الكاتبة الكويتية ليلى العثمان: شخصيتي الأدبية عنيفة والمرأة ضعيفة أمام قهر المتشددين

هي – أسماء وهبة ليست امرأة عادية. هكذا يمكن الإشارة إليها. مندفعة، حادة، غاضبة، حنون وجريئة. لم تتردد في كسر السائد لرفع صوت المرأة الكويتية عاليا، مفصحة عن آلامها وعذاباتها وأحلامها، بإصرار وعناد وتحد ما أدخلها في مواجهات مع بعض القوى المتشددة. لكنها وصفت في هذا الحوار مع "هي" علاقتها بالـ"إسلاميين" بأنها "عادية". لا يتعرضون لها. لكنهم يمنعون كتبها من دون حكم قضائي كما تقول. لذلك تؤكد أن أعداءها يدفعونها أكثر من أصدقائها للكتابة والإبداع. لذلك تشعر بحب كبير تجاه من وصفتهم بـ"أعدائها"، لأنها كما تقول "يدفعوني لتحقيق حلمي. ولا أقبل أن يكسر أحدهم حلمي". هناك من يقول أن ليلى العثمان لم تخرج من عباءة الكويت القديمة التي تعتبر العامل المشترك بين كل أعمالها. هل هذا ينتقص من تجربتك الروائية؟ سأجيب على السؤال بطريقة أخرى استنادا إلى عملي الأخير رواية "المرأة والقطة" التي تتكلم بلسان رجل وليس امرأة. هذه الرواية تحكي عن تحكم العائلة في الفرد إبان الحياة الكويتية القديمة. كتبتها بألم كبير حتى يظهر للقارىء حجم الوجع الذي يشعر به الفرد عندما تقتنص حريته. تحكي الرواية عن امرأة تعذب زوجة ابنها وقطته. امرأة تملك كما كبيرا من الشر يفوق شر كل الرجال. وأردت أن أبين هنا أن المرأة ليست دائما عطوفة وحنوناً. وليس صحيحا أن نتهم الرجل دائما بالعنف لأنه ليس كذلك. أردت أن أقول بأن المرأة كائن إنساني. تعيش كل التناقضات. لذلك الشر النسائي النادر الحدوث أقوى من ذلك الصادر عن الرجل! إذن المسألة لا تتعلق بالزمان بل بمضمون الحكاية نفسها. وهذا ما ينسحب أيضا على مجموعة القصص القصيرة الأخيرة التي نشرتها بعنوان "ليلة القهر". وأعترف هنا بأنني أحب القصة القصيرة الأخيرة في الكتاب التي تحمل عنوان الغلاف "ليلة القهر". تحكي عن أمنيات بسيطة قد لا ندركها في الحياة، إلا أنها تعني للآخرين الكثير. تحكي القصة عن سيدة تعمل في تظيف حمامات المطار. أناس عادة لا نكترث إليهم إبان السفر والترحال. إنها امرأة تجلس داخل دورة المياه في انتظار تنظيفه تنتظر بتعب وبؤس، جالسة بائسة أو نائمة أو متعبة وقد يعطيها الداخل والخارج وقد لا يعطيها. اشتهت أن يكون عندها أحد العطور النسائية التي تشمها في الحمام. هذه العطور التي تتعطر بها النساء بعد تنسيق ماكياجهن. حلمت بالتعطر لزوجها العامل في محل "السمبوسك". لعل رائحتها الجديدة تذيب رائحة "السمبوسك" العالقة في ثيابه والملتصقة بجسده! وعندما حصلت على أحد تلك العطور النسائية قررت مفاجأة زوجها عند المساء، بدلا من أن يشم رائحة المنظفات التي باتت جزءا من تكوينها الجسدي. وعندما اقتربت منه بعطرها الجديد قال لها: "أف رائحتك الليلة كريهة". هكذا أصابها بالقهر. هي التي فعلت المستحيل لتحصل على ذلك العطر! هناك جيل كامل من الكاتبات اللواتي تخصصن في الكتابة عن مشاكل النساء فهل استطعتنّ تغيير شيء ما في واقعهن؟ يبقى وضع المرأة كما هو. قد تحدث أحيانا ثورة نسائية تعدل جزءاً كبيراً من حياتهن. لكننا جميعا كاتبات وأخريات ناضلنا لنعيش حياة كريمة. لن نقبل بالظلم الذي يعيش المرأة والرجل على حد سواء في عالمنا العربي. لكننا نواجه هذا الأمر بصعوبة شديدة! أما على الصعيد النسائي أستطيع الجزم أن كل القهر الذي تتعرض له المرأة الآن من الأب، الأخ، الزوج، ابن العم أو من أي رجل آخر يفوق ما تعرضت له في الماضي! وهذا يعود إلى استعمال الرجل للدين بطريقة خاطئة لظلم المرأة وقهرها. على الرغم من أن ديننا الإسلامي عنوانه التسامح والحرية والمحبة. لكن للأسف تعاني المرأة الآن من قهر المتعصبين والأصوليين والمتشدين الذين لن تستطيع مواجهتهم بقوة! عادة كيف تأتي فكرة رواية جديدة؟ أحلم بها في نومي، أو أصادف وجهاً يثير عندي شيئا معينا، أو أتعرض لحادث بسيط سعيد أو حزين، من ثم أبدأ رحلة تعب بلورة الفكرة وكيفية توظيفها في قصة أو رواية. ما هو همّ ليلى العثمان؟ الكاتب أبو الهموم. وهو لا يحمل همه فقط بل هموم الدنيا كلها. يفكر في آلام الآخرين وأوجاع وطنه. إنه أكثر حساسية اتجاه ما يحيط به. وهو ما يحرضه على الكتابة. هناك نقطة بداية لعلاقة الكاتب بالنص والحبر والورق. كيف داعبت الكتابة خيال ليلى العثمان؟ في طفولتي ومراهقتي عشت نوعاً من الكبت بسبب العادات والتقاليد. وبعد وفاة أبي خرج هذا الكبت بكل الجرأة والصراحة والحرية الإنسانية. نجحت كتاباتي واستقبلها الناس بإستحسان فقررت الإستمرار في الكتابة الصادقة الصريحة، غير المجاملة، والجريئة في الطرح. أطرق المواضيع الصعبة التي يتحاشاها البعض. ومن ثم تبعني الكثير من الكاتبات. هكذا تكونت شخصيتي الأدبية التي لا أنكر أن فيها بعض العنف والجرأة الصاخبة. لم أستطع أن أبدل شخصيتي. لذا سأبقى كذلك إلى آخر يوم في حياتي. ما الذي يؤلم ليلى العثمان الآن؟ وطني العربي الكبير.