Retribution

فيلم "Retribution".. ليام نيسون نجم الأكشن العالق في الحبكة الواحدة!

إيهاب التركي
21 سبتمبر 2023

ترسم الحبكة شخصية البطل بمواصفات خاصة؛ فهو رجل مُتفانِ في عمله للغاية، وموهوب وصاحب حيلة، وهو الاختيار الأول لحل مشكلات وأزمات العمل شديدة الدِّقَّة والحساسية، وقد تكون لديه خلفية أمنية ميدانية تؤهله لمشاهد الحركة والمُطاردات. على المستوى الشخصي العائلي يُجانبه التوفيق في زواجه؛ ويبدو وحيدًا أغلب الوقت وملامحه تميل للحزن والندم. بالرغْم كل ذلك هو مرتبط للغاية بابنته أو ابنه، وحينما تتعرض عائلته للخطر يتحول إلى مُقاتل شديد العنف والشراسة، ولا يُوقفه شيء أو شخص حتى يتأكد أن عائلته خارج دائرة الخطر. تعود جذور هذه الحبكة إلى أحد أشهر أدوار "ليام نيسون"، وهو شخصية بريان ميلز في ثلاثية Taken "اختطاف" التي صاغها المخرج وكاتب السيناريو الفرنسي "لوك بيسون"، وهذه الثلاثية تسببت في تحول مسار "نيسون" السينمائي، ووضعته في قائمة نجوم الأكشن وشباك التذاكر.

حبكة ليام نيسون! 

هذه الحبكة وتنويعاتها يُمكن أن نُسميها "حبكة ليام نيسون"؛ فأغلب أدواره الأخيرة تدور في فلكها، ومنها دوره الأخير في فيلم "Retribution" "القصاص"، وهو إعادة لفيلم إثارة إسباني عُرض عام 2015، وأعيد تقديمه بنسخة ألمانية عام 2018، ونُسخة كورية عام 2021، والنسخة الثالثة من بطولة "ليام نيسون" من إخراج "نمرود أنتل"، وهو مخرج من أصول مجرية، وجاءت شهرته بعد إخراجه فيلم الإثارة المجري "Control" "تحكم"، وانتقل إلى هوليوود وقدم عدد من أفلام الأكشن والرعب والخيال العلمي، وأخرج حلقتين من الموسم الرابع من مسلسل Stranger Things "أشياء غريبة".

فيلم "القصاص" من نوعية أفلام الأكشن والغموض، وتدور مُعظم أحداثه داخل سيارة يقودها المصرفي المالي الاستثماري المرموق مات تيرنر "ليام نيسون"، وبصحبته ابنه المُراهق المُزعج، وطفلته المشاكسة، ويصله اتصال غامض من مجهول يطلب منه تحويل أموال طائلة من حسابات استثمارية سرية، ويُهدده بتفجير قُنبلة موضوعة أسفل كرسي القيادة لو خالف أوامره أو أبلغ الشرطة، وفي مرحلة ما يستعين مات بزوجته "إمبث ديفيدز" لمساعدته وتنفيذ بعض مطالب المجرم المجهول.

ملامح "حبكة ليام نيسون" واضحة بجلاء في الفيلم، ويبدو أن اختيار "نيسون" لتقديم النسخة أمريكية يعود للتشابه العام مع حبكة مُغامراته السابقة في عدة أفلام، ولكن هناك تغيير في التفاصيل؛ فالبطل مُحاصر داخل سيارته المُفخخة، ولا يجرؤ على مُغادرتها؛ والحبكة تميل أكثر إلى صراع العقل والذكاء بين البطل والشرير، وبين البطل والشرطة التي تشك فيه، ولا توجد في الحبكة مواجهات عضلية أو ركض، ومشاهد الأكشن تعتمد على مطاردة سيارات الشرطة للبطل الذي يتحول من ضحية إلى المشتبه به الأول في عدة حوادث تفجيرات سيارات مُفخخة تطال بعض المستثمرين.

Retribution
Retribution

خيوط درامية واهية! 

البطل مشغول دائمًا بعمله كما نرى في مشهد البداية، وعلاقته متوترة بزوجته، وأيضًا بابنه المُراهق المُتمرد، حتى ابنته الصغيرة تتذمر أحيانًا من عصبيته، وهذه مظاهر الحياة اليومية التي تؤكد وهن الخيوط التي تربط أفراد العائلة عاطفيًا، ولكن الأمر يتغير حينما يجد الأبُّ نفسه محبوسًا داخل سيارته بصحبة ابنيه، وخطر الموت أسفل كرسي سيارة الأبُّ. الرغبة في النجاة تُسيطر على أجواء العِلاقة بين الأبُّ وابنيه داخل السيارة، وتذوب العصبية والحوار الخشن بين الجميع؛ فالخطر المُميت يُقربهم، والخوف يدفعهم إلى التماسك سعيًا للنجاة من الموقف.

إخراج "نمرود أنتل" يميل للرتابة على عكس أعماله السابقة في مجال الإثارة والرعب، ثم تأتي مشاهد مطاردات الشرطة الساخنة في شوارع برلين حيث تدور أحداث الفيلم، ويتحرك مود الفيلم قليلًا؛ ليتحول من فيلم عائلي نمطي إلى فيلم إثارة مسلي، ولكن مشاهد المطاردات والتفجيرات لا تمنح الفيلم جاذبية خاصة؛ فأغلبها يميل للصخب دون رؤية إخراجية خاصة، كأنها مشاهد مصنوعة لأداء الغرض لا أكثر، والأكثر من هذا يظهر البطل مُتفوقًا على الشرطة في قيادة السيارات ببراعة وَسَط زحام برلين بلا مُبرر أو إقناع بصري؛ وأسوأ مراحل الفيلم التي يُقرر فيها البطل الهروب من حصار سيارات الشرطة شديد الكثافة، والبحث عن المُجرم الحقيقي بنفسه؛ إنه يتخلص من الجميع بسهولة، ويكمل المهمة مُنفردًا لأن ذلك المتوقع من "ليام نيسون" بطل ثلاثية "Taken" وليس شيء أخر.

Retribution
Retribution

إستهلاك ممثل موهوب! 

الفيلم خطوة من خطوات استهلاك طاقة وإمكانات ممثل موهوب ولديه جمهور، وتاريخه يضم العديد من الأفلام الهامة والأكثر قيمة، وهو على مستوى حبكة فيلم مصنوع للتسلية يفشل في صناعة عمل أكشن مثير، وحبكة العمل مليئة بالثغرات الغير منطقية، حتى الخلفية العائلية الدرامية فاترة وفقيرة للغاية، وهذا يؤثر على مُشاهد يُفترض أنه يتعاطف مع شخصيات عالقة في سيارة مهددة بالانفجار في أي لحظة.

الشخصيات التي تؤدي الأدوار الثانوية مكتوبة بسطحية، وأدوارها ضعيفة دراميًا؛ إننا نرى الممثلة "إمبث ديفيدز" في دور الزوجة التي تسعى للطلاق من زوجها وبدأت الإجراءات بواسطة محامي، وهو يعلم بالأمر بالصُدفة، ويزيد هذا من أزمته وأحزانه في وقت شديد الحساسية والتوتر، ثم تظهر في مشاهد قصيرة دون تأثير، والممثل "ماثيو مودين" يقدم دور مُتواضع على الرغْم من أهمية شخصيته في حبكة الفيلم، والممثلة "نوما دومزويني" تجسد دور عميلة الإنتربول المُكلفة بالقبض على مات تيرنر، وهي تظهر بأداء جامد يصل حد الغباء، وتتجاهل كل المعلومات والاحتمالات التي تُشير إلى براءة مات، ولا يوجد مُبرر لكل هذا سوى أن السيناريو يسعى لمنح البطل مُهمة الإمساك بالمُتهم الحقيقي بنفسه، وقد يبدو ذلك مقبولًا لو كان مات رجل ذو خلفية شُرطية وليس مُجرد محاسب، ولكن ليذهب المنطق إلى الجحيم من أجل عيون "ليام نيسون" وحبكة الأكشن والانتقام التي يُقدمها في أغلب أفلامه مؤخرًا.

Retribution
Retribution

الصور من حساب ليام نيسون على تويتر