الأميرة ميت ماريت ..غادة الكاميليا تنتصر أخيرًا

إعداد:أريج عراق

منذ أبدع الكاتب الفرنسي الكبير ألكسندر دوما الابن رائعته " غادة الكاميليا " "La Dame aux camellias" بات واجبًا  على كل فتاة وقعت في حب أحد النبلاء الأغنياء من ذوي الحسب والنسب ، بينما تعاني هي  من ماضٍ غير مشرف ،  أن تضحي بحبها ، بل وبنفسها ، لإنقاذ سمعته ومستقبله . الرواية ظلت منذ صدورها ملهمة للنهاية الحزينة لهذه العلاقة الشائكة بين النبيل والفتاة التي أجبرتها الظروف على ارتكاب حماقات تشوه سمعتها ، ولكن هذه النهاية تغيرت تمامًا على يد زوجة الأمير هاكون ولي عهد النرويج الأميرة ميت مارييت.

البدايات متشابهة بين غادة الكاميليا و ميت ماريت تيسيم هويبي ؛ فالأخيرة اشتهرت بعملها كنادلة وفتاة تعرٍّ في الحانات ، واتهمت بالانتماء لمنظمات شيوعية ، والمؤكد أنها كانت على علاقة غير شرعية بتاجر مخدرات ، أثمرت عن طفل بلغ الرابعة من عمره ، عندما حانت لحظة كيوبيد ، والتقى ولي العهد الأمير هاكون  بالفتاة اللاهية ميت على مائدة بعض الأصدقاء في أحد الملاهي الليلية في عام 1999.

الحب لا يعرف المستحيل ، ولكن هذه العلاقة كانت فوق المستحيل نفسه ،  استمرارها كان ضربًا من ضروب الخيال ، فالأسر الملكية التي اعتادت على الاقتران ببنات العائلات الملكية قد تتسامح في هذا الأمر ، شريطة أن تكون العروس ذات حسب ونسب ، وليس تاريخًا إجراميًا ، ولكن ما جرى كان العكس تمامًا ، فقد وافق الملك هارولد بن اولاف الخامس على هذا الارتباط فورًا ، خاصةً وأنه عانى شخصيًا من أزمة مماثلة ، عندما عطل والده الموافقة على زواجه من الملكة سونيا هارالدسن عشر سنوات كاملة  ، لمجرد أنها لا تحظى بالدماء الزرقاء ، وبالطبع وافقت الملكة الأم ، ولكن جاء الرفض بأغلبية ساحقة من الشعب النرويجي ،  إذ انخفضت شعبية العائلة المالكة إلى 40 بالمائة فقط بمجرد الكشف عن هذه العلاقة ، وتوترت الأمور أكثر عندما انتقل هاكون للإقامة مع ميريت في شقتها الصغيرة بالعاصمة أوسلو ، إذ رفضت الكنيسة اللوثرية هذه العلاقة ، خاصةً وأن هاكون سيكون على رأسها بمجرد توليه الملك ، وطالبت الأمير بالتخلي عن ولاية العهد إذا كان مصرًا على إتمام هذا الزواج تأسيًا بإدوارد الثامن ولي عهد المملكة المتحدة ، الذي تخلى عن العرش عندما أراد الزواج من أليس سيمبسون.

ما بين حيرة التخلي عن العرش أو التخلي عن حبيبته ، وجد الأمير هاكون ضالته في المصارحة ومخاطبة جيل الشباب ، فنظم مؤتمرًا صحفيًا لميت مارييت أقرت فيه بندمها على ما فعلته في حياتها السابقة ، ورفضها التام لتعاطي المخدرات ورغبتها في حياة شريفة ، واستعدادها لحياة القصر الرزينة مع فتى أحلامها ، ورغم أنها لم تعترف بتعاطي المخدرات صراحةً ولم تعتذر عنه ، إلا أن شعبيتها زادت إلى 60 بالمائة في نفس اليوم ، وأشار استطلاع للرأي العام بعد مؤتمرها الصحفي إلى أن أربعين في المائة من النرويجيين قد أصبح لديهم انطباع أفضل عنها ، فيما ذكر 84 % ممن شملهم الاستطلاع أنها كانت أمينة في التعرض لماضيها .

هنا بدأت إرهاصات بقبول الشعب النرويجي لهذا الزواج العجيب ، وهو ما مهد الطريق أمام الأمير هاكون لمواجهة الشعب بنفسه ، فعقد مؤتمرًا صحفيًا اعترف فيه بكل أخطاء ميريت ، وأنه كان في سبيله للتخلي عن ولاية العهد لاستكمال هذا الزواج ، ولكنه قرر أن يضع مصيره بين أيدي الشعب النرويجي نفسه . وقال معلقًا على ارتباطه بميريت والدعاوى المطالبة بتخليه عن العرش : «أعتقد أنه من المهم أن يفكر المرء في كل احتمالات مصيره، وقد وجدت أنني ينبغي أن أكون هنا وقد كانت أسرتي رائعة في كل التفاصيل، فقد تحدثت إليهم كثيرًا قبل أن تجد الأنباء طريقها إلى الصحف ، ثم قررت أن أتحدث عن الأمر بنفسي لأضع حدًا لكل القيل والقال، وقد قلت شيئًا يمكن أن ألخصه على النحو التالي: نحن كبشر نمر بمراحل مختلفة ، وهذه هي الحال بالنسبة لرفيقتي، وبالنسبة لي شخصيًا، وربما بالنسبة لأي شخص آخر ، ونحن نتغير مع الزمن» . وجاءت استطلاعات الرأي مجددًا لتحسم الأمر ، إذ زادت شعبية الأسرة الملكية إلى 80 بالمائة في ثلاثة أيام فقط.

دموع هاكون في المؤتمر الصحفى لم تضمن له الدعم الشعبي فقط ، وإنما دعم كل الأسر المالكة في أوروبا ، فقد أعلنت جميعها عن رغبتها في حضور هذا الزفاف ، فضمت قائمة الضيوف ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وشقيقه الأمير إدوارد إيرل سوسكس ، والملك كارل جوستاف عاهل السويد ، والملكة مارجريت ملكة الدنمارك ، والملك ألبرت عاهل بلجيكا ، والأمير ألبرت أمير موناكو وولي العهد الإسباني الأمير فيليبي.

دموع هاكون استمرت حتى يوم زفافه  الذي وافق 25 أغسطس 2001 ، ولكنه في هذا اليوم أبكى الجميع معه ، فقد أصر على إلقاء كلمة على وليمة الزفاف ختمها بكلمة " ميتي ماريت .. أحبك " ، وقد نقل التلفزيون النرويجي على الهواء مباشرةً كلمة الأمير بمناسبة الزفاف . وشكر هاكون عروسه على الأيام التي عاشا فيها معًا قبل الزواج ، والفرصة التي أتيحت له بفضل هذه الأيام ليمضي وقتًا مع ابنها ماريوس البالغ من العمر أربعة أعوام . ولم يملك كثير من كبار الضيوف بالوليمة ومنهم عدد كبير من أفراد العائلات المالكة الأوروبية دموعهم التي انسابت لسماع هذه الكلمة.

وبعد العشاء افتتح الأمير والأميرة الحفلة برقصة (فالس) غيرت من تاريخ غادة الكاميليا ، فبدلاً من النهاية الحزينة على فراش الموت تعاني الفقر والمرض ، باتت زوجة ولي العهد والفتاة الأكثر شعبية في النرويج ، وأحد أهم المحاضرين عن الأخلاق والمنظمين لحملات مواجهة مرض الإيدز.