الماضي للماضي... الحاضر والمستقبل لنا

يتعلق المرء منا بالأشياء كتعلق الطفل بأمه، نخاف أن نفقدها كما يخاف الطفل أن تغيب أمه عن ناظره. ونبني حياتنا كلها حول تلك الأشياء كأنها السبب في وجودنا.
 
وأكثر ما نتعلق فيه هو الماضي، من الطفولة إلى المراهقة فالحب الأول والدراسة والنجاح والعمل، كلها تبقى تشدنا إلى الخلف كلما واجهتنا صعوبةٌ في الحاضر أو خفنا من المستقبل. 
 
قد يكون ذلك لأن الماضي هو الشيء الوحيد الذي نثق به كونه ملموساً وشهدنا عليه وعرفنا وجوهه العديدة، فيما نتوجس من الحاضر ويخيفنا اللامعلوم في المستقبل.
 
لكن لنقف هنيهةً ونسأل أنفسنا: لما هذا التعلق الشديد بشيء مضى؟ هل لأنه كان أجمل أم لأنه كان معروفاً لنا أكثر؟ ولماذا نتعلق بأشياء وُجدت لخدمتنا في ظرف ما أو حالة ما، فمتى ما انتهت الحالة إنتهت الأشياء معها؟
 
لا شيء يبقى على حاله إلا وجه الله، حتى ولو أردنا ذلك بشدة. لا يبقى الأحبة ولا تبقى المكاسب ولا المناصب ولا النجاحات، لكن تبقى الذكريات في زمن الماضي الشاهد علينا ولنا. إلا أن التعلق الزائد بهذه الذكريات والهروب إليها كلما واجهتنا مشكلةٌ، هو هروبٌ من أنفسنا ومن الواقع ومن حتمية تجربة كل شيء مهما كانت صعوبته.
 
الماضي للماضي، فيما الحاضر والمستقبل لنا، فلنحياهما كما يجب وكما يليق بهما ويجدر بنا. الخوف من المجهول يقتلنا رويداً رويداً، فلنبعد هذا الهاجس عنا ولنعلم أن هنالك قدراً ومشيئةً لا بد منهما، ولن نستطيع تغييرهما مهما حاولنا. هي الإرادة الآلهية التي ترسم لنا الطريق وتدلنا على كيفية السير فيها، لنتعلم من أخطائها ولنكسب من نجاحاتها.
 
لن يفيدنا التقوقع في الماضي والحنين إليه كل حين، لتكن عودتنا إلى الماضي لاستشراف الحكمة والموعظة والأفكار في تدبير ما نمر به في الحاضر، وتخطيط ما نطمح إليه في المستقبل. ليكن الماضي سنداً لنا لا ثقلاً علينا، يجعلنا التفكير فيه والشوق إليه نكره حاضرنا وظروفنا، ولا نطمح إلى أي مستقبل قد يكون أفضل بكثير من ذلك الماضي الذي عشناه يوماً.
 
أكذوبةٌ هي تلك التي تقول الماضي الجميل، أنا لا أؤمن بهذا القول، بل أؤمن أن كل زمن جميل، ماضياً كان أم حاضراً وبالطبع مستقبلاً. نحن شاركنا في صناعة ماضينا الجميل الذي نحنَ إليه دوماً، فلنكن بذات الحماسة وذات القدرة على صناعة حاضر ومستقبل لا نخشاهما أبداً.