"حراس المجرة" لصوص لكن ظرفاء

عماد عبد الرازق 
أفلام الخيال العلمي لا تنحو بطبيعتها نحو الكوميديا لأنها في الأغلب الأعم تدور في المستقبل القريب أو البعيد. والمستقبل عادة ما يكون مفعما بالدهشة والإبهار جراء إطلاق العنان للخيال الجامح الذي يرسم لنا صورة ما عساه تكون عليه حياتنا في المستقبل. هذه الخصائص المستقبلية تبدو في تناقض مع طبيعة الكوميديا التي تتعامل مع الواقع الحالي وتناقضاته وتبرزها وتتلاعب بها لتنتزع الضحكات. 
 
' حراس المجرة Guardians of The Galaxy'، وعلى غير العادة فيلم يجمع بين الاثنين. فأحداث الفيلم تدور في عالم مستقبلي ما بين المجرات ( ومن بينها مجرتنا ' درب التبانة' العزيزة التي تنتمي لها مجموعتنا الشمسية) يقع على بعد آلاف السنوات الضوئية. لكن شخصيات الفيلم الرئيسية تبدو على غرابتها ونشازها عن كل ما هو مألوف في منتهى الواقعية في سلوكياتها ودوافعها وتناقضها وشجارها الذي لا ينتهي. وكل هذا يصنع مزيجا كوميديا شيقا يخفف من وطأة العنف والمعارك الضروس التي تدور بين أشرار الفيلم وأخياره، ومسرحها الكون الشاسع بين المجرات والكواكب التي لم نسمع عنها من قبل ( احد الكواكب المجهولة النائية اسمه ' لا مكان Nowhere'). يتنقلون بين جنباته الفسيحة في مركبات فضائية صغيرة ( اصغر من اصغر سيارة على كوكبنا ربما في حجم التوكتوك) تنطلق بأسرع من الضوء، ويستخدمون أسلحة فتاكة بدءا من قاذفات اللهب التي تبيد البشر في ثوان وليس انتهاء بالنصال والسكاكين وبعضهم يجيد استخدامها ببراعة.
 
  
أبطال الفيلم ليسوا أبطالا بالمفهوم التقليدي للبطولة. هم في الحقيقة ليسوا أبطالا بل ما اصطلح على تسميته ' البطل الضد Anti-Hero'أو نقيض البطل.  فهم مجموعة من الخارجين عن القانون مع اختلاف تراتبهم في عالم الأجرام حسب سجلاتهم المشينة. هم أشرار بدرجة أو بأخرى لكنهم طيبون. يمكن أن نقول ' لصوص لكن ظرفاء' على طريقة ' اللص الظريف أرسين لوبين' بطل روايات الفرنسي ' موريس لبلان'. ويمكن أيضاً أن يكونوا أشرارا على طريقة ' روبن هوود' البطل الأسطوري الانجليزي الشهير أو اللص الشريف الذي يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء.
 
بطل الفيلم، أو الشخصية الرئيسية هو ' بيتر كويل' ( كريس برات) لص محترف أو كما يقدم نفسه حين يقبض عليه لأول مرة ' انا ستار-لورد، اللص الشهير. ألا تعرفني؟). ' بيتر' هو اقرب الشخصيات لنا نحن البشر والسبب ببساطة انه من كوكب الأرض. وحكايته باختصار نراها في المشهد الافتتاحي للفيلم حيث أمه ترقد على فراش الموت والعائلة تلتف حولها وحين يتم استدعاء الطفل بيتر ابن العاشرة لإلقاء نظرة الوداع عليها تسلمه هدية توصيه ألا يفتحها إلا بعد رحيلها وتطلب منه أن يمسك يدها  للمرة الأخيرة لكنه ينهار من شدة التأثر قبل أن يهرع للخارج باكيا ومنهارا في الخارج . في غضون ثوان تهبط مركبة فضائية عملاقة ترسل شعاعا يختطف بيتر إلى المجهول. 
 
أحلام اللصوص الطيبون
 
هانحن بعد نحو ستة وعشرين عاما نلتقي ' بيتر' وقد رباه كبير اللصوص الذي اختطفه ' يوندو' ( مايكل رووكر) ليصير لصا محترفا طبقت سمعته الآفاق. يسير ' بيتر' على كوكب ' موراغ' منتشيا وراقصا على أنغام موسيقية من الثمانينات تنبعث من ' ووكمان' الذي أهدته إياه أمه قبل وفاتها، وهو يبحث عن شئ غامض اسمه ' أورب Orb' عبارة عن كرة معدنية صغيرة تحمل يداخلها جوهرة  الخلود أو الأبدية   Infinity Stone'. ويعثر عليها في نفس اللحظة التي يضبطه ' كوراث' ( ديجمون هونسو) ورجاله الذين يعملون لصالح ' رونان المتهم Ronan the Accuser' ( لي بيس)، شرير الفيلم الذي يرتدي خوذة تغطي معظم وجهه الذي لا يظهر منه سوى العينان الداكنتان ( هو اقرب إلى شخصية ' دارت فيدر' في سلسلة أفلام ' حرب النجوم') ويحاولون القبض عليه لكنه ينجح بالفرار. حين يخبر ' كوراث' سيده ان ' بيتر' فر بجوهرة الخلود يقرر ' رونان' إرسال ' نيبولا' ( كارين جيلان) لاغتياله. لكن ' غامورا' ( زويي سالدانا، افضل ممثلة في الفيلم بلا منازع)، ترى في ذلك فرصة ذهبية فتقرر البحث عن ' بيتر' وأحضاره لتفوز بالمكافأة التي رصدها ' رونان' لرأسه.  ' غامورا' شريرة رغم انفها فقد رباها أبوها ' ثانوس' الزعيم الأكبر لرونان،  لتكون محاربة وقاتلة لكن جوهرها طيب ( وقلبها ابيض).
 
 تتحالف هى مع ' ذا غرووت The Groot' وهو شخصية غرائبية عبارة عن شجرة عملاقة لكنها يملك بعض القوى الخارقة فيمكنه ان ينمي اى جزء من جسده إذا بتر وله أطراف تستطيل لتلتف وتعتصر خصومه أو يشكل درعا لحماية أصدقائه. ' ذا غرووت' الشجرة ( الأداء الصوتي للمثل فن ديزل)  يأتي بصحبة رفيقه الدائم  ' روكيت Ricket'، هذا أظرف شخصيات الفيلم الغرائبية. هو عبارة عن . راكوون Racoon' ( حيوان من القوارض معروف بذاكرته القوية التي تمكنه من التعلم من تجاربه وتذكرها حتى ثلاث سنوات مضت). ' روكيت' هذا فصيح جداً وساخر يتهكم على الجميع، ويجمع بين دهاء ومكر الثعلب ( بل وملامحه) وحيله الشريرة. وهو الوحيد الذي يفهم لغة ' غرووت' رغم انه لا ينطق إلا كلمة واحدة طوال الفيلم ' أنا غرووت'.
 
 الثلاثة تجمعهم الرغبة في الفوز بالمكافأة السخية أو بالجوهرة ذاتها التي تساوي بلايين ' الوحدات'، العملة المستخدمة على كوكب ' موراغ'.  وهم لذلك يجدون في اثر ' بيتر' أقربهم جميعا لتحقيق حلم الثراء السريع، انه الحلم الذي يراودنا جميعا ويراوغنا جميعا إلا قليلين جداً منا. إلى جانب هؤلاء يتلقى ' بيتر' اتصالا من ' بوندو' سيده الذي اختطفه وعلمه السرقة ويطلب منه إحضار جوهرة الخلود لكنه يرفض ويقر ان يبيعها لحسابه.  سرعان ما تنهار أحلام الرباعي المتنافر جدا حين يقبض عليهم الأربعة بواسطة شرطة الحكومة المركزية في ' نوفا' مركز القيادة في المجرة ويقتادون إلى سجن يضم عتاة المجرمين وجميعهم يريدون الفتك ب ' غامورا' لأنها ابنة ' ثانوس'. الذي ألقى بهم في هذا السجن. 
 
من بين هؤلاء دراكس المدمر Drax the Destroyer '، ( ديف بوتيستا) وهو رجل ضخم الجثة، مفتول العضلات يكتسي جسده باللون الأحمر كما لو كانت الدماء تشف من داخل عروقه وشرايينه، وهو في حالة غضب دائم بسبب مقتل زوجته وأولاده على يد ' رونان' ولذا يود الانتقام منه في شخص ' غامورا'. تدفع أجواء السجن المرعبة هؤلاء الأربعة لعقد تحالف تكتيكي من اجل الهروب من السجن وبالفعل تنجح خطتهم.
 
 وحين تجمعهم مركبة ' بيتر' يبدأ  تحالفهم في التشكل في خضم خلافات ومشاجرات ومماحكات لا تنتهي لكن سوء التفاهم يفسح الطريق أخيرا للتكاتف بينهم والاندماج في فريق واحد ذي هدف مشترك، دون ان يتخلى اي منهم عن طموحه الخاص أو رغباتهم ودوافعهم الأنانية الصغيرة كالطمع والجشع للاستحواذ على نصيب الأسد من الجائزة الكبرى.
 
 هذه الجوانب العاطفية التي يبرزها المخرج ' جيمس غن' الذي شارك في كتابة السيناريو، تمنح الشخصيات بعدا دراميا أعمق من مظهرها السطحي وتمكن الممثلين من بث الحياة فيها ومن ثم تكسب تعاطف المشاهد معها. 
 
حراس المجرة ينقذون العالم 
 
المعركة الفاصلة التي يتمحور حولها الفيلم ارتسمت خطوطها الآن بين فريق اللصوص الظرفاء وحفنة الأشرار التي تسعى لتدمير المجرة وإفناء سكانها.  لم يكن إنقاذ المجرة هدفا لفريق اللصوص هؤلاء أصلا فكل منهم دخل التحالف طمعا في الثروة أو رغبة في الانتقام لكنهم يتحولون تدريجيا بفعل الأحداث وربما استجابة لذلك الجزء الشريف الذي لم يتلوث بداخلهم بعد. ( الم نقل أنهم لصوص طيبون). لكن المشكلة التي يعاني منها الفيلم ان هذا التحول يتم عبر الكثير من الأحداث المتداخلة بتفاصيلها، وخطوط درامية ثانوية تتقاطع مع الخط الرئيسي، ويخوض خلالها ' أنصاف الأبطال' هؤلاء معارك مهولة تارة مع ' رونان' وعصابته المصممين على تدمير المجرة، ومن وراءهم ' ثانوس' المسخ الشرير الذي لا نرى سوى وجهه الضخم القبيح. وتارة مع عائلة ' بيتر' بالتبني التي اختطفته بزعامة ' بوندو' الذي يسعى لنيل الجوهرة بدوره. وبين هؤلاء وأولئك نجد منشقين ومتمردين من هذا الفريق أو ذاك كل يسعى لاقتناص الفرصة ولو أدى ذلك إلى هلاك الآخرين.
 
 ازدحام قصة الفيلم بتلك التفاصيل والخطوط الثانوية يجعله يبدو وكأنه موجه أصلا إلى جمهور  تلك السلاسل المطبوعة المصورة التي كانت تصدرها مؤسسة ' مارفل Marvel' منتجة الأفلام. كما ان شخصيات أبطال الفيلم ليست على نفس القدر من الشهرة والشعبية التي يحظى بها الأبطال الخارقون الذين ينقذون العالم في كل مرة من الأشرار وفي مقدمتهم سوبرمان، وباتمان، وسبايدرمان، وكابتن أميركا، والرجل الحديدي، والرجل الأخضر و ' ثور Thor'، إلى اخر هذه الكوكبة التي التقينا بها في أفلام ' المنتقمون The Avengers'. حتى الممثلين والممثلات أبطال وبطلات ' حراس المجرة' ليسوا من مشاهير نجوم هوليوود باستثناء ' برادلي كوبر' و ' فن ديزل'، و ' بنثيو ديل تورو' ( جامع التحف) و ' غلن كلوز' زعيمة ' نوفا'. ورغم كل ذلك فان ما يشفع للفيلم وجعله يتصدر إيرادات شباك التذاكر في أسابيعه الاولى هو براعة رسم هذه الشخصيات ونجاح الممثلين والممثلات في دفقها بالحياة والصدق والجاذبية. 
فلننتظر الجزء الثاني الذي أعلنت عنه ' مارفل' في 2017.