تاتشر... أناقة من فولاذ

إعداد: أريج عراق لم تكن سياسات مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة الحديدية، أكثر من انعكاس لشخصيتها ونمط حياتها ونشأتها. فكل هذه العوامل تجمعت لترسم لنا صورة عن السيدة التي قادت واحدة من أكبر إمبراطوريات العالم –حتى ولو كان هذا قد تحول إلى تاريخ- في فترة حرجة، لتصبح واحدة من أهم الأسماء في تاريخ بريطانيا الحديث بعد وينستون تشرشل. كيف كانت المرأة الحديدية تختار إطلالتها لتعبر بها عن شخصيتها الفريدة، وما هي العوامل المؤثرة في اختياراتها؟ وهل لنشأتها دور في هذه الاختيارات –مع ملاحظة أن والدتها كانت تجيد فن حياكة الملابس- بعد البحث تبين لنا أن هناك خمسة عناصر أساسية  شكلت نموذج أناقة تاتشر الحديدية. تسريحة شعرها قبل انتخابات 1979 كانت تاتشر تترك شعرها طليقاً، وكان يتميز بطول متوسط، إلا أنها بعد وصولها للسلطة تغير الأمر، وبدت تسريحة شعرها القصير الشهيرة وكأنها مثبتة باستخدام كمية مهولة من مثبتات الشعر، فلا شيء يؤثر فيه أو يحرك إحدى شعراته، وبدا في شكله العام أقرب إلى الخوذة، أليست هي المرأة الحديدية؟ لآلئ تاتشر من الأشياء النادرة التي لم تتغير في خزانة ملابس مارغريت تاتشر بعد أن أصبحت رئيس وزراء، هي مجوهراتها من اللآلئ، خاصة العقد والأقراط الشهيرة، وهي نفس المجوهرات التي ارتدتها في زفافها في بداية الخمسينيات، ويبدو أن هذه المجوهرات كانت لصيقة بشخصيتها، حتى أنها كانت تبدو وكأنها لا تخلعها مطلقاً، حتى في صورها الأخيرة، كانت موجودة. لقد ارتدت تاتشر هذه المجموعة لما يقرب من ستين عاماً متصلة، من دون كلل أو ملل، وهو اختيار مميز وملفت، فهو يوحي بالأناقة والكلاسيكية من دون تكلف أو اسفاف، ويمنحها الشكل المحافظ الذي تفضله، ولكن برقيّ. التايير الأزرق من المعروف أن اللون الأزرق هو أحد أهم الألوان التي تمنح الشكل المحافظ، وهذا ما كانت تفضله تاتشر، وكانت تلجأ إليه كثيراً في الأحداث الرمزية، مثلاً عندما ارتدته في أول أيام عملها في 10 Downing Street وكأنها تعلن بوضوح أن المحافظين قد وصلوا إلى مقر الحكم، وأنهم على طريق سياستهم من دون حياد. البلوزة المرقطة كل هذه المظاهر السابقة كانت تمثل الجانب الصارم في شخصية تاتشر، لذلك انتبه مشتشاروها إلى أهمية وجود قطع في خزانة ملابسها تحمل الطابع الأنثوي، وكان اختيارها الأثير هي البلوزة المرقطة بربطة العنق المميزة، وفي الحقيقة لم تكن هذه البلوزة شديدة الأنوثة كما قد يُعتقد، ولكنها كانت كذلك بالنسبة لها، خاصة إذا كان الفارق الوحيد بين ملابسها وملابس من حولها من الرجال، هو أنها لا ترتدي البنطلون، ويبدو أن تاتشر كان تعتبر هذه البلوزة هي قمة الأناقة، حتى أنها ارتدتها في العشاء الذي أقامته لمصممي الأزياء في 1983، ما دعى Katherine Hamnett مصممة الأزياء الشهيرة ترتدي T- Shirt رداً على هذه البلوزة "الأنيقة". القفازات والحقائب لم تتخل تاتشر يوماً عن القفازات كعنوان للأناقة – رغم كونه عنواناً قديماً ينتمي للخمسينيات على أفضل تقدير- وارتدتها في أغلب الأوقات، حتى في السهرات الخاصة. واقترنت قفازات تاتشر دائماً بحقيبة اليد المربعة السوداء ذات الذراع القصير مهما تغيرت، ورغم أن منصبها يمنحها حرية التنقل والظهور من دون حقيبة على الإطلاق، إلا أنها تمسكت بها بقوة، ولازمتها في كل المواقع، سواء في عملها، أو وهي تشارك الرئيس الأميركي Ronald Reagan على عربة غولف، أو حتى وهي تزور مواقع البناء وترتدي الخوذة، ولم يعرف أحد ابداً ما تحتويه هذه الحقيبة! إلا أن هذه الحقيبة الصغيرة والتي حملتها تاتشر لما يقرب من ثلاثين عاماً، وجدت من يقدرها أخيراً عندما عرضت للبيع في مزاد بدار Christies عام 2011، وحققت مبلغ 25,000 جنيه استرليني! فهل كانت تاتشر حقاً سيدة من فولاذ، أم أنها كانت تخفي وراء مظهرها الصارم بعضا من المشاعر الرقيقة، تخشى بقوة أن تفضحها وتخرج للنور؟ أعتقد أن الإجابة رحلت مع تاتشر إلى الأبد.