من هي الملكة البريطانية التي عثر مزارع على قبرها بالمصادفة؟

من هي الملكة البريطانية التي عثر مزارع على قبرها بالمصادفة؟

عبد الرحمن الحاج
8 أكتوبر 2023

وسط مساحات ممتدة من المناطق الريفية الساحرة، تقع قلعة تاريخية صغيرة تحتوي على كنيستها الخاصة، وتشتهر بجدرانها الصفراء التي يحيط بها حديقة تزينها زهور عطرة وأشجار خضراء، ولكن خلف هذا الجمال الريفي الجذاب يوجد قبر ملكة كانت في يوم ما زوجة لأحد أشهر ملوك بريطانيا، وكانت حياتها مليئة بالدراما والتي سرعان ما نسيت نهايتها في ظل عصر عائلة تيودور الحاكمة لما تضمنه ذلك العصر من اضطرابات سياسية وصراعات دامية على الحكم، والمثير للاهتمام أن الدراما التي أحاطت بهذه الملكة لم تنتهي بعد موتها حيث ضاع قبرها لعقود من الزمن قبل أن يقوم أحد المزارعين باكتشافه بالمصادفة أمام أعين السياح المندهشين، وبفضل ذلك تم اكتشاف قبرها الضائع وبعد أن أعيد بناء هذه القلعة والتي كانت مقر إقامة لها ولفظت فيها أنفاسها الأخيرة، تم وضع قبرها بأمان في الكنيسة الجميلة داخل القلعة، وأصبح مكان يتوافد على زيارته السياح، مثله في ذلك مثل العديد من القبور الملكية الأخرى في بريطانيا، ولكن من هي الملكة صاحبة القبر الضائع التي نتحدث عنها؟ إنها كاثرين بار Katherine Parr، ثامن وآخر زوجات الملك هنري الثامن Henry VIII ملك بريطانيا الذي اشتهر بتعدد زيجاته وانتهاء معظمها بنهايات مأساوية لزوجاته، أما عن القلعة التي انتقلت للإقامة إليها بعد وفاة هنري الثامن٠، والتي أصبحت لاحقا مثواها الأخير فهي قلعة سوديلي في مقاطعة جلوسيسترشاير البريطانية.

كيف أصبحت قلعة سوديلي المرقد الأخير للملكة كاثرين بار

كيف أصبحت قلعة سوديلي المرقد الأخير للملكة كاثرين بار
كيف أصبحت قلعة سوديلي المرقد الأخير للملكة كاثرين بار

كاثرين بار انتقلت للإقامة في قلعة سوديلي في عام 1548 بعد زواجها من توماس سيمور Thomas Seymour، شقيق جين سيمور Jane Seymour، وهي ثالث زوجات هنري الثالث والزوجة الوحيدة من زوجات هنري الثامن التي نجحت في تحقيق حلمه بإنجاب وريث ذكر لعرشه وهو إدوارد السادس Edward VI، قبل وفاتها بعد أيام قليلة من إنجابها لإدوارد السادس بسبب حمى النفاس.

زواج كاثرين بار من توماس سيمور، جاء بعد ستة أشهر فقط من وفاة هنري الثامن، وهو زواج فاجأ الكثيرين بسبب حقيقة أنه جاء بعد أشهر قليلة من وفاة زوجها الملك، ولكن هذا لم يكن المفاجأة الوحيدة في ذلك الزواج حيث شهد ذلك الزواج حمل كاثرين للمرة الأولى في زيجاتها المتعددة، وكان عمرها وقتها في ذلك الوقت هو 36 عام، وهو عمر متقدم للحمل، بمقاييس عصر تيودور، وبحلول الوقت الذي انتقلت فيه للإقامة في قلعة سوديلي، كانت كاثرين تنتظر مولودها الأول، وعلى الرغم من أنها بدت بصحة جيدة للغاية طوال فترة حملها وحصولها على أفضل رعاية ممكنة أثناء ولادتها، إلا أنه بعد وقت قصير من ولادة لابنتها ماري، في 30 أغسطس 1548، بدأت علامات حمى النفاس تظهر على كاثرين، وفشل أطبائها في إنقاذها، لتنتهي حياتها بسبب حمى النفاس في الخامس من سبتمبر عام 1548، وغادر زوجها القلعة بعد ذلك بوقت قصير، ولم ينتظر حتى حضور مراسم دفنها.

زوجها لم ينتظر طويلا أيضا في جنازتها والتي كان أبرز الحضور فيها ليدي جين جراي Lady Jane Grey والتي اختارها إدوارد السادس لاحقا لتكون وريثته على العرش لتجنب وصول العرش إلى شقيقته الكبرى ماري Queen Mary، وهي محاولة باءت بالفشل بعد أيام قليلة من إعلان ليدي جين ملكة، وانتهت بإعدامها وزوجها وعدد من أقاربها بتهمة الخيانة بعدما استحوذت ماري على السلطة.

كيف أصبح قبر كاثرين بار قبر ملكي ضائع

كيف أصبح قبر كاثرين بار قبر ملكي ضائع
كيف أصبح قبر كاثرين بار قبر ملكي ضائع

كاثرين دفنت في قلعة سوديلي بعد ساعات قليلة من وفاتها، وسرعان ما تم نسيانها حيث انشغل آخر أزواجها، توماس سيمور، في محاولة طموحة، وكارثية بالنسبة له، كما تبين لاحقا، للسيطرة، على ابن شقيقته الملك الشاب، إدوارد السادس، والتي انتهت باتهامه بالخيانة العظمى، وإعدامه بهذه التهمة، وبعد وفاة إدوارد السادس وعمره لا يتجاوز 16، واختياره لواحدة من بنات عمومته وهي ليدي جين لتخلفه في العرش، لتجنب وصول العرش البريطاني لشقيقته الكاثوليكية المتعصبة ماري، تم إعلان ليدي جين ملكة لإنجلترا ولكن بعدها بأيام قليلة، نجحت ماري في انتزاع العرش من ليدي جين، وقامت بإعدام الأخيرة في عام 1554.

بحلول ذلك الوقت سقطت قلعة سوديلي نفسها في حالة خراب، وخلال السنوات التالية أصبحت معقل للملكيين خلال الحرب الأهلية الإنجليزية، وهو ما جعل كرومويل Cromwell وقواته يتعمدون إهانة وتخريب القلعة، وعلى مدى العقود التالية، سقطت القلعة في حالة خراب كامل وتلاشى معها الآثار الباقية التي تشير إلى موقع قبر كاثرين، بعدها قام القرويون المحليون بانتزاع الحجارة من البقايا المتهدمة من مبنى القلعة، لاستخدامها في تدعيم وبناء منازلهم، وبحلول أواخر القرن الثامن عشر، أصبحت قلعة سوديلي أطلالا تاريخية شهيرة، وأصبحت بقاياها الخلابة مغطاة بالطحالب ومخبأة بالزهور والنباتات البرية والتي كانت سابقا موقع لحديقة ساحرة، كما استخدمت جزء من أراضي القلعة كأرض والتي سارت عليها ملكة في يوم ما، كأرض لرعي الأغنام وهكذا ضاع قبر آخر ملكات هنري الثامن بين الأنقاض حتى تم اكتشافه لاحقا عن طريق الصدفة.

كيف اكتشف قرب كاثرين بار الضائع

كيف اكتشف قرب كاثرين بار الضائع
كيف اكتشف قرب كاثرين بار الضائع

في عام 1782، لاحظت بعض النساء أثناء زيارتهن لأطلال قلعة سوديلي، وجود لوح من المرمر بين الأنقاض وأقنعن مزارعا محليا بالبدء في الحفر حوله، وبعد الحفر عثر على تابوت يحمل لوحة من الرصاص مكتوب عليها "كاترين الملكة"، وعندما فتح التابوت،

 تم العثور على جثة امرأة في حالة جيدة بشكل ملحوظ، بعدها أصبح اكتشاف تابوت كاثرين بار موضع الكثير من الاهتمام،

وتم فتح نعشها مرة أخرى عدة مرات، من بينها مرة لم يتم التعامل فيها بحذر مع جثمان كاثرين بار، ولذلك وبحلول عام 1817، بدأت أثار التحلل تظهر على الجثمان وبدا وكأنه مغطى بغبار بني، ولذلك تم اتخاذ القرار بإعادة دفن الملكة كاثرين مرة أخرى، في قبو عائلة شاندوس التي كانت تمتلك آنذاك قلعة سوديلي.

كيف أعيد جثمان الملكة كاثرين إلى قلعة سوديلي مرة أخرى

كيف أصبح قبر كاثرين بار قبر ملكي ضائع
كيف أعيد جثمان الملكة كاثرين إلى قلعة سوديلي مرة أخرى

بعدها بسنوات بيعت قلعة سوديلي لعائلة ثرية والتي تولت إعادة بناء وتجديد القلعة، وبناء كنيسة صغيرة داخل القلعة، وبعدها نقل جثمان الملكة كاثرين، ليدفن داخل قبر جديد منحوت ومصنوع خصيصا من أجلها داخل الكنيسة، ويزينه صورة كاملة منحوتة لها مع نحت للشعارات النبيلة الخاصة بأزواجها الأربعة، كما وضعت أيضا لوحة تذكارية على القبر تخليدا لذكراها، وحاليا أصبح آلاف الأشخاص يتوافدون على زيارة قبر الملكة كاثرين بار سنويا، والذي يقع داخل كنيسة تحيط بها حديقة من الزهور البيضاء على أرض قلعة سوديلي، جدير بالذكر أن كاثرين بار أصبحت بذلك، الملكة الإنجليزية الوحيدة التي دفنت على أرض ذات ملكية خاصة وليس في مقبرة ملكية.