ميتشيكو إمبراطورة اليابان العنيدة

عمرو رضا
 
في مواجهة التقاليد الصارمة لأقدم إمبراطورية على وجه الأرض، وقفت الرقيقة ميتشيكو لا تملك الا ابتسامتها والحب الجارف من رفيق الرحلة الامبراطور أكيهيتو، وشعبية طاغية لأول امرأة من عامة الشعب الياباني تقتحم قلعة إيدو وتعتلى عرش "سيد السماء" وتغير كل قوانين الأسرة الإمبراطورية، وهي خطوة لم تحققها سيدة يابانية منذ ثلاثة آلاف عام.
 
ولدت ميتشيكو شودا في 20 أكتوبر 1934 وهي الابنة الكبرى لرجل الأعمال شودا هيسابورو، وخريجة قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة ساكرد هارت في طوكيو عام  1959 بامتياز مع مرتبة الشرف، حضرت أيضا دورات في جامعتي هارفارد و أكسفورد،  وتغير مسار حياتها في أحد ملاعب التنس بالعاصمة اليابانية طوكيو عندما قابلت ولى العهد أكيهيتو الذى حارب كل الطقوس الإمبراطورية التي تحذر زواج ولي العهد من خارج العائلة، وأقنع في 27 نوفمبر 1958 مجلس البلاط الامبراطوري بالارتباط بمحبوبته الرقيقة للتقرب من الشعب الذي رأى في اقتران الفتاة العصرية الشابة بالأسرة الحاكمة أملا في الاقتراب بين رمز الدولة والجماهير الذي تحقق بالفعل يوم  10 أبريل 1959.
 
كل الأساطير المتداولة عن "حياة الرعب" داخل القصر الإمبراطوري منذ نشأته عام 666 قبل الميلاد، كانت في انتظار الرقيقة ميتشيكو في قصر كوكيو الذي كان مقر قلعة إيدو السابقة، فقد عانت من اضطرابات نفسية وعصبية عنيفة في السنوات الأولى لزواجها بعدما منعت وفقا للتقاليد الحاكمة من التكلم مع العامة وممارسة الأعمال المنزلية كما عانت من ضغوط شديدة لانجاب طفل ذكر يرث العرش خاصة وأن القوانين تحظر منح ولاية العهد للنساء، لكن شرارة التغيير حدثت مع انجاب طفلها الأول ولي العهد الأمير ناروهيتو بعدما رفضت كل محاولات ابعاده عنها، وتمسكت بتربيته بنفسها ورعايته وإرضاعه بصورة طبيعية واعداد طعامه داخل جناحها الخاص خلافا للتقاليد التي تعهد للمربيات الملكيات بهذه المهام وهو ما تكرر مع طفلها الثاني الأمير أكيشينو والأميرة ساياكو.
 
ثورة ميتشيكو امتدت لتعصف بكل التقاليد المتوارثة، فقد سمحت لنفسها بمخاطبة عامة الناس والاختلاط بهم كما أدخلت الأزياء العصرية الى القصر الإمبراطوري، ونجحت في التخلص ببطء من تعليمات مسؤولي البلاط المتجهمين، كما أقامت علاقة جيدة للغاية مع وسائل الاعلام اليابانية والعالمية، بالرغم من أن القصر الإمبراطوري يفرض السرية الكاملة على أفراد العائلة المقدسة ويحظر تصويرهم بشكل يشوه قداستهم كرمز ديني وسياسي.
 
معاناة ميتشيكو استمرت حتى بعد أن أصبحت الإمبراطورة رقم 125 لليابان يوم 12 نوفمبر 1990، ويروى أنها انهارت عام 1993 وفقدت القدرة على الكلام وأصيبت بنوبات إغماء متتالية بعدما تلقت توبيخا شديدا من موظفي القصر، بسبب تبسطها مع الصحافة الشعبية واتهامها بإهانة التقاليد الإمبراطورية، وهو للغرابة نفس ما عانته الأميرة ماساكو زوجة ولي العهد الأمير ناروهيتو والديبلوماسية السابقة التي درست في جامعة هارفارد، وأصيبت جراء نفس الضغوط باضطراب ذهني وأعفيت من معظم واجباتها الملكية لما يزيد عن خمسة أعوام.
 
ولكن ميتشيكو خرجت من أزمتها في العام نفسه أكثر عندا، فقامت بتنظيم جولة عالمية لأكثر من 17 دولة، انتهت باختيارها واحدة من أكثر سيدات الأسر المالكة أناقة، كما كثفت من زياراتها لدور الرعاية الاجتماعية والمرافق الثقافية، لدرجة أنها حضرت في عام 2007 أكثر من 300 اجتماع.
 
كما حققت حلمها الأبدي بإدخال عامة الشعب الى القصر الإمبراطوري عندما وجهت الدعوة لخمسين زوجا للمشاركة في احتفالها بمناسبة اليوبيل الذهبي لزواجها من إمبراطور اليابان أكيهيتو، ورقصت وقتها رقصة النصر مع زوجها واستحقت اشادة الاعلام المحلي الذي وصف اللحظة التاريخية بمقولة خالدة" لقد عادت اليابان شابة وعصرية".