دور التوازن الحمضي القاعدي في التغذية الصحية


التوازن الحمْضي القاعدي هو منظم أساسي، ليس للجسمِ الإنسانيِ فحسب، وإنما للطبيعة بوجه عام، فالتلوث والأمطار الحمضية والمواد الكيميائية في البيئة تحدث تأثيرا في التوازن الحمضي القاعدي العالمي بالطريقة نفسها التي يتم بها هذا التأثير عند الإنسان، حيث إن الأضرار التي تلحق بالغابات وموت الأشجار يرجع سببها، وبشكل جزئي، إلى التربة شديدة الحموضة.

وكما هو معروف لدى أي مزارع، لا يمكن جني محصول جيد من حقل ذي تربة "متحمضة" أو حمضية، وهذه الحقائق تعطي فكرة عن الطبيعة الشمولية للتوازن الحمضي القاعدي، والذي سنقوم في تحليلنا التالي بالتركيز على دوره في التغذية.

يمكننا الحصول على فكرة عن الأهمية الحيوية التي يتميز بها التوازن الحمضي القاعدي، من خلال ملاحظة طب الطوارئ، ففي أي حالة طبية طارئة، يتم فحص التوازن الحمضي القاعدي فورا، بداعي أن هناك حاجة لمتابعته والحفاظ عليه ضمن إطار ضيق، إذ إن كثرة الحموضة أو القاعدة لم تعد داعما للحياة، فالحموضة الزائدة "الحماض" acidosis تعد أخطر بكثير من فائض القاعدة "قلاء" Alkalosis، لهذا السبب قام الإنسان بتطوير العديد من الاستراتيجيات للحيلولة دون اكتساب الحموضة الزائدة، في حين لم يتخذ إلا إجراءات قليلة للوقاية ضد الحالة العكسية (أي فائض القاعدة)، لأن الحموضة المفرطة في الواقع هي ما يشكل الخطورة الكبرى بشكل فعلي.

يمكننا قياس العلاقة بين الأحماض والقلوية "القاعدية" alkalines بدرجة الحموضة PH، حيث نحصل على معدلات تتراوح ما بين 1 إلى 14، تحتل فيها قيمة الحموضة ما بين 1 و7، و تكون 7 درجة محايدة للحموضة، وتمثل الدرجة من 7 إلى 14 الجزء القلوي. يمكن قياس درجة الحموضة PH في جميع سوائل الجسم. ولإبقائها في حالة صحية جيدة، يجب أن تكون درجة الحموضة في الدم قلوية بعض الشيء (بنحو 4 إلى 7)، والشيء نفسه بالنسبة لخلايانا، والتي لا يمكننا قياسها بشكل مباشر، ومن ثم يصبح من الأفضل القيام بالفحص البولي.

على الرغم من أن طب الطوارئ قد نجح في اكتشاف ومعالجة هذه الحالات الحادة، إلا أنه من الصعب جدا ترجمة هذه الاكتشافات إلى حالات مزمنة ناجمة عن التغذية. لذا، وللشروع في مناقشة هذا الموضوع نحن بحاجة إلى استرجاع بعض الفرضيات الأساسية.

الأجهزة وتنظيم عملية التمثيل الغذائي الحمضي القاعدي: تعد المعدة، حيث يتم إفراز العصارة الهضمية، الجهاز الأساسي لعملية التمثيل الغذائي الحمضي القاعدي، ومن المنظور الكيميائي، فإن هذا الجهاز لا يمكنه إفراز حمض الهيدروكلوريك وحده دون الحاجة إلى إفراز بيكربونات الصوديوم المضاد له، وذلك بنسبة متلازمة، إنه تقاطب لا غنى عنه، فالمعدة تزود الجهاز الدموي ببيكربونات الصوديوم، وتنجز به وظائف مهمة. بحيث تتناوله الأعضاء الأساسية (basophile)، خاصة الكبد والبنكرياس والأمعاء الدقيقة، وغدة البروستاتا وغدد ثدي المرأة المرضعة، وإن الكثير من هذه الأعضاء تشكل جزءا من الجهاز الهضمي، ومهمتها الرئيسة هي إنتاج السوائل القلوية الهضمية أو الأساسية، وذلك لأن عملية الهضم داخل الأمعاء تتم على نحو أفضل في بيئة قلوية. والمواد التي تدخل في هذا التفاعل الكيميائي هي المياه، وحامض الكربونيك، والملح الشائع.

يعمل حمض الهيدروكلوريك على تهيئة الطعام المبتلع لعملية الهضم في الأمعاء الدقيقة. وفي الوقت نفسه، فإن الكثير من البكتريا والملوثات الغذائية الأخرى المتناولة مع الطعام يتم القضاء عليها في هذا الوسط الحمضي، ويكتسب حمض الهيدروكلوريك أهميته أيضا من استقلاب البروتين، لأنه يساعد على هضم البروتين، فبمجرد خلط خلاصة الطعام جيدا مع حمض الهيدروكلوريك، يتم توجيهها نحو الاثني عشر من خلال منفذ المعدة (البواب). تحدث عملية الانتقال من وسط شديد الحموضة في المعدة إلى بيئة ذات درجة عالية من القاعدة (القلوي) بسرعة، حيث لا تستغرق إلا مسافة قصيرة جدا، ويرجع ذلك إلى سوائل الجهاز الهضمي المنبعثة من الأمعاء والكبد والبنكرياس والصغيرة.

في الجزء العلوي من الاثني عشرِية، يلتقي حمض الهيدروكلوريك ثانية مع بيكربونات الصوديوم المضاد له فيتم التمازج، ليتسنى لنا مرة أخرى الحصول على المواد الأولية المكونة للتفاعل الوارد وصفه أعلاه، أي الملح الشائع وحمض الكربونيك والمياه، ويؤدي ذلك إلى توازن كيميائي مثالي، بمعنى أنه يتم تكوين هذه المواد مرة أخرى بالكميات نفسها التي كانت عليها بداية في المعدة، وبحيث لا يتبقى هناك لا تكافؤ حمضي ولا قاعدي، وهو ما يجعل بالتالي التمثيل الغذائي الحمضي القاعدي متوازنا