لا تقنطوا من رحمة الله

كلما اشتدت الأزمات واستفحلت، بتنا أكثر قلقاً وخوفاً واضطراباً. فالمرء منا إعتاد على الإستقرار في العمل والبيت والأسرة والأصدقاء، ومتى ما فاجأته نكسةٌ أصابت بعض هذا الإستقرار، بات يعيش القلق كأنه فقد كل شيء.
 
لكن ما لا يعلمه الكثير منا، أو قد يعلمه لكنه لا يؤمن به إيماناً خالصاً، هو أن رحمة الله أكبر من كل شيء، وأن الفرج لا بد آت عما قريب.
 
لا تقنطوا من رحمة الله، هو ليس مجرد قول نردده لأنفسنا ولغيرنا عندما نمر بأزمة ما، بل يجب أن يكون شعاراً لنا في الحياة، وأن نثق به ثقةً كبيرة لا يشوبها أدنى شك.
 
لا مفر من تجارب صعبة سنمر بها جميعاً، نفقد فيها الإستقرار المهني والمادي إلى جانب أزمات أخرى تقلب حياتنا رأساً على عقب، فنصبح فريسةً سهلة للهموم والقلق وحتى التشاؤم. وكلما ضاقت الأزمة واستفحلت، بتنا أكثر توتراً وخوفاً، وعندها نلجأ للخالق نسأله الرحمة والمعونة. نسأله بحرقة ولوعة، ونستعجل الحلول كأننا نريدها البارحة، ولا ندري أن الله سبحانه وتعالى قد يؤخر شيئاً عن قصد ليُلحقه بأفضل منه، وأنه جلَ جلاله يمنع عنا الأذى الكبير عندما يلحق بنا أذىً أقل منه.
 
هي النفس البشرية التي تضعف عند الشدة، فيما يجب أن يقوَيها إيمانها بالله وبذاتها لتجاوز هذه الشدة. والله يعلم بضعفنا ويصبر علينا، وفي النهاية تكون رحمته أكبر من كل توقعاتنا وأمنياتنا.
 
نحزن إن لم يكن لدينا مالٌ كثير، فيما غيرنا لا يملك ثمن كسرة خبز. نحسد جيراننا على سيارتهم الجديدة، فيما بعضنا يمشي مسافات طويلة كل يوم للعمل أو المدرسة لأنه لا يملك المال لشراء حتى سيارة قديمة. نريد أن نقتني كل الأحذية والملابس، فيما بعضنا لا يملك حذاءاً واحداً فيمشي حافياً كل الليل وكل النهار. نريد بيوتاً أكبر، فيما بعضنا لا يملك سقفاً يحتمي تحته من حر الشمس أو صقيع البرد. وفي النهاية، وفيما نكون في نعمة مقارنة بهؤلاء الآخرين، ننهار عند أول أزمة تصادفنا كأن الدنيا انهارت بسمائها علينا.
 
فلمَ هذا الضعف وقلة الحيلة، في وقت أنعم الله علينا بالكثير وأخرجنا من أزماتنا بأقل الأضرار؟ لم لا يكون إيماننا برحمته أكبر من إيماننا به؟
 
يُقال أن الله إذا أحبَ عبده إمتحنه، بالأزمة والخوف والفقدان، وكلما زاد تعلق المخلوق بالخالق والإتكال عليه والثقة به، كلما كانت الرحمة أكبر. 
 
يدبَر الله أشياء لنا لا نعرفها، وقد تكون أفضل بكثير مما نتمناه. فليكن إتكالنا وثقتنا برحمته التي لا تسع شيئاً دليلنا في الحياة.