منارة للأمل والتجدّد

منارة للأمل والتجدّد

مارينا فيدوروفا

في عالمَيْ الفنّ والموضة، تتشابك الاتجاهات وتتداخل بصور تتجاوز الحدود التقليدية، لتقدّم بذلك لوحة فسيحة للتعبير تعانق الأفــــــق. وكفنانة في زمن الحداثة، يأسرني الأبيض بجماله الأزلي، ولا سيما عندما يُترجَم هذا الجمال في الزهور الناعمة المتراقصة برقّة. ففي عالم تأفل فيه الصيحات وتشرق، تبقى قوة الأبيض شاهقة، رمزاً للصفاء والبساطة ووعود الانطلاقات الجديدة.

وبينما لا أتباهى بخبرة في رصد تقلّبات الموضة، فإنني كفنانة، أنظر بعين الفطنة إلى التيارات الثقافية التي تنسج منظورنا الإبداعــــــي. وقد لحظت أنه في موسمَي الربيع والصيف لهذا العام برزت رقّة الزهور البيضاء كنمط مسيطر في أروقة الفنون المتنوّعة. فقد تلقّفت دور الأزياء هذا النمط بذراعين مفتوحين، مظهرةً جمال هذه الأزهار في ثوب أحاديّ اللون ومُحكم البساطة. ومن النحت إلى الأعمال الورقية والمنشآت الفنيّة، تتغلغل جاذبية الزهور البيضاء في وعينا الجمالي، مستدعية التأمّل والإعجاب.

وأنا شخصياً، انخرطـــت في رحلـــــة استكشاف روعة الزهور، وبخاصة الأوركيد، من خلال لوحاتي وإبداعاتي الفنية، وذلك من خلال عملية تصوير التفاصيل المعقّدة، والتفاعل بين الضوء والظل، وجوهر أناقة الزهور التي كانت مصدر إلهـــام وإثـــارة في آن.

فبالنسبة لي، تتجاوز اللوحة البيضاء مفهوم الفراغ الذي ينتظر التحوّل، بل هي تجسيد لجوهر البدايات الجديدة ونقاء التعبير الإبداعي. إنها لحظة مفعمة بالتوقّع والقلق، حيث تحمل كلّ ضربة من الفرشاة ثقل الإمكانات.

أستعيد في ذاكرتي معرضي الأخير "أصداء أثيرية"، حيث قمت بتحويل فستان أبيض إلى لوحة حية بريشتي، وأنا مشدودة بالدلالات العميقة للأبيض. إذ على الرغم من طابعه المحايد ظاهرياً، يحمل الأبيض غنى المعاني التي تعبر الثقافات. إنه لون الانتقال، يُجسّد كلاً من النقاء والإمكانات معاً. وفي عالم الموضة، يظلّ الأبيض تحفة خالدة، يُعتز به لمرونته وفخامته، ويُقدم كلوحة بيضـــاء للمصممين ليبدعوا عليها بأقمشــــــة وأشكال وتعابير، مفتوحة على إمكانيات الابتكار والتجديد.

وبينما نتقلّب في تعقيدات عالمنا المعاصر، تظلّ قوّة الأبيض منارة للأمل والتجدّد تذكّرنا بالجمال الكامن في البساطة، وبالقوّة التحويلية للإبداع، وبالجاذبية الأزليّة للتعبير الفني. وبتبنّينا قوّة الأبيض، نفتح الباب لإمكانيات لوحة بيضاء تدعونا لنسج روايتنا الخاصة بالجمال والرقيّ.

Credits

    "مارينا فيدوروفا" Marina Fedorova المديرة الفنّية لدار "سبوتنيك بارتنرز" للتصميم
    فنانة متعدّدة المواهب ابتكرت نوعا جديدا من الفن الراقي المتعدّد الوسائط الذي يمزج بين اللوحات والمنحوتات المجسّدة، والفنّ الرقميّ وهي أيضا المديرة الفنّية لدار "سبوتنيك بارتنرز" للتصميم والتي تعنى بمجموعة من الأنشطة المتعلّقة بالفنّ والعقارات