مسلسل "Bodies"

مسلسل "Bodies".. جريمة واحدة وأزمنة مُختلفة في حبكة بوليسية جذابة عن مؤامرة تتوارثها الأجيال!

إيهاب التركي
9 نوفمبر 2023

 يُعيد المسلسل البريطاني القصير "جُثث" "Bodies" إلى الذاكرة المواسم الثلاثة من مسلسل الغموض والدراما الألماني "ظلام" Dark""، كلا العملين من إنتاج منصة "نتفليكس"، وينحصر التشابه بينهما في تقنية السرد المُتعدد، دون ترتيب زمني، والتلاعب بالخطوط الزمنية وهوية الشخصيات، وحبكة "جُثث" تتضمن مؤامرة تمتد لأجيال، وأيضًا السفر عبر الزمن؛ تلك أمور تجعل الحبكة مُثيرة، كتب سيناريو الحَلْقات الثمانية "بول تومالين"، وفكرته مُقتبسة عن رواية مصورة تحمل نفس العنوان، تأليف "سي سبنسر".

من القاتل؟ ومن المقتول؟

المسلسل البريطاني عمل بوليسي مُخلص لفكرة الجريمة الغامضة، والمُحقق الذكي الدؤوب الذي يسعى خلف القاتل، وهو يستخدم فكرة السفر عبر الزمن ليضيف أبعاد نفسية واجتماعية للشخصيات.

نُتابع بشغف أربعة مُحققين من الشرطة، يُحاول كل منهم حل لغز جريمة قتل غامضة حدثت في أحد أزقة لندن الخلفية؛ حيث وُجدت جثة رجل عارِ مُصاب بطلق ناري في رأسه، ولا أثر للرصاصة نفسها؛ دخلت الرأس ولم تخرج، ولا توجد داخل الرأس. كل مُحقق من حِقْبَة زمنية مُختلفة، الجثة تعود إلى رجل واحد، ويتم العثور عليها في نفس المكان مع اختلاف الأزمنة، لا أحد يعرف هويته وهوية قاتله.

تر

تأخذ التحريات في كل حقبة زمنية الشكل التقليدي لأي دراما بوليسية، حيث يتتبع كل مُحقق الأدلة من أجل العثور على الجاني، لكن الخطوط الزمنية الملتوية تجعل الأمر غامضًا ومُربكًا، وجذابًا لمُحب الحبكات الذكية التي تحتاج إلى انتباه في أثناء متابعة مسارات الخيوط الدرامية المُتشابكة.

يُحيط الشك كثير من الشخصيات، ومع مرور الوقت تُسافر بعض الشخصيات بين الأزمنة المختلفة، وتزيد الإثارة؛ إذا يتبع انتقال الشخصية إلى زمن مُختلف تغيرات في الأحداث وتداعياتها.

السؤال الكبير هو: كيف تكررت نفس جريمة القتل بحذافيرها تقريبًا في أعوام (1890) و(1941) والحاضر (2023) والمستقبل (2053)؟ ماذا يربط هذه الأزمنة؟

تر

مُحققون وفرسان!

يأخذ المسلسل طريق فانتازي في مرحلة ما، ولكنه يُحافظ على حالة دراما الجريمة بأدواتها المُلائمة لكل عصر، ويترك مساحات كافية للتركيز على شخصية كل مُحقق، وهم أشبه بفرسان يحاربون خُطَّة جريمة كُبرى قد تؤثر على مصير ومُستقبل بريطانيا المُعاصرة؛ الجريمة تمت فعلًا في الخط الزمني المُعاصر، ولكن هناك فرصة لمنعه من الحدوث.

عام (2023) هو القاعدة الأساسية للدراما في المسلسل، فالعمل يبدأ من هذه الحِقْبَة الزمنية، ويترك المساحة للمُحققة شاهارا حسن (آماكا أوكافور) لمُتابعة تحرياتها حول لغز القتيل الذي وجدته في زقاق خلفي وبجوار شاب مُمسك بمسدس، ورغم وضوح المشهد ظاهريًا: قتيل وبجواره شاب مُسلح، لكن التحريات ونتائج تشريح الجثة تُغرق المشهد بضباب الغموض؛ وتزيد مشاهد الفلاش باك في سنوات (1890) و(1941) من حالة الحَيْرَة.

ع

داخل كل مُحقق صراع داخلي من أجل البقاء والتعايش مع ظرف اجتماعي يضغط عليه بشدة، ويدفعهم إلى مُقدمة صفوف مواجهة الشر، وداخل كل منهم الشك في أنه البطل الأجدر بالمهمة الصعبة، هم أبطال عاديون، بلا قُوَى خارقة أو يقين مُطلق، جميعهم لديه هدف نبيل، وطريق ضبابي يُحاول أن يجتازه؛ هم ليسوا فرسانًا بالمعنى المألوف.

ع

لندن في خطر!

شخصيات المحققين جزء من حالة القصة؛ فكل منهم يحمل خصوصية تتعلق بهويته وعلاقته بالعالم حوله، والنموذج الذي يستعرضه العمل هو مدينة لندن في أزمنة مُختلفة؛ فبينما يبدو المُحقق ألفريد هيلينجهيد (كايل سولر) من العام (1890) نموذج للشاب المثالي؛ ذكي ودؤوب في عمله، وله عائلة مُحبة؛ زوجة وابنة شابة، لكنه يخفي ميوله المثلية عن الجميع، ويسعى خلف وجيه ثري يخفي سرًا يُهدد أمن المدينة، وفي حِقْبَة الحرب العالمية الثانية وقصف هتلر للعاصمة لندن (1941) يُكلف المحقق من أصول يهودية شارلز وايتمان (جاكوب لويد) بالتحقيق في نفس جريمة القتل، جاكوب تحيطه أجواء عنصرية على الرغْم تقدير مِهنيته وذكاءه، وداخل أعماقه مزيج من الخير والشر، وسلوكياته تُحيطها الشُبهات.

ع

في الزمن المُعاصر (2023)، حيث المساواة والثقافات المُتعددة، تنشغل المُحققة المُسلمة شاهارا حسن عن ابنها وعائلتها بعملها، هي لاحقًا تشعر بمسؤوليتها عن مصير بريطانيا، وحينما يقودها حدسها وتحرياتها إلى الخوف من عمل إرهابي ضخم قادم، تسعى لوقفه، يعوقها تراخي من حولها؛ ويدفعها اليأس للعمل بشكل منفرد، وفي المستقبل (2053) آيرس مابلوود (شيرا هاس) تعيش وحيدة وتتحرك بواسطة عمود الفِقْرِي صناعي يعمل بالشحن، ويُذكرها بحقيقة أنها قعيدة، ولا يُمكنها الوقوف أو الحركة دون هذا الجهاز المُتطور، هي تعيش في مدينة سعيد ومثالية ومُتطورة، وهذه الصورة ليست الواقع كما تكشف مسارات الأحداث.

لا يبدو أي من هؤلاء الأربعة مُنتميًا لزمنه أو عالمه تمامًا؛ يُحاول كل منهم الاندماج في مجتمع لم يُشارك في وضع قوانينه وقناعاته، ولا يُقاوم فساد بعض هذه المفاهيم والقناعات؛ لأنه يُدرك أنها حرب خاسرة؛ لذا يسعى أن يكون جزء من جهاز العدالة وحفظ الأمن، ويصدمه تآكل النظام داخليًا، وانتشار الفساد في كل مكان؛ لقد كشفت جريمة واحدة تهافت بُنيان المُجتمع.

ف

أن تكون محبوبًا!

الحب قد يكون وسيلة لدغدغة مشاعر أتباع طائفة غامضة تُخطط لعالم جديد، يستخدم قائدها مانكس جملة: "اعلم أنك محبوب"، دلالة على الرضا وتقديرًا للولاء.
يهتم العمل بحالة الشخصيات العاطفية، ويُركز على فكرة الحب الذي يطفو على سطح الأحداث طوقًا لنجاة شخصيات فقدت بوصلتها الأخلاقية، لكنها لم تفقد فِطرة الخير الداخلية؛ نرى ذلك في صراع مشاعر المُحقق هيلينجهيد بين حبه لعائلته وميله المثلي للمصور الصحفي، واهتمام شارلز، المُحقق الفاسد الذي لا يتورع عن القتل، بمصير طفلة فقيرة وضعتها الظروف في قلب مؤامرة، لا تعي أبعادها وخطورتها على حياتها، أو مُحققة المُستقبل التي تعيش وحيدة، تُقاوم مشاعر الانجذاب إلى عالم وأستاذ جامعي، تدور الشكوك حول مُشاركته في التخطيط لعمل إرهابي.

ف

حتى الشر الذي تُمثله شخصية مانيكس "ستيفن جراهام" لا يبدو كذلك في كل الأزمنة؛ هو تعبير صارخ عن وقوع شخص بريء في براثن هوس فكرة المدينة الفاضلة، التي تقوم على أنقاض المدينة الحالية، رجل له أتباع يؤمنون باستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول لهدف نبيل|، وينسى هؤلاء المتطرفون أن البشر ليسوا أبيض أو أسود، هم مزيج من الخوف والشجاعة، والتردد والإقدام، تُحركهم مُثل عُليا ويتعثرون في خطاياهم ويقومون مرة أخرى؛ هم مثل المحققون يسعون إلى العدل والحقيقة، ليسوا مثاليون تمامًا، ولكنهم يحاولون.

الصور من تريلر المسلسل وحساب انستجرام