديه، حيث أنه من المعروف أن سرطان البروستات يتطور ببطء، فيفضل في بعض الأحيان ترك المريض دون علاج، اعتماداً على السن الكبيرة له، وعدم قدرته على تحمل تبعات العلاج.
 
أما عملية استئصال البروستات، فهي تعتبر عملية صعبة فنياً، وربما غير ممكنة، كما أن الآثار الجانبية لها في حالة إجرائها، قد تكون غير محتملة، لذلك فهي عادة لا تطرح كحل عملي.