مسلسل التاج

الموسم الجديد من "The Crown".. نسخة شديدة الإنسانية من حياة العائلة المالكة البريطانية

رامي المتولي
28 نوفمبر 2023

منذ بداية عرض مسلسل The Crown فى عام 2016 لم ينقطع الجدل حوله، والسبب فى ذلك ما يتناوله من أحداث تتعلق بشخصيات واحدة من أعرق العائلات الملكية فى العالم وهي العائلة البريطانية الحاكمة، تحديدًا أكثر ملوكها شهرة وشعبية وهي الملكة إليزابيث الثانية، وتحول مسار الحكم بعد تنازل الملك إدوارد الثامن عن الحكم لصالح أخيه الملك جورج السادس، وبالتالي أصبحت إليزابيث ولية للعهد، وما تبع ذلك من تغير كبير فى طبيعة حياتها وحياة أسرتها ومن حولهم من أشخاص.

طبيعة هذه الشخصية وامتداد مدى تأثيرها الزمني هو ما أثار جدلاً كبيرًا مع ملئ فراغات كبيرة فى الأحداث الدرامية بخيال مؤلفيه وصناعه، واستمر هذا الجدل مع تقدم أحداث المسلسل وصولاً لعام 2023، مع عرض 4 حلقات يمثلون الجزء الأول من الموسم السادس، والذي يتناول الحدث الأكثر شهرة فى حياة هذه العائلة الملكية وهو الحادث الذي أودي بحياة الأميرة ديانا أم أولياء العهد وطليقة الملك تشارلز، وهى الحادثة التى أثير حولها لغط كبير مصدره رجل الأعمال ذو الأصل المصري محمد الفايد، والذى كان أبنه الأكبر عماد أو دودي ضحية نفس الحادث بدوره، حيث أشار الفايد إلى ضلوع أجهزة أمنية ومخابراتية فى تدبير الحادث وهو ما فتح الباب للكثير من نظريات المؤامرة التى لم تثبتها التحقيقات لكنها ظلت عالقة فى أذهان الجمهور ومحبى الأميرة الراحلة محملين العائلة المالكة مسئولية موتها.

تر

 وبالطبع مع الانتقادات التي وجهت للمسلسل في مواسمه السابقة، تحول الترقب لهذا الموسم إلى ذروته لمعرفة كيفية معالجة قضية موت الأميرة ديانا، ومدى إلتزام صناع المسلسل بالحقائق المعلنة، خاصة مع فترة الشد والجذب الماضية ما بين المتخصصين في تاريخ العائلة المالكة البريطانية وهؤلاء الصناع، والتي فتحت الجدل الذي ينتهي بمساحة الحرية الممنوحة لعمل تاريخي روائي والتزامه بالحقائق التاريخية بحذافيرها من عدمه.

ف

المنهج الذى يسير عليه المسلسل يجعله أقرب للفانتازيا التاريخية المناسبة أكثر للأعمال الروائية منها للوثائقية في التزامها الصارم بالحقائق والتزام The Crown بهذا المنهج منذ حلقاته الأولى وحتى الآن هو السر وراء نجاحه الكبير الذى حققه وما زال يحققه، القضية الشائكة وهى حادث "جسر ألما" فى فرنسا والذى راح ضحيته الأميرة ديانا وعماد الفايد، والتي إلتزم الصناع بتناولها على نفس منهج المسلسل، وهو تخيل تأثير الأحداث على شخصياته من منظور إنساني، ففي النهاية أفراد العائلة المالكة هم بشر يملكون صراعاتهم الخاصة ومشاعرهم المدفونة تحت الرسميات والمظاهر والحدود التي تفرضها مناصبهم الرسمية، لذلك خلافًا الانتقادات الموجهة للمسلسل من ناحية تناوله للحقائق التاريخية إلا أنه فى الحقيقة وفر دعم كبير لصورة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب وابنهما الأمير تشارلز، والذين تأثرت شخصياتهم فى الحقيقة بسبب زواج وطلاق الاميرة ديانا بصورة سلبية في عيون الجماهير، لكن المسلسل وضع امام اعين نفس الجماهير تخيل لحجم الضغوط الواقعة على أفراد العائلة المالكة وتضحياتهم فى مقابل واجباتهم المكلفين.

تر

مع عدم التزام صناع المسلسل بالحقائق التاريخية بحذافيرها والتزموا في المقابل بمنهج صارم فيما يتعلق بكيفية تناول هذه الحقائق، فالأبعاد الإنسانية وكسر هالة العظمة والفخامة كانتا أساس هذا المنهج، في القصور الضخمة والغرف الواسعة ذات الشبابيك الكبيرة والأبواب العالية وكذلك الملابس والمجوهرات الفخمة يبدو أفراد العائلة المالكة صغارًا في الوسط وكأنهم تائهين في كل هذه الأحداث حولهم، ويبدو معاونيهم ومن يعملون معهم أكثر ثقة منهم، باستثناء شخصية ديانا المتمردة الوحيدة في هذه العائلة والتي تحدتها بكل تقاليدها ونظام الملكة الصارم للحفاظ على هذه التقاليد حتى لو على حساب أفراد عائلتها المقربين، لذلك تبدو ديانا دائمًا في المسلسل مليئة بالحيوية واثقة من نفسها وقراراتها، حتى في المشاهد التي تصورها في أماكن فخمة وعريقة، تبدو وكأنها ملء السمع والبصر ولا نراها بنفس التقزم الذي يصاحب التعبير عن شخصيات العائلة المالكة عادة في المسلسل.

الجزء الأول للموسم السادس من المسلسل بحلقاته الأربعة يعد هو الأقوى من الناحية الفنية، والحفاظ على منهج المسلسل وعدم الانسياق وراء نظريات المؤامرة والاستمرار في الخط الإنساني في التعبير عن الشخصيات ساهم لحد كبير في تماسك هذه الحلقات كوحدة واحدة، بدأت بتحضير الجمهور بالوصول إلى النقطة الأهم في حياة هذه العائلة، حيث بدأت الحلقة الأولى بمشهد الحادث ثم عدنا بزمن الأحداث لما قبله عند النقطة الفاصلة وهي دعوة ديانا لقضاء إجازتها الصيفية على يخت محمد الفايد مع ابنائها ولقائهم بدودي الفايد.

ف

الحلقة الرابعة من هذا الجزء تعد الأقوى في عنصر الحوار تحديدا حيث لجأ المؤلفين لحيلة ضاعفت من انسانية هذه الشخصيات وإظهارهم للندم، تتلخص في لقاءات الشخصيات المعنية بالراحلين جراء الحادث، بالإضافة للمشهد الأخير الذي جمع ديانا ودودي، حيث أظهروا جوانب الضعف الإنساني أمام فاجعة واستمروا في توضيح وطء ثقل الحادث على الأشخاص المعنيين دون النظر لملابسات الحادث، وهنا أصاب المسلسل بنجاح هدفين أساسيين أولهما الحفاظ على خط المسلسل وعدم الانجراف وراء بريق نظريات المؤامرة وتركوها للمواد الإعلامية لتعيد تداولها مرة أخرى، والثاني وهو الهدف الأساسي من المسلسل ويتلخص في التركيز على فكرة الضعف الإنساني مهما بلغت صدمه وقوة الشخص ففي النهاية المفقودين هم ابن وابنه، أم وزوجة سابقة، ووريث لإمبراطوريه اقتصادية كبرى.

تر