2013 تقطف وردة السينما الرقيقة زهرة العلا

سيقف التاريخ الفني طويلاً بأسى، أمام ذلك اليوم الشتوي الغائم الثامن عشر من ديسمبر 2013، حيث بدأ النهار بخبر رحيل الممثل القدير جمال إسماعيل، ولم تبدُ هذه الجرعة من الأحزان مقنعة، فلحق بنا مساءً خبر ذبول زهرة السينما المصرية، وانطفاء رحيقها إلى الأبد، الممثلة القديرة والنجمة الجميلة زهرة العلا.
 
وُلدت زهرة العلا محمد بكير في 10 يونيو 1934، في حي محرم بك بالإسكندرية، لأسرة متوسطة الحال، وظهرت عليها شواهد حب الفن والتمثيل منذ طفولتها، وساعدها في ذلك حضوها لمسرحيات العملاق يوسف وهبي مع والدها الذي كانت تربطه به صداقة متينة، وأسست وهي طفلة فريقاً للتمثيل من زميلات دراستها، وأخرجت لهن العديد من المسرحيات، عرض والدها على يوسف بك أن يضم الطفلة ذات الثلاثة عشر ربيعاً إلى فرقته، ولكنه رفض ذلك بشدة، مؤكداً كونها مازالت طفلة، ومن حقها التمتع بطفولتها. فبكت الطفلة الصغيرة التي استمعت إلى الحوار وراء الكواليس، وفوجئت بيد حانية تربت عليها، كانت الفنانة العظيمة أمينة رزق قد شاهدت الطفلة الباكية، وعرفت منها سر بكائها، فمنحتها خطاباً خاصاً لعملاق آخر هو زكي طليمات، عميد معهد التمثيل، الذي قبلها بين تلاميذه استثناء، وبالمخالفة للوائح السن في المعهد، لتبدأ زهرة مشواراً فنياً رائعاً امتد لما يقرب من 60 عاماً، كانت فيه إحدى أعمدة الكلاسيكية الراقية، التي شكلت وجدان أجيال عديدة.
 
قدمت زهرة العلا العديد من المسرحيات الفنية ابتداءً من عام 1951 مثل البخيل، المتزحلقات، بجماليون، وانضمت لفرقة رمسيس التي يملكها يوسف وهبي، وبعدها انتقلت لفرقة إسماعيل ياسين، وقدمت معه الكثير من الأعمال في المسرح والسينما، ثم شاركت فؤاد المهندس وشويكار مسرحية حواء الساعة 12. هذا على مستوى المسرح، أما في السينما فحدث ولا حرج، أكثر من 120 فيلماً، كانت زهرة هي عطرهم الرقيق، صديقة البطلة الوفية غالباً، وبطلة الفيلم أحياناً، والأم الحنون الواعية الواثقة في العقود الأخيرة، من يمكنه أن ينسى "هنادي" دعاء الكروان، التي مازلنا ننادي عليها بكل الحسرة "هنادي وين يا خال؟"، "بهية" الرقيقة في رد قلبي، التي أخلصت في حبها لحسين شقيق البطل، دون انتظار لأي مقابل، أما الجميلة "بوعزى" في رائعة يوسف شاهين "جميلة"، فكانت ومازالت تبكي الملايين بمشهدها القاسي أمام قاعة المحكمة، وغيرها الكثير من الأدوار والأعمال الرائعة، التي لا تنسى لزهرة السينما المصرية.
 
أثناء تصوير فيلم "رد قلبي" 1957، ربطتها علاقة عاطفية حقيقية بالفنان صلاح ذو الفقار، الذي استغل مشهد إعلان زواجهما في الفيلم، وطلب منها بعد التصوير أن يحولا التمثيل إلى حقيقة، وعقدا قرانهما بالفعل، بمشاركة فريق العمل، إلا أن هذا الزواج لم يستمر لأكثر من عام واحد، انفصلا بعده، لكنهما حافظا على صداقة قوية، استمرت لأكثر من 40 عاماً، عملا فيها معاً أكثر من مرة، ثم تزوجت في بدايات الستينات من المخرج حسن الصيفي، الذي أنجبت منه ابنتيها أمل ومنال، واستمر زواجهما لما يقرب من 42 سنة، حتى وفاته في 2005.
 
الحصيلة كبيرة، تصل لأكثر من 160 عملا، بين المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، كان آخرها مسلسل القضاء في الإسلام ج3 عام 2001، لتبتعد بعدها زهرة عن الأضواء، وعندما قرر المركز الكاثوليكي تكريمها في 2010، لم تستطع الذهاب لحفل التكريم بسبب مرضها، فتم تكريمها في بيتها، في لفتة إنسانية رقيقة، تليق بها.
 
ومع خبر رحيلها المؤلم، يلح ذلك السؤال، هل كانت صدفة أن نسمع صوت الكروان بينما نحن نعرف بالخبر؟ أم كما قال عميد الأدب العربي طه حسين: "دعاء الكروان ..أترينه كان يرجع صوته هذا الترجيع حين صرعت هنادي في ذلك الفضاء العريض؟"