سويسرا بلد الجمال

إعداد : منى سعود سراج
تصوير: جميل أزهر
 
الفن والإبداع وسحر الطبيعة، خصوصية المكان ووله الزمان ولحظاته، وكل ما تمتلكه عاصمتها من مقومات أهلتها لتكون إحدى أهم الوجهات السياحية والنخبوية على مستوى العالم، وبخاصة للباحثين عن الرفاهية، ومحبي الفخامة والتعرف إلى كل مبتكر ومثير، فضلا عن أنها مقر لعديد من المنظمات الدولية، ومحط اللقاءات الدولية والسياسية والاقتصادية، وبالتأكيد الإنسانية والمجتمعية، ففيها عقدت أهم المعاهدات الدولية، لتستحق بذلك لقب "عاصمة السلام".
 
إلى أقصى جنوب غربي سويسرا عبر رحلة فريدة إلى جنيف، استمتعنا بخدمات طيران الاتحاد، الذي يظل دوما في صراع وتسارع لتقديم أرقى الخدمات رفاهية لراغبي هذا النوع من الزيارات والرحلات، وأحيانا إنجاز الأعمال والمهام الصعبة في وقت محدد، من خلال شراكاته مع العديد من الجهات، بالحس والهدف نفسيهما، فكان فندق "ماندرين أوريانتال" Mandarin Oriental إحداها، الذي يمنح ساكنيه فرصا متعددة وقيمة بدءا بإقامتهم المريحة وحساب أميال لدى الطيران، ولا تنتهي عند ولوج أحد أهم مصانع ودور الساعات، أو لقاء مبتكريها والجلوس معهم، وترتيبات خاصة للقاء مصممي الأزياء ورواد الموضة والابتكارات والفنانين العالميين.
 
أنا و"هي" كنا متأهبتين وبتشوق لهذه الرحلة، وفي جعبتنا كثير من التفاصيل والتخيلات والصور، التي وددنا رؤيتها وتلمسها.
 
بعد رحلة مريحة للغاية على متن درجة رجال الأعمال، ووسط الاهتمام والدلال من قبل طاقم الطائرة، كان توقيت وصولنا فجرا، وطوال رحلتنا كنت مصرة على متابعة حالة الطقس الجوية، خاصة أن قدومي من مدينة الرياض في وقت لم يكن لفصل الشتاء من بوادر واضحة تمهد لي الانتقال إلى صقيع جنيف، ففي هذه الأوقات من السنة، ومع انتظار العالم قدوم العام الجديد، تكتسي سفوح جبال الألب والمرتفعات في سويسرا الأبيض، وتبدأ الرحلات الثلجية لعمل التزلج، أحد أهم الأنشطة هناك، لكن لم يكن هذا ما ذهبت إليه هذه المرة، فقد نظم فريق العمل في فندق Mandarin Oriental رحلة مختلفة، علي أن أنجزها خلال 4 أيام بالتمام والكمال، رحلة لها من طابع مجلة "هي" كثير، وكان لنا ما أردنا، بل إن إقامتي في الفندق أكسبتني المزيد من الأميال.
 
دفء المكان
الجو بارد، والسويسريون مازالوا نائمين. أما أنا فما إن وصلت إلى الفندق، وكلي لهفة لدفء المكان، انتظرتني كل أنواع المشروبات الساخنة لأغط من كوب لآخر.
 
لحظات وبدأت الشمس تشرق، ومن نافذتي المطلة على نهر الرون الراقي، الذي تقبع خلفه أحد أهم وأشهر بيوت الساعات والبنوك المركزية والمحلية، بدأت حركة السير تزدحم، وبدأ السويسريون يومهم في تمام الساعة 7 صباحا.
 
اخترت التجول الفردي قبل انضمامي إلى جدول الزيارات المخصصة وفق الاتفاق بين طيران الاتحاد والفندق، فهما اللذان أعدا جولة سياحية مدللة مترفة وفخمة، لهذا قررت أن آخذ حقيبتي وكاميرتي ومعطفي لأنطلق في شوارع وأزقة المناطق المحيطة بهذا الفندق المركزي.
 
وطالما أنها جولة فردية كان علي أن أذهب إلى حيث أهوى، فاخترت الحي القديم الذي لا يبعد عن الفندق سوى 10 دقائق سيرا على الأقدام، وبسهولة وصلت إلى هناك، لأجد هذا الحي العريق المليء بالمباني التاريخية منذ القرون الوسطى، والشوارع الضيقة، وتجلس هناك إحدى أهم الكاتدرائيات المسماة "سان بيير" العريقة، فهي أثر تراثي قديم شاهد على تاريخ المنطقة منذ قرون، فكان لا بد من المرور عليه.
 
هناك في الحي القديم تترامى أعداد كبيرة من الغاليرهات المتخصصة في الأنتيك والقطع الثمينة والأثرية، من تحف وبورتريهات تتجاوز أعمارها الـ100 سنة، وتوجد بينها بعض المعارض والصالات الفنية الصغيرة التي تخصص أيامها لعرض لوحات ومنحوتات فناني سويسرا والعالم.
 
سِحر «جنيفا» وطعم الفوندو
في قلب سويسرا، التي هي قلب أوروبا، كما يحلو لعشاقها تلقيبها، توجد بحيرة «جنيفا» الساحرة، التي ليس باستطاعة محبي الطبيعة إغفالها أو نسيان الجلوس بقربها، أو ـ وهو الغالب ـ استئجار قارب للرحلات البحرية المتخصصة، ففي هذه الرحلة يمكنك استيعاب موقع هذه المدينة الفريد الذي تحيط به أهم دول العالم، لترى الجبال وقممها البيضاء، وأهمها جبل «مون بلان».
 
ليس من السهل أن تمر الليلة الأولى في سويسرا من دون تجربة الأكل السويسري الأهم «الفوندو»، وهو عبارة عن كميات من الجبن السويسري السائح، الذي يحتم عليك تغطيس قطع الخبر الفرنسي أو البطاطس المسلوقة أو الفطر البري بداخله، لتنقلك هذه العملية إلى المذاق السخي للجبن، وأخبرتني صديقتي السويسرية أن هذه الوجبة من أكثر الوجبات دسامة، لذلك هي لا تفضل تناولها إلا مرة واحدة في الشهر. وعند سؤالي عن المطعم الأهم، كان للمصادفة في المدينة القديمة نفسها، فاتجهت نحوه فورا، فـLes Armures يعد أحد أهم وأعرق المطاعم المتخصصة في الأكل السويسري. وقبل أن أختار«فوندو الجبن»، اخترت من المقبلات لحم الغزال المقدد، وسلطة الروكا، فكان المذاق ساحرا.
 
مدينة واحدة ووجهات متعددة
وصولك إلى جنيف يريحك نفسيا، فبإمكانك التفكير جديا في زيارة 4 مدن أخرى في اليوم نفسه، بل وخلال ساعات قليلة بالقطار أو السيارة، وهنالك من يفضل استئجار مروحية سياحية تنقله فوق المرتفعات في رحلة لن ينساها أبدا.
 
«كاروج» نبض سويسرا
كاروج كل الأنامل تشير إليها، فهي مالكة العقول وآسرة القلوب، ما من أحد إلا وينصحُك بزيارتها وبألا تفوت الفرصة ومشاهدة الحرفيين، فحالفني الحظ وتمكنت من اقتناص الوقت والتوجه إلى هناك لأتعرف أكثر إلى ما يقدمه حرفيو سويسرا وفنانوها ليبيعوه في بسطات الشوارع وداخل ما يشبه سوق الأحد وغيره، إضافة إلى العديد من البوتيكات والمقاهي المترامية التي تمنحك الراحة والبساطة والوقوف عن كثب على عبق التراث والحس السويسري الممزوج بالروح بالفرنسية والإيطالية.
 
تآلف الأفواه والعشاق
سويسرا كما تناغم حروفها ينقلك حلما أو خيالا أو واقعا مذاق ما تنتجه من شوكولاته، ما أثار حواسي ودفعني إلى زيارة أحد أهم مصانع الشوكولاته السويسرية، محل Philippe-Pascoet الواقع بشارع كاروج، ورغم صغر حجمه إلا أننا اكتشفنا أنه يمد أهم وأفخم فنادق ومنتجعات سويسرا، بل ويصدر كميات كبيرة منها إلى المملكة العربية السعودية، فاستمتعت شخصيا بصنع قوالب الشوكولاته بخاماتها المنوعة، والتقيت بصاحب العلامة التجارية نفسه الذي قدم خلال ساعة تفاصيل العمل وآليته بدءا بتاريخ الكاكاو حتى ذوبانها داخل أفواه عاشقيها.
 
لا تتيحها لك إلا سويسرا
مجرد لفظها .. سويسرا .. يجعلك تتحسس يدك ولو تمنيا إلى ساعاتها .. وبالتناسق نفسه وانتظام الدقة «تك .. تك .. تك» وبالإيقاع ذاته توجهت إلى صانعي عقارب الساعات العالمية، زيارة لا تتيحها لك إلا سويسرا. وعلى الموعد مع أحد أهم مبتكري ومصممي الساعات السويسرية الفاخرة ذات التكنيك العالي من ماركة "هوبلت" Hublot، وفي جولة كالحلم امتدت لأكثر من ساعة تابعت فيها تاريخ الساعة وتفاصيل العمل وفريقه من العاملين والخبراء والتقنيين، الذين يعشقون عملهم بالدقة ذاتها. تنقلت بين الخامات من التيتانيوم والذهب والسيراميك حتى وصلت إلى محل عرضها ليقتنيها أحد الأثرياء الراغبين بالتفرد والتميز. وعلمت أن عام 1980 هو تاريخ ولادة Hublot، التي أُشتق اسمها من (نافذة السفينة أو المركب).
 
ثم توجهنا إلى شارع رو دو رون Rue du Rhone، الشارع الأغلى في سويسرا، ففيه أغلب محلات ماركات الساعات السويسرية التي تكملها قطع المجوهرات الثمينة. وفي هذا الشارع أيضا تبهرك الطريقة التي تتزين بها واجهات المحلات والذوق العالي الجذاب، لوضع أغلب أسماء الماركات العالمية الشهيرة، "كارتييه" Cartier، "باتك فيليب" Patek Philippe، "بولغاري" BVLGARI، "برونو ماجلي" Bruno Magli، "ديور" Dior، "غوتشي" Gucci.
 
تابعوا الموضوع كاملا في قسم السياحة في العدد 240.